أحدث الأخبار
الثلاثاء 08 تشرين أول/أكتوبر 2024
هل تأمر محكمة الجنايات الدولية باعتقال نتنياهو؟!
بقلم :  د.جمال زحالقة ... 02.05.2024

نشرت وسائل الإعلام أخبارا عن حالة هستيريا وهلع تسود ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي (الواقع فوق أراضي قرية الشيخ بدر، غربي القدس)، بعد وصول «مؤشّرات قوية» بأن محكمة الجنايات الدولية ستصدر، خلال الأيام القريبة المقبلة، أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيا وضد وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، ورئيس الأركان الجنرال هرتسي هليفي. وعقد مجلس الأمن القومي الإسرائيلي جلسة خاصة بمشاركة نتنياهو وغالانت وخبراء قانون، لبحث وسائل التصدي لقرار الاعتقال المحتمل، والخطوات اللازمة لمنع إصداره. ووفق ما تناقلته وسائل الإعلام فإن نتنياهو مشغول جدا بهذه القضية ويجري مشاورات على مدار الساعة حولها.
وفي رسائل إعلامية متواترة، عبّر نتنياهو عن غضبه وحنقه على محكمة الجنايات قائلا: «إمكانية أن تصدر المحكمة في لاهاي أوامر اعتقال عن جرائم حرب ضد ضبّاط جيش الدفاع الإسرائيلي وقادة الدولة هي فضيحة. وإذا حدث هذا فعلا، فستكون تلك جريمة كراهية لاسامية.. لا يمكن لأي قرار في لاهاي أو غيرها أن يثبط عزيمتنا وإصرارنا على تحقيق جميع أهداف الحرب.. تحت قيادتي لن تسمح إسرائيل بأية محاولة لتقويض حقّها في الدفاع عن نفسها». واستهجن نتنياهو استهداف جنود ومسؤولين لدولة هي كما قال، «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والدولة اليهودية الوحيدة في العالم».
**هل المحكمة الدولية هي لنصرة الضحية أم للتغطية على جريمة المجرم القوي؟ لقد قال كريم خان، المدعي العام للمحكمة بأنه سيعمل وبشكل محايد لنصرة حق الضحية. بقي أن ينفّذ!
قانونيا المحكمة الجنائية الدولية متخصصة بالقضايا الجنائية لأفراد، بخلاف محكمة العدل الدولية، التي تحاكم الدول لانتهاكها القانون الدولي في قضايا محددة. ووفق دستورها، تستطيع الجنائية الدولية اعتقال قيادات سياسية وعسكرية، ولا حصانة لأحد أمامها مهما كان منصبه ورتبته. ويُجمع أخصائيو القانون المحايدون على أن الدلائل التي تراكمت في مكتب المدعي العام للمحكمة، كافية لاستصدار أوامر اعتقال بحق قيادات عسكرية وسياسية إسرائيلية، من بينها رئيس الوزراء ووزير الأمن ورئيس الأركان. لقد أقرت المحكمة الجنائية سابقا أن لها صلاحية البت في قضايا تخص الضفة والقدس وغزة، على الرغم من أن إسرائيل ليست ضمن الدول الـ124 الأعضاء فيها. المحكمة قبلت عضوية فلسطين كدولة وتستمد صلاحيتها للبت في جرائم الاحتلال الإسرائيلي اتكالا على هذه العضوية. وقررت المحكمة سالفا بالتحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي منذ العدوان على غزة عام 2014، الذي ذهب ضحيته 2200 شهيد فلسطيني. وصرح المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بأن التحقيق يشمل الحرب على غزة وقال: «انظر في الأدلة بحيادية لتثبيت حقوق الضحايا، سواء أكانوا من إسرائيل أم من فلسطين». لقد قدم محامون مناصرون لفلسطين وهيئات دولية وحقوقية كمّا هائلا من الأدلة، التي تثبت بما لا يترك مجالا للشك، بأن الدولة الصهيونية ارتكبت جميع أشكال الجرائم التي هي من اختصاص المحكمة: 1) جرائم حرب، 2) جرائم ضد الإنسانية، 3) جرائم إبادة جماعية، 4) جرائم العدوان. وعليه فمن الناحية القانونية لا مجال أمام المدعي العام إلّا تقديم طلب خاص بإلقاء القبض على القيادات الإسرائيلية العليا للهيئة القضائية المؤلّفة من ثلاثة قضاة، والمخوّلة باستصدار أوامر الاعتقال. إن الكم الهائل من البيّنات والوثائق والتسجيلات والتصريحات والبيانات، يجعل إقامة الشبهة بارتكاب جرائم منافية للقانون الدولي أمرا ليس بالصعب. أمّا إذا امتنع المدعي العام عن ذلك فهذا إعلان إفلاس تام للمحكمة الدولية، ولن ينفع هنا أي تبرير أو أي حجّة.
سياسيا بدأت إسرائيل بشن حملة سياسية ودبلوماسية مكثفة للضغط على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، لحثه على عدم استصدار أوامر اعتقال ضد قيادات إسرائيلية. وفي جلسة دعا إليها نتنياهو نوقش هذا الموضوع بالتفصيل، وعارض خبراء القانون هذا التوجّه بالقول إنه «بوميرانج»، وقد يأتي بنتائج عكسية لأن خان، كما قالوا، «يمقت التدخل السياسي في الشأن القضائي». ولكن نتنياهو رفض رأيهم وبدأ بتحريك الحملة، التي استجاب لها عدد من أعضاء الكونغرس، الذين سارعوا إلى إدانة «نوايا» محكمة الجنايات، وهددوا بإصدار قانون خاص ضدها. وصرح السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل دافيد فريدمان: «لقد فرض ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وجاء بايدن وألغاها، وقد آن الأوان أن يقوم بتجديدها». ودعت «وول ستريت جورنال» في افتتاحيتها حول الموضوع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تفعيل الضغوط على كريم خان، وإلا فسيتعرّض الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني إلى تحقيق ضدهما». وفي محاولة لتفعيل ضغط على الإدارة الأمريكية، تحدث مسؤول إسرائيلي إلى صحيفة «جيروزاليم بوست» بأن هناك أمرا «لا تستطيع المحكمة إصدار أمر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت وهليفي من دونه، وهذا الأمر هو موافقة أمريكية سرية أو علنية». وتساءل المسؤول: «أين بايدن؟».
نظريات المؤامرة
في الوقت الذي يصرخ ويصرح نتنياهو بأن تهديد الاعتقال حقيقي، ويسرب مكتبه بأنه مسألة أيام، وفي الوقت الذي يستنجد فيه بقيادات الدول الأعضاء وغير الأعضاء في محكمة الجنايات الدولية، ذهب عدد من المحللين أنها مجرد تمثيلية، والدليل أن المصدر الوحيد لما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية بشأن أوامر الاعتقال هو مصدر إسرائيلي، وتحديدا مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكل من حاول الاتصال بطاقم المحكمة تلقى جوابا لا ينفي ولا يؤكّد الخبر، وبأنه لا يمكنه التطرق الى تحقيق جار، ولا التعليق على تكهنات إعلامية. لعل أكثر نظريات المؤامرة تداولا هي أن الولايات المتحدة بادرت سرا ومن الخلف إلى تهديد نتنياهو عبر المحكمة، ليأتي إليها خانعا ويطلب الحماية، وعندها ستفرض الإدارة الأمريكية شروطها عليه وفي مقدمتها ـ هكذا الادعاء ـ وقف إطلاق النار، وعندها تستطيع الإدارة إقناع المدعي العام بوقف الإجراءات. وقد تناقل هذا الكلام عدد من المحللين الإسرائيليين والعرب، وليس واضحا ما مصدره. ويبدو أن هذا سيناريو بعيد عن الواقع، ويأتي من باب التمني والوهم بأن الولايات المتحدة تريد حقا وقف الحرب. في الواقع، هي ليست بهذا الوارد، وتردد ليل نهار بأنها تطلب تغيير طريقة إدارة الحرب، ولم تصدر عنها، إلى الآن، أي دعوة لوقف فوري ودائم لإطلاق النار. وتذهب النظرية الثانية إلى أن نتنياهو اخترع أو ضخّم الموضوع لاستقطاب تعاطف معه، وللظهور بالاستعداد لدفع أي ثمن وتحدي أي قوة في العالم دفاعا عن إسرائيل وشعب إسرائيل. ووفق هذه النظرية فهو سيحقق النصر حتما، ويبرز كقائد له قدرات خارقة كما يقول أنصاره، ما سيزيد من شعبيته ومن حظوظه في البقاء على سدة الحكم. أما النظرية الثالثة فهي أن نتنياهو يتظاهر بأن المحكمة ستقاضيه بسبب عدم تزويد غزة بالمساعدات الإنسانية الكافية، ويريد أن يقنع بن غفير وسموتريتش بأنها ضرورة لحماية القيادة الإسرائيلية. والمساعدات، كما هو معروف مطلب أمريكي، وافق عليه نتنياهو مرغما ويلقى معارضة عند حلفائه من اليمين المتطرف، وهو بذلك يريد إسكاتهم، دون الدخول في صدام معهم.
الاعتقال واجب إذا لم تتخذ محكمة الجنايات الدولة إجراءات ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين، فهي ستفقد حقّها في الوجود، وإن لم تُصدر أوامر اعتقال بعد أن قتلت إسرائيل أكثر من 34 ألفا من الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ وغير المحاربين، وبعد جرح أكثر من 120 ألف إنسان وهدمت غالبية البيوت والمرافق الحيوية من مدارس ومستشفيات وجوامع وكنائس ومخابز وغيرها، فعلامَ الحاجة لمثل هذه المحكمة؟ وكم من الدم الفلسطيني يجب ان يسيل حتى تتحرك؟ هل المحكمة الدولية هي لنصرة الضحية أم للتغطية على جريمة المجرم القوي؟ لقد قال كريم خان، المدعي العام للمحكمة بأنه سيعمل وبشكل محايد لنصرة حق الضحية. بقي أن ينفّذ!

1