أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
شهيد الفجر..الفتى محمد أبوخضير!!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 07.07.2014

تناقلت مختلف وسائل الإعلام خلال الأسبوع الثالث من شهر مارس 2009 ، صوراً لجنود صهاينة يرتدون قمصاناً ، طبعت عليها صور لأطفال فلسطينيين قتلى ولأمهات ينتحبن على قبور أطفالهن ، ولبندقية مصوبة نحو طفل ولمساجد مهدمة من جراء قصف القنابل. ولقد طبع على أحد القمصان صورة لامرأة عربية حامل، رسمت على بطنها دائرة للتصويب وقد كتبت عليها عبارة "طلقة واحدة, تقتل اثنين". وطبع على قميص آخر صورة لطفل فلسطيني صغير ميت وبجواره أمه تبكيه وقد طبعت عليه عبارة تقول: "كان الأفضل استعمال الواقي".
ظهيرة يوم الجمعة 4 تموز 2014، وفي جنازة مهيبة حاشدة، شًيّع من بيت أسرته الفتى الشهيد محمد حسين أبوخضير، ودفن في مقبرة الحي الذي ولد وعاش فيه حتى فجر اليوم الأول من شهر رمضان، حيث اختطفه ( مستوطنون)، واقتادوه إلى أحراش ( دير ياسين) وعذبوه ..وبعد أن أشبعوا ( ساديتهم) ..أحرقوه حيّا!
من اختطفوا محمد أبوخضير ليسوا مجرّد مجموعة ( شاذة) من المستوطنين..لأ.
أرجوكم اقرأوا من جديد الخبر الذي بدأت به مقالتي هذه، وتأملوه جيدا، وإن كنت أعرف أنكم تعرفون جيدا الإجابة على السؤال: ما هو الكيان الصهيوني، وما ( ثقافته) وأخلاقه؟
ما اقترفه المستوطنون السفلة هو ترجمة لثقافة جنود جيش الكيان الصهيوني وللأسس التي قام عليها هذا الكيان، فمؤسس الصهيونية ( هرتزل)، كتب في كتابه ( الدولة اليهودية) ما يبّز كل أفكار الفاشيين، والنازيين، فعنصريته ضد العرب أهل فلسطين هي البرنامج الإبادي الذي يسير على هديه صهاينة الكيان، من قادة سياسيين وجيش، وأجهزة أمنية مهمتها اجتثاث وقتل الفلسطينيين، وزج الألوف منهم في المعتقلات التي تسرق أعمارهم.
ليست جريمة اغتيال محمد أبوخضير رد فعل لمقتل ثلاثة مستوطنين ، فالمستوطنون يعتدون يوميا على المواطنين الفلسطينيين، ويقتلون ، ويقطعون الطرق، ويدمرون الحقول، ويجتثون أشجار الزيتون، ويلوثون المياه، وينشرون الرعب في كل مكان من فلسطين..والعالم يتفرج!..ومقررات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، لا قيمة لها ولا وزن، ولا تردع هذا الكيان المنفلت، المدعوم أمريكيا، سياسيا، وعسكريا، وماليا، والذي لحمايته تشهر أمريكا الفيتو في وجه العالم، مانعة عن ( كيانها) أي إدانة، ورادة عنه أي عقاب مهما صغر حجمه.
قتل المستوطنين لمحمد أبوخضير، ورمي ما تبقى من جثمانه المحترق في أحراش دير ياسين، عمل مقصود، ومدروس، وفيه رسائل، أبرزها: كما ذبحنا العشرات منكم في دير ياسين، سنذبحكم ونحرقكم ..حتى تهربوا من هذه البلاد!
( الرسالة) وصلت، وهي أرسلت بعد حملة في الصحافة الصهيونية، وحملة تصريحات مسعورة تبارى فيها قادة الكيان الصهيوني وتنافسوا على من ينفث حقدا أكثر على العرب الفلسطينيين، ولم يغب ( الحاخامات) ، كدأبهم، عن الحملة المسعورة هذه، فدعوا لقتل الفلسطينيين، وطردهم، ومصادرة أراضيهم، وبناء المزيد من المستوطنات...
كيان عنصري، منفلت من عقاله، بني على الباطل، والتزييف، والقوة الغاشمة، مدعوما في مرحلة التأسيس من بريطانيا، ومن ثم ترعرع برعاية تامة من أميركا، وإن لم يغب الدور البريطاني، والفرنسي، ولا تنسوا (التعويضات) الألمانية التي دعمت وجود الكيان وأوقفته على قدميه، ولم يتوقف الأمر عند ( التعويضات) المالية ، ولكن ألمانيا دعمت الكيان الصهيوني بالدبابات، والغواصات، وبأسلحة نوعية كلها سُخّرت لقتل الفلسطينيين !
لم يخف الفلسطينيون. لموّا ما تبقى من جسد فتاهم الشهيد، ومضوا ألوفا، شيبا وشبانا، وسيدات وفتيات، تحت شمس حارقة، والجميع صيام..إلاّ من غضب هدرت به الحناجر، وعبّرت عنه الحجارة، والاشتباكات مع وحدات قوات الاحتلال في شوارع القدس، وحارات ( شعفاط)، وغير بعيد عن المثوى الأخير لشهيد الفجر محمد أبوخضير.
المستوطنون الوحوش القادمون من ظلمات التاريخ، والمحقونون بأحط الأفكار، وأكثرها قبحا وسوادا، وظلاما، حسبوا أن جريمتهم ستهز ثقة الفلسطينيين بأنفسهم، وحقهم بفلسطينهم، فكانت الرسالة الفلسطينية الوحدة حول جسد شهيدهم، من عمق فلسطين المحتلة عام 1948، مرورا بالقدس، ومدن وقرى الضفة الفلسطينية، وصولاً إلى غزة، وحتى مخيمات لبنان، وتجمعات الفلسطينيين في أوربة، وحيث يوجد فلسطينيون في العالم كله.
الكلمات التي ترددت هي هذه المرّة أكثر وضوحا منها في المرات السابقة: لا سلام مع هؤلاء القتلة، و: أوسلو مات..ولا خيار سوى المقاومة.
من قبل، لم تقتل مذبحة ( دير ياسين ) التي اقترفتها عصابات الصهاينة المؤسسين للكيان الصهيوني، إرادة الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني كالنار، يشّب إذ يُظن أنه خمد، وتتجدد ثورته جيلاً إثر جيل، وهذا ما يتجدد مع جيل شهيد الفجر محمد أبوخضير.
شعبنا الفلسطيني يميز بين الصديق والعدو، ويعرف من معه، ومن يتآمر عليه، ومن يعمل على تصفية قضيته.. ولذا لا يستغرب صمت ( أنظمة) التآمر، المشغولة بدعم ( داعش) و( النصرة) وأخواتهما ( المجاهدات) خدمة لأمريكا والكيان الصهيوني، ولتجار النفط والغاز.
شعبنا الفلسطيني لا يعتبر أن منه من يحمل السلاح ويتوجه للقتال في غير ميدان فلسطين، وتحديدا في ( سورية) العربية.
شعبنا الفلسطيني يقف أمام مرحلة جديدة، خياره المقاومة بكل أشكالها، ووحدته الوطنية _ وليس المصالحة البائسة الكاذبة_ هي حصنه، وسلاحه الأمضى، وهي قوته التي لا يمكن أن يهزمها الأعداء، مهما استشرسوا.
في مواجهة نهج القتل الصهيوني، يصعّد الشعب الفلسطيني مقاومته الباسلة، والتي لا بد له لحمايتها، وتطويرها، وصون توجهاتها، من التصدي لأي انحراف، وتشويه، وإضعاف، ومحاولات التفاف، مستفيدين من دروس الانتفاضتين، وإضاعتهما بثمن بخس، وتشويههما بممارسات أضعفت، ومزقت، وأدخلت فيهما سوس الخراب.

1