أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الطاهر وطار أديب استهواه المشي في سراديب السياسة !!
بقلم : إدريس علوش  ... 12.04.2014

الأديب الطاهر وطار عرف بوقوفه ضد بيروقراطية الساسة في الجزائر وكتابه الجديد عبارة عن عمل فني فيه جدل بين السياسي والاجتماعي.
عن دار “الحكمة”، بالجزائر، صدر للأديب الجزائري الطاهر وطّار كتابه الموسوم بـ“أراه- الحزب وحيد الخلية”. وهو الكتاب الذي أغلق به الأديب الجزائري الطاهر وطّار نهج سيرته الكتابية قبل رحيله، والذي وافته المنية بعد مرض عضال سنة 2010.
يستمدّ كتاب “أراه- الحزب وحيد الخلية” قوته من حفريات الذاكرة والتاريخ الشخصي والرأسمال الرمزي للأديب الجزائري الطاهر وطّار، وأيضا من التجربة النضالية والكفاحية التي عايش تفاصيلها منذ تشكل وعيه السياسي النقدي الرافض لكل أشكال التبعية والمهادنة والانسياق داخل صفوف الحركة التحررية التي كان يقودها حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري.
لأنه ظل دوما ينتصر لقيم المثقف واستقلاليته عن السلطة، أيا كانت هذه السلطة، حتى ولو كانت قادمة من ساحات حركة التحرّر.
كما هو الشأن بالنسبة إلى جبهة التحرير الوطني التي جاءت بالاستقلال الوطني والتحرّر من نير الاحتلال الفرنسي سنة 1962، بعد خوضها لمعارك التحرير البطولية والتاريخية، والتي كانت حصيلتها “مليون ونصف شهيد”، وهو الاسم الذي استمدّت منه الجزائر دلالتها للتربع على عرش حركات التحرّر العالمي والكوني.
إنها محطات صيرورة وصراع بين المثقف العضوي المندمج في سياقات النضال المبدئي مع عموم مكونات الشعب، وبين من يمارسون السياسة “السياسوية” للظفر بالمناصب والفرص والاستيلاء على السلطة، ومن ثمة خيرات البلاد ومصادر الثروة الوطنية المادية والرمزية، وإقرار البيروقراطية نهجا لتدبير شأن البلاد والعباد.
الذي يبقى
كتاب “أراه- الحزب وحيد الخلية” عمل فني سردي وإبداعي بامتياز، وهو أيضا عمل سير- ذاتي دمج فيه عمي الطاهر -وهو الاسم الذي يناديه به أحباؤه- الجدل القائم بين السياسي والاجتماعي، وكأنه يحاصر خصومه برؤاه الثاقبة والنافذة للأشياء، رؤى مغايرة ونقدية بالأساس، منتصرا عبرها لقيم الأدب والإبداع والجمال والعدل والخلق والمواطنة والكرامة الإنسانية، وهذه المستويات معا هي الأبقى والأخلد في الزمن والمكان.
الطاهر وطّار في نصه شاهد على مرحلة برمتها التبست فيها الخيوط واختلطت عبرها الأوراق، وتشكل عبر صيرورتها تاريخ الجزائر المعاصر، والذي عرف تحولات جذرية في التاريخ والذاكرة والوجدان.
لكن وطّار وفق ما رآه انطلاقا من شرعية الراوي السارد من تفاصيل التزام الحكمة والتأمل والصمت عوض الانخراط في لحظات الجذبة والرقص مع ذئاب المرحلة، كل ذلك حتى لا ينساق إلى متاهات السياسي المحترف والماكر في آن.
وليؤكد الطاهر وطار جدارة وصلابة موقف المبدع والأديب من الحفاظ على أقصى درجات استقلالية هذا الأخير ضدّا للتبعية والذيلية والخنوع.
وحيد الخلية
هناك شرك، ويبدو أنه منصوب للمتلقي وبفنية عالية في النص، يربك القارئ، وهو أن عمي الطاهر استهل عمله الأدبي هذا بالحديث عن هوجاء الأمواج الصاخبة التي تقاذفته وهو في بحر المعترك السياسي، وأفصح عن كثير من قضاياه التي ظلت عالقة في النفس والروح وتركت آثارا جانبية بالغة في داخله. خصوصا وأنه اختار الانتساب إلى الحزب وحيد الخلية، الحزب البديل عن تصدعات المرحلة، من موقع انتمائه الراديكالي والجذري كماركسي يؤمن بالتحليل المادي للوقائع الملموسة. وهذا الانتماء فتح عليه جبهات متعددة أدخلته إلى معترك الصراع مع دهاقنة العمل السياسي المنتسبين إلى جبهة التحرير الوطني الذي حكم الجزائر بقبضة من حديد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وانتهى إلى ما آلت إليه الأوضاع، مستقبل قاتم أنتج العشرية الدامية السوداء، وأخّر الجزائر، كل الجزائر من أن تعانق المستقبل الأرحب والأنسب كدولة حضارية قوية ومتقدمة. يكفي أن نستشهد بهذه الحالة التي اعترته -وما أكثر هذه المواقف التي عرفها الطاهر في إطار حالات التصادم والتماس مع قيادات الحزب التي كان منهم من يكمن سرا وعلنية له- فقد صرح مرة عباس المساعدية: “جبهة التحرير تدعوهم، والطاهر وطّار يجتمع بهم…”.„
وهو يقصد تحديدا ضيوف الجزائر من رموز حركات التحرر الوطني والأممي الذين كانوا يزورون الجزائر ويحلون ضيوفا على الطاهر وطّار في بيته للتواصل معه باعتباره مثقفا ومبدعا ومناضلا يساريا وصاحب أفكار وتصورات ورؤى نقدية وتقدمية.
والشرك الذي نصبه الطاهر وطّار في هذا العمل الأدبي هو كونه جعل من هذا المدخل للحديث عن شجون السياسة والسياسي، فاتحة لشهية المتلقي عبر النقلة النوعية التي سيعرفها وذروة المتعة التي ستتحقق لديه وهو يلتهم صفحات هذا العمل الأدبي وليخوض في كنه النص وجوهره والذي ليس أساسه السياسة بل الإبداع وفن السرد والكتابة…
مقتضيات الكتاب ونصوصه بوح صادم يحكي تجربة المثقف -حالة الأديب الطاهر وطّار- الذي ينشد قيم التعدد والاختلاف والتنوع عوض تكريس وجهة النظر الواحدة، شهادة حية وسيرة إبداعية عن مسار التحوّلات التي عرفتها الجزائر والتي تقاطع معها الكاتب من موقع انتسابه للوعي النقدي، وإنشاده للأفق الأرحب الذي يتيحه المستقبل، ولو من موقع الحلم والحالم.

1