أبعد من الاستبعاد عن معرض الكتاب في الدار البيضاء..
ضيف الشرف في معرض الكتاب بالدار البيضاء_ المغرب، لهذا العام: فلسطين، والذي انتهى في 22 من شباط، قبل أيام قليلة.
تكريم كبير لفلسطين، يليق بالحركة الثقافية الفلسطينية، وبدور مثقفيها، وبالشعب المقاوم، وبقضية فلسطين التي تتعرض لأشد حلقات التآمر.
والسؤال: من هي الجهة التي تلقت الدعوة، وهل تمثل الثقافة الفلسطينية، ثقافة الشعب المقاوم، وعراقة الحركة الثقافية الفلسطينية ؟
انطلاقا من معرفتي، فإن الجهة التي تسلمت ( الدعوة) المغربية، هي وزارة ثقافة السلطة، وهي منذ تأسست، وحتى يومنا، تتصرف على أساس أنها وزارة ثقافة ( السلطة في الضفة والقطاع)، فلا علاقة لها بمثقفي فلسطين في الداخل المحتل منذ العام 1948، ولا بالمثقفين الفلسطينيين في الشتات، وهي، وإن دعت بعض كتابنا، وفنانينا، بين وقت وآخر، فإنها تفعل هذا لتكريس( هيمنتها)، واستفرادها، وتغطية احتكارها.
لم تقم وزارة ثقافة السلطة بأي مشروع ثقافي شامل استراتيجي، لأنها وضعت سقفا لها اتفاقيات ( أوسلو)، فباتت القطيعة حدّا، وسقفا، وموقفا.
تصرف كتاب السلطة ( الرسميون) _ أسوة بكتاب السلط العربية _ على أن كتاب فلسطين ومبدعيها في الشتات، ينتمون إلى الجغرافيا التي يعيشون فيها، وبهذه العقلية برروا لأنفسهم التفرّد بكّل المكاسب التي تقدّم لفلسطين، وباسم فلسطين، من كل الجهات الصديقة في العالم، وقد استغلوا غياب مؤسسات تعبّر عن المبدعين الفلسطينيين في الشتات، وتؤطرهم، وتقدمهم.
غُيّب الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، واتحاد التشكيليين ، وكل الاتحادات التي كانت ناشطة لسنوات ما بعد بروز الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتلك التي تأسست مع انطلاقة منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مقدمتها اتحاد الكتاب الفلسطينيين الذي عقد مؤتمره الأول في غزة عام 1965.
أردت بهذه المقدمة السريعة أن أذكّر، وأن أنبه، وأن أدعو...
أردت أن أذكّر بأن الحركة الثقافية الفلسطينية ليست مجرد عدد من الكتاب والشعراء والفنانين..لا، لأنها ثقافة شعب مقاوم، وحركة ثقافية تعبر عن شعب مقاوم، وهذه الثقافة هي رافد متدفق متألق أغنى ويغني الثقافة العربية المعاصرة، وهي برموزها شكلت الطليعة، والمقدمة، بالكلمة، والموقف، وألق الإبداع.
منذ إبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، وعبد الكريم الكرمي ( أبوسلمى)، وحسن البحيري، ومطلق عبد الخالق، ومحمد العدناني..وحتى يومنا، اتسمت ثقافتا بالانتماء، ورحابة الرؤية الإنسانية، وعمقها، ورفعت عاليا حق شعبنا في وطنه فلسطين..فلسطين التي لا تقبل القسمة بين شعبنا..وبين الغزاة الصهاينة.
لهذا نبهنا مبكرا إلى افتراق المثقف الثوري المقاوم عن السياسي المساوم، فدفع بعضنا الثمن غاليا وبإرادته، و..تلطى بعض مثقفينا بالسياسي بمبررات هي في الجوهر تتساوق مع سياسة المساومة، وتتناقض مع ثقافة المقاومة.
و..أنبه: إلى أن المثقف الثوري يأخذ دائما موقفا نقديا، ولا يتساوق مع الأعيب السياسي وقصر نظره، والتنازلات التي يقدمها، والتكتيك الذي يضيع الاستراتيجي..وهذا معروف في حالتنا الفلسطينية، بدأ بطروحات منذ ما بعد حرب تشرين 1973، عندما رفع شعار ( السلطة الوطنية الفلسطينية) على أي شبر تنسحب منه( إسرائيل)..وحتى ( أوسلو)!!
ثقافيا، ثمة كتاب وشعراء و..يضعون ( قدراتهم) على التبرير في خدمة ( المؤسسة)..لقاء امتيازات يحصلون عليها، ويتنعمون بها..ويقدمون أنفسهم حرصاء جدا على ( القضية)، فهم ( واقعيون)..وليسوا متطرفين!
لا نحسدهم على ( الوظائف) التي يتبوأونها مهما كثرت، ، ومردودها المالي مهما بلغ، ولكننا أبدا لا نسمح لهم بأن يؤدوا ( وظيفة) تبرير كل خسائر شعبنا، و..أداء دور تطبيعي مع الاحتلال _ هؤلاء نفر قليل، ولكن خطرهم كبير، لما يتمتعون به من مواقع مؤثرة _ بحجة أنهم ضد شعارات الستينات: فلسطين عربية، تحرير فلسطين من النهر للبحر، بالدم نكتب لفلسطين..فلسطين قضية عربية بامتياز.
نبهت مبكرا لخطر دور ( هؤلاء) على ثقافتنا، وما يقومون به من تزوير، وانتحال..وأعود لأذكر من جديد، وأنبه...
نحن لا نسمع أصوات هؤلاء ( المثقفين) أو ( المبدعين)، ولا نرى مواقفهم، ولا نشاهدهم في الميادين مع شعبنا، وهم لا يعانون، وإذا ما سمعوا كلمة نقد لما يقترفونه من تزوير، وتفضح سلبيتهم، فإن أصواتهم ترتفع مزاودة بفجور: تعالوا ..و(قاوموا) معنا، على اعتبار أنهم في حالة اشتباك دائم مع العدو، ومقاومة لا تكّل لمخططاته التي لم تبق أرضا في الضفة!!
دعوتهم غير موجهة للشعب الفلسطيني (كله)..لا، هي بقصد ابتزاز أي منتقد (لدورهم).ن، فهم لا يمنون على إدخال ولو مواطن فلسطيني واحد..إدخال، وليس ( عودة)!
أبلغني صديق أثق به وأحترمه أنه سال أحد المشرفين على اختيار الوفد الفلسطيني الضيف في المغرب: لماذا لم تدعوا رشاد أبو شاور؟
فكان جوابه: هو ضد السلطة..وهو لا يقبل المشاركة معنا!
التفضل علين وعلى أي مبدع فلسطيني، يتحقق إذا لتحظى برضى السلطة، وعندها تدعى.
هؤلاء يحددون علاقتهم بالمثقف الفلسطيني المبدع: معنا..أو ضدنا!
وبالمناسبة فبعض هؤلاء لم ينضووا يوما في صفوف فصائل الثورة الفلسطينية، ولم يخوضوا معركة من معارك ثورتنا المعاصرة، و..فجأة ظهروا كالفطر المسموم، ولأنهم ( مستوردون) و( غرباء) فقد حددوا، هم، مواصفات للمثقف الفلسطيني الذي يرضون عنه، والذي يناسب( حقبتهم)!
جهة واحدة هي التي اختارت وفد فلسطين، وهي التي استبعدت الشعراء الكبار: عز الدين المناصرة، مريد البرغوثي، خالد أبوخالد، محمد لافي..ورائيين لامعين يتقدمهم الدكتور حسن حميد، وفنانين كبارا، في مقدمة نجوم الوطن العربي: عبد الرحمن أبوالقاسم ( جائزة أفضل ممثل مسرح عربي)، تيسير إدريس ( جائزة أفضل ممثل سينما عربي)، زيناتي قدسية أحد ألمع نجوم المسرح والتلفزيون في سورية والوطن العربي، الدكتور حسن عويتي نجم كبير في الدراما السورية، ومخرج مسرحي كبير...هل أتابع؟ نعم:
الموسيقار حسين نازك مؤسس فرقة العاشقين، الدكتور الياس سحاب أهم مؤرخ للموسيقى العربية، المايسترو سليم سحاب..فكتور سحاب الباحث في الموسيقى. عائلة فلسطينية متميزة) تعيش في لبنان..هل تعرفون شيئا عنها؟!
هل سمعتم بالمخرج الكبير: باسل الخطيب، وهو بالمناسبة ابن شاعرنا الكبير يوسف الخطيب. وهل سمعتم بالمخرج المتألق : المثنى صبح؟ وهل سمعتم بالشاعر العالمي : محمود صبح؟ وهل سمعتم بأهم وأكبر مترجم عربي صالح علماني؟
لا، ليست المسألة دعوة شخصية، وأنا أشكر صديقي الذي طرح اسمي، وقلت لها فورا: الخلل ، بل الخطيئة ، ليست في عدم دعوتي، بل في تجاهل الحركة الثقافية الفلسطينية، والتصرف وكأن مبدعي شعبنا،
إذا كانت وزارة الثقافة في السلطة تعتبر نفسها..وإذا كان المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم، وبقية المؤسسات المعنية..تعتبر نفسها مسئولة فلسطينيا، فماذا فعلت من أجل مبدعينا في مخيم اليرموك..ومخيمات حلب، وبينهم المع كتاب وشعراء وفناني فلسطين؟
هل سألت عنهم؟
هل تواصلت معهم؟
تغييب حركتنا الثقافية الفلسطينية، وتقزيمها، وتشويه وجهها، والتزلف لأعداء شعبنا، والظهور على فضائيات العدو الصهيوني، والمشاركة مع الصهاينة في مؤتمرات، وتقديم لهم ما يطلبونه ويرضونه، والتقاعس عن القيام بدور مقاوم في وجه منظمات الأنجزة، والتطبيع، وتدمير مجتمعنا..كل هذا ليس مصادفا أبدا، بل هو سياسة، بالضبط كالتنسيق الأمني مع العدو المُحتل!
أين الدور الذي يقوم به هؤلاء دفاعا عن ثقافتنا، مع شعبنا المقاوم، في وجه احتلال أرضنا يوميا، وتهويد قدسنا، واختطاف أطفالنا وزجهم في السجون مع ألوف المقاومين البواسل؟!.
أين التواصل الذي أنجزوه مع حركتنا الثقافية في الشتات، وداخل الوطن؟
هل سمعتم بشاعر كبير اسمه أحمد حسين، يقيم في ( أم الفحم) ؟
هو شاعر كبير..وكي أريحكم: ومتطرف كبير في حب فلسطين، والإيمان بعروبتها! ..لا أريد أن أرفع ضغط دم بعضكم فاسأل عن المفكر عادل سمارة، الذي لا يمكن أن تدعوه ليحاضر عن الدور التخريبي للأنجزة في الضفة والقطاع، ليعرّف المثقفين العرب بهذه الحرب الجهنمية التخريبية التي تنخر مجتمعنا!
لقد آمنت دائما بأن ( ثقافتنا) الوطنية العربية المقاومة هي التي توحدنا، وتصل بين شعبنا في الداخل والشتات، وبها نقاوم الزمن الصهيوني، واختلاط المعايير، وتشويه قضيتنا، والمؤامرات التي تستهدفها.
ولذا أدعو من جديد لبناء مؤسساتنا الثقافية الوطنية المقاومة( الموحدة) لجهود وحضور كل مبدعي شعبنا، المؤمنين بخيار المقاومة، وبعروبة فلسطين.
في العالم حركة مقاطعة للعدو الصهيوني، وآخر ما سمعنا عنه مقاطعة أكثر من 700 فنان وكاتب بريطاني للكيان الصهيوني..فأين التواصل معهم؟ هل شكرتموهم، أم تراكم تخشون من غضب الصهاينة؟
آن لنا أن (نوجد) هيئاتنا الثقافية الفلسطينية المقاومة، المعبرة عن ثقافة شعبنا، وعظمة مقاومته، لنتصدى بحزم للتطبيع، والأنجزة، وللمؤامرات التي تستهدف تصفية قضيتنا، وتحاصر شعبنا...
نحن لا نحسد من يسافرون، ومن يتمتعون بالوظائف، ويتسابقون ويتنافسون عليها...
نحن طريقنا وخيارنا غير طريقهم وخيارهم، ولذا نحن مع فلسطين، وبفلسطين، ومن أجلها، نقيس كل شيء، ونحدد علاقاتنا...
تزييف حضورنا ودورنا الثقافي الفلسطيني!!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 01.03.2015