أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
الانتفاضة الثالثة غير العفوية!!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 02.10.2013

الانتفاضتان، انتفاضة الحجارة، وانتفاضة الأقصى، تفجرتا بدون تمهيد، بلا قرار، بلا تخطيط، وفاجأتا العدو، والصديق.
أبهرت الانتفاضة الكبرى الأولى العالم، وصارت حدثا جاذبا، ودخل مصطلح (الانتفاضة) لغات العالم، وهرع الصحافيون، وسينمائيو الأفلام التسجيلية، إلى مدن الضفة، وقطاع غزة، وركضوا مع الشباب المشتبكين مع عسكر الاحتلال، والمنسحبين إلى الأزقة والبيوت المشرعة الأبواب لهم، وبرز دور الأمهات اللواتي كن يكسرن الحجارة، ويمددن الأبناء والبنات بذخيرة تناسب حجوم قبضاتهم لمواجهة أسلحة جيش الاحتلال.
الانتفاضتان، ومأساة محمد الدرة، كتب فيهما شعر ونثر كثير، وأنشد وغنى لهما الفنانون، بل تسابقوا في الغناء لهما، وللشعب المحارب بالحجارة التي نسي معها حجر داوود الأكذوبة، الذي جاء في الأسطورة أنه فقأ به عين جوليات العملوقي الفلسطيني.
في الانتفاضتين قاوم شعبنا في الداخل الفلسطيني المحتل منذ حزيران 1967، وأوقف الاستيطان، وطارد المستوطنين، وأرعبهم، ودفعهم للهرب، وانتفاضته امتدت إلى عمق فلسطين، وإلى الشتات الذي جمع التبرعات، وفي مقدمتها الدم.
بعد أوسلو تفشى الاستيطان، وتهويد القدس، وشُغل الناس بهموم حياتهم اليومية، وغابت الروح الجماعية التضامنية، وهبطت الهمم، ولهذا أسباب منها الذاتي الفلسطيني، ومنها الموضوعي العربي المُحبط، والتآمري المنحاز للاحتلال، ناهيك عن نشر السلبية بسبب حالة الانكفاء، والتواكل، ونشر الأنجزة التي اشترت كفاءات سياسية، وثقافية، أجّرت عقولها، وغيّبت ضمائرها، واستعملتها عيونا ومجسّات لأعداء شعبنا!
سنوات ضاعت، وبثمن بخس قويضت الانتفاضتان، ورغم هذا ما زال هناك من يلهث خلف أوهام السلام رغم ثبوت سرابيتها، وافتضاح وانكشاف مروجيها: أمريكا بشكل رئيس، ناهيك عن دول عربيّة تسمسر على كل حقوق الفلسطينيين، وعلى القضية من أساسها، بحيث تدفن هذه القضية الجالبة للصداع المزمن لحكام متقاعسين تابعين، والمبررة لكل ثوري أصيل يتبناها!
لم تفلس مسيرة أوسلو ووعودها الخُلّب فجأة لترتفع صيحات:إلى الانتفاضة يا شباب!..لا، فكلمة (سلام) باتت عند الفلسطينيين مرذولة، منفرة، فمعاناتهم في القدس بلغت من بأذنيه صمم، وما يسرق يوميا من أرضهم ينقل على الفضائيات، ولكن بلاد العرب المبتلاة بالسماسرة مغيّبة الإرادة، مستلبة العزيمة، ومشغولة بهجمة الثورة المضادة على حراكاتها التي تمّ الالتفاف عليها، وحرفها عن مسارها.
منذ سنوات والنداءات تتردد مُهيبة بالشعب أن ينتفض، وأن يتجاوز المعوقات، وينفض عنه السلبية، والخنوع، والتردد، والانتظار.
لكل مناد بالانتفاضة مأرب، وبعض المآرب ناصعة، بريئة، غاضبة، نبيلة، وبعضها (زكزكة) سياسية، ومزاودة، وابتزاز، وفي هذا تسخيف لما هو نبيل.
في الفترة الأخيرة ارتفعت النداءات، معلنة قرب تفجّر الانتفاضة، داعية ، ومحفزة، وشادة للعزائم بشعارات تمس الكرامة، وتستفزها.
ارتفع شعار بسيط يمّس القلوب، والضمير الوطني: مشتاق لعز أيام الحجارة.
وبلغت آذاننا نداءات حملة (النفير العام) الداعية لانتفاضة ثالثة.
وحق لبعضنا أن يتساءل:من يقف وراء هذا الحراك، والشك غير محرم، إلاّ إن كان بهدف التمييع، والتخريب، وإثارة البلبلة.
مع المتسائلين أتساءل: هل الدعوة صافية، لوجه الله والوطن، والأرض التي يسرقها المستوطنون الصهاينة بتشجيع ودعم وتمويل من قادة كيانهم الاستيطاني؟!
هل الهدف هو التصدي للهجمة الاستيطانية، والاشتباك الشامل، وبكل ما تيسر من أسلحة، لاسترداد ما نهب من الأرض، وإعادة فلسطين القضية لتوضع على جدول أعمال العالم، ابتداءً من ملايين العرب أصحاب القضية الحقيقيين، حتى الوصول إلى أقصى شعوب الأرض؟!
هل هناك من يدّب الصوت لأنه في مأزق بهدف إحراج من عادوا للمفاوضات ـ وكأنهم توقفوا عنها يوما، أو لهم خيار غيرها؟! ـ ليخلطوا الأوراق، علّهم يتمكنون من درء الهجمة التي تستهدفهم منذ زجوا بأنفسهم طرفا في سورية، وفي مصر، كونهم امتداد للإخوان المسلمين؟!
كل الظروف مهيأة لانتفاضة ثالثة ـ فهل ستكون الثالثة نابتة، بعد انتفاضتين أفرغتا، وضيعتا؟! ـ تعيد شعبنا موحد الصفوف إلى الشوارع، والميادين، والقرى، والمدن، والمخيمات، والداخل والخارج، والعالم بأسره؟.
أسمع هديرا يأتي من صدور وقلوب وضمائر وعقول شباب فلسطين، وكهولها الذين يمتلكون الخبرات، ومن وراء جدران الزنازين، ومن عمق المعتقلات، هناك من الأسرى الذين أخذهم العدو رهائن، وسرق أعمارهم.
أسمع هديرا يخرج من باطن أرضنا المسروقة المستباحة، ومن قمم جبالنا، ومن عمق ودياننا، ومن سهولنا العطشى، ومن أشجارنا المقتلعة..فهل تسمعون ما أسمع؟!
أنا لا أعرف من هم (شباب الانتفاضة) الثالثة القادمة، ولكنني أتابع نشاطاتهم، وحملاتهم، وبدء تحركهم، ولأنني مواطن فلسطيني، وأيضا لأنني كاتب سلاحي الكلمة، فإنني أتجاسر على تقديم بعض النصائح، وهذا حق لي، وواجب علي، ونصائحي اجتهادات آمل أن تجد آذانا صاغية، لعلها تفيد، فهاجسي أن لا تسرق الانتفاضة الثالثة، ولا تحرف، ولا يعبث بها، ولا توظّف كورقة للمساومة، فيضيع المزيد من الشهداء، والوقت، والأرض.
أوصي أيها الشباب بدراسة ما جرى للانتفاضتين الكبيرتين..كيف ضُيعتا، وكيف أهدرتا، ولماذا، ولأية أسباب؟!
وأوصي بأن، يا شباب، لا تسمحوا بحرف الانتفاضة، واللعب بها، وذلك بتكرار ما دُبّر للانتفاضتين السابقتين، وما زرع فيهما من أمراض تخريبية: الاستعراض، والتزوير، وتزييف (الأبطال)، وتضييع الأهداف، وحب الظهور على شاشات الفضائيات، والاعتماد على التمويل، وهو مرض مفسد..وتسليم (القيادة) لمن ضيّعوا الانتفاضتين السابقتين!
وأوصي أن تكون الصلات بينكم قائمة على الأهداف التي توحدكم، والاتفاق على الوسائل، وكيفية البدء، ومن ثم التطوير، والتصدي لمن سيأخذون الانتفاضة إلى (فرقعات) تجّر على شعبنا وقضيتنا الخسائر، فمعركة الانتفاضة، برأيي، يجب أن تبدأ من الضفة الفلسطينية، والقدس، مع قوات الاحتلال، وقطعان المستوطنين، وحول قطاع غزة بالاشتباك المسلّح لفّك الحصار، ومن بعد تطوّر معركتنا، وتمضي إلى حيث تحقق المزيد من أهدافها على طريق تحرير فلسطين، وهذه معركة طويلة.
الانتفاضة الشعبية الثالثة لا تستبعد استخدام السلاح، ولكنها تبدأ شعبيا، وتتصاعد إلى أن تبلغ حد الاشتباك بكل ما يتوفر من سلاح لكنس الاحتلال من القدس، والضفة الفلسطينية، ومن حول قطاع غزّة، وفرض الحقائق الفلسطينية بالقوّة، وهو ما يعني تجاوز حقبة أوسلو المشئومة.
سنحتاج لوقت، وجهد، وللوحدة الوطنية الميدانية، على طريق تصحصح مسيرتنا الوطنية، بعد الأضرار التي ألحقها بنا (أوسلو)، والانقسام بين السلطتين، وسنوات التنافس على الوهم.
يا شباب: لا يكفي أن نحرض على النزول إلى الشوارع، لأن الحدث الانتفاضي ليس ابن لحظة عابرة، ولذا لا بد من التخطيط الدقيق، وعدم ترك (العفوية) تتحكم بالمسار، فهذه الانتفاضة ينبغي أن تتميّز عن الانتفاضتين السابقتين بالابتعاد عن العفوية..بالتخطيط، والتنظيم الدقيق السرّي جدا ـ فأنتم محاطون بالأعداء و..عملاء الأعداء ـ والإمساك بكافة (الخيوط)، وتحديد الأهداف الأهداف القريبة والبعيدة…

1