أحدث الأخبار
الأحد 05 أيار/مايو 2024
(الرفيق) كيري: الإخوان سرقوا الثورة!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 27.11.2013

وأنا أستمع لتصريح كيري، ظننت أن هناك خطأ اقترفته وكالات الأنباء التي نقلته، فكيري صاحب هذا التصريح الذي أعلنه أمام المجلس الاستشاري للأمن الخارجي بوزارة الخارجية الأمريكية، ظهر وكأنه( رفيق) ثوري جذري راديكالي، بل وأحد قادة شباب حركة تمرد!
ما سمعته على لسان كيري هو: الإخوان سرقوا ثورة شعب مصر!
تأملت التصريح بدهشة، ثم تثبت منه، فتأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن كيري وزير خارجية أميركا المتنقل في (المنطقة) من بلد على بلد، قد تيقن بأن شعب مصر حسم أمره وأنهى حكم الإخوان المسلمين، وأن انتقادات الإدارة الأمريكية التي وجهها هو ورئيسه أوباما، ناهيك عن الناطقين الرسميين، للحكم الجديد، حكم ما بعد إزاحة الرئيس الإخواني محمد مرسي، بعد مظاهرات 30 حزيران الحاشدة التي دعمها الجيش بقيادة الفريق أول السيسي وزير دفاع الجيش المصري..فشلت، ولم تغيّر في مسار الأحداث بمصر شيئا.
لا أريد الخوض في موضوع التخلص من حكم الإخوان إن كان انقلابا أم ثورة، فالأمر حسم، والرئيس مسجون، والشعب بأغلبيته، كما يبدو، راض حتى الآن، ولجنة الخمسين تواصل كتابة الدستور، والإرهاب بعد إزاحة الرئيس الإخواني مرسي تفشى وانتشر في سيناء، ومنها، وعلى تخومها، بل ووصل إلى القاهرة، والعمليات تصاعدت من إطلاق الرصاص على الجنود، إلى التفجيرات المفخخة، وحتى العلميات الانتحارية، وآخر ما أوقعته 12 جنديا قرب رفح، وهو ما دفع القيادة الجديدة لإعلان الحداد العام على شهداء الجيش المغدورين، حتى يستفز الشعب، ليريه إلى أي مدى بلغ الإرهاب..وما درس سورية ببعيد!.
ما الذي دفع كيري، والإدارة الأمريكية، لتغيير موقفها مائة وثمانين درجة من المتغيرات في مصر؟!
عدّة أمور، منها:
أولاً: استقرار الحكم الجديد رغم المظاهرات الإخوانية الضعيفة، وتفشي الأعمال الإرهابية التي وإن تصاعدت فهي لن تسقط هذا الحكم، ولن تعيد الرئيس المعزول.
ثانيا: ما جرى في الأيام الأخيرة في العلاقات المصرية الروسية، والتي تجلت في زيارة وفد روسي رفيع المستوى ضم وزيري الخارجية والدفاع، وقد أبلغ الوفد الرسمي الروسي مضيفيه المصريين استعداد روسيا للموافقة على كل ما تطلبه مصر من أسلحة، ناهيك عن تفعيل مشاريع قديمة لصناعات عسكرية متطورة.
لقد رأت الإدارة الأمريكية أن ما يجري بين مصر وروسيا ليس مجرد ( نوستالجيا) لزمن مضى بين الاتحاد السوفييتي ومصر الناصرية، ولكنها خطوات حثيثة جدية تذهب إلى استعادة زمن مصر لاستقلال إراداتها وتحررها من التبعية لأمريكا التي أدخلها فيها السادات، ومن بعده مبارك.
لقد وجهت أمريكا لمصر بعد الثورة إهانات بالغة حين أوقفت المساعدات لها، ومست الكرامة المصرية، وفاقمت الحساسية الشعبية المصرية المزمنة من هكذا مساعدات، طالما ارتهنت إرادة مصر، علما بأنها متواضعة، ولا تقارن بما تقدمه أمريكا للكيان الصهيوني.
كيري لم يستيقظ ضميره، ولا الإدارة أنبها ضميرها وأدركت خطأها هكذا عفو الخاطر، ولكنها الخطوات المصرية الجريئة والمنتظرة شعبيا مصريا منذ ما قبل ثورة يناير.
لقد راهنت الإدارة الأمريكية على أن حكم الإخوان باق، وأن الإخوان بحاجة إلى علاقات مرضي عنها أمريكيا، وغير مستفزة ( إسرائيليا)، وهذا ما اتضح من دور الرئيس مرسي حين فرض على حماس التوقف عن القتال في حرب غزة قبل عام، والجنوح للقبول باتفاق وقف إطلاق النار في الحرب الأخيرة قطاع غزة، بل وفي عدم فتح الحدود لأهل القطاع، والإمعان في إغلاق الأنفاق، والتضييق عمليا على أهل القطاع!
راهنت الإدارة الأمريكية على انتفاض الإخوان، وتمكنهم من إعادة الرئيس مرسي للحكم، ولكن هذا لم يحدث، فقطع المساعدات الأمريكية لم يحشر مصر ماليا، بفضل تدخل السعودية _ التي لها مآربها معروفة، ودولة الإمارات العربية_ وتعويضهما لمصر، بل ودعم مصرفها المركزي بالمليارات التي قوّت الموقف المالي للنظام الجديد، وإن لم تنه أزمته.
لقد بدا أن كيري يزاود علينا نحن الذين كتبنا أن الإخوان خطفوا ثورة شعب مصر، وأنهم أخطأوا عندما هيمنوا على الرئاسة، ومجلس الشعب، ودفعوا برجالهم للسيطرة على المجالس البلدية، وعلى المحافظات، ولم يلتفتوا خلفهم، ولا تذكروا ما كانوا يعدون به شعب مصر الذي خلع مبارك، وكان ما يزال في الشوارع والميادين يواصل ثورته لاقتلاع شروش نظام مبارك المتعفن والمتشبث بالحكم.
كان الإخوان قد وعدوا بعد أن التحقوا بالثورة، ولمسوا بوادر الانتصار، مع ترنح نظام مبارك، أن لا يترشح أحد منهم للرئاسة، وأن لا تكون الغالبية لهم في مجلس الشعب، وأن يضعوا أيديهم في أيدي القوى الوطنية وكل ثوار الشعب المصري، لكنهم حنثوا بكل ما وعدوا به.
تصرفوا وكأنهم يغنمون السلطة، وانهمكوا في ترسيخ سلطة لن يتخلوا عنها إلى ما يشاء الله، وهذا ما استفز القوى الثورية المصرية، وفي مقدمتها شباب الثورة الذين اقتحموا الميادين، ودفعوا الشهداء قبل التحاق الإخوان بثلاثة أيام، وهو ما أعاد المصريين على الميادين في 30 حزيران.
تصريح كيري برهان على أن الإدارة الأمريكية نفضت يديها من الإخوان، وأنها تريد إنقاذ علاقاتها مع مصر (الصديقة) منذ أربعة عقود، قبل أن يمضي حكام مصر الجدد، والحكام القادمون، بعيدا في العلاقات مع روسيا، وعودة مصر في سياستها الاستقلالية إلى زمن (الحياد الإيجابي) الذي كان يعني الابتعاد عن أمريكا، وتعميق الصداقة مع الاتحاد السوفييتي الصديق الذي بنى السد العالي، وسلح جيش مصر، وأعاد تسليحه بعد هزيمة 67 التي لعبت أمريكا فيها دورا أساسيا داعما لعدوانية الكيان الصهيوني.
شبح الناصرية يتجول في مصر، وهو راسخ في نفوس ملايين المصريين، لا عبادة لفرد، ولكن وفاء لوطن، واستقلال إراداته، وعظمة حضوره، وقيادية دوره لأمته، وتطلعا لمستقبله.
هذا ما بدأت تدركه الإدارة الأمريكية، وإن كانت الأمور لن تتوقف بمجرد تصريح، فالارتهان لأمريكا بدأت نهايته مع سقوط مبارك، وأفول حقبة الإخوان القصيرة في حكم مصر.

1