أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
نكبة ثانية في النقب!!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 17.07.2013

بينما العرب منشغلون في أحوالهم التي لا تسّر.
وبينما الفلسطينيون مشتتون منذ بدأ الانقسام بين سلطتي (رام الله) و(غزّة) البائستين.
مستغلاً هذا الواقع العربي والفلسطيني، يواصل الكيان الصهيوني تهويد المزيد من أرض فلسطين، بهدف حشر الفلسطينيين في مناطق ضيقة، بحيث لا تبقى لهم أرض يزرعونها، ومساحات يبنون عليها للأجيال الشابة التي تحتاج لشقق للتزاوج، وبناء أسر تتمكن من العيش والتكاثر، ولا تحجم عن الزواج بسبب انعدام وجود بيوت للسكن في (الوطن)!.
منذ نكبة 1948والاحتلال يقضم الأرض الفلسطينية، بناءً على قانون استحدثه باسم( أملاك الغائبين) ـ أي من تمّ ترحيلهم قسرا وتشريدهم من مدنهم وقراهم ـ ناهيك عن وضع اليد على ما يسمونها (أرض الدولة) وهي الأرض المشاع التي ينتفع بها جميع أهل البلاد، إضافة إلى الأرض المصادرة (لأسباب أمنية)، أي لتكون ممتلكة لجيش الاحتلال، والأرض التي تنتزع من أصحابها لشق الطرق، ناهيك عن التوسع الاستيطاني الذي استشرى بعد أوسلو على أرض الضفة الفلسطينية، وجدار العزل الذي وجد لنهب المزيد من أرض الفلسطينيين، وتمزيق قراهم، وحرمانهم من تواصل أراضي قراهم مع القدس التي هوّد الاحتلال أغلب أحيائها العريقة، ويقترف كل أعمال التضييق على أهلها لدفعهم لمغادرتها.
صحراء النقب التي تكاد تبلغ ثلث مساحة فلسطين، والتي عاصمتها مدينة بئر السبع العريقة، تشبث أهلها بدو فلسطين بها، هم الذين عاشوا على ثراها منذ وجدوا، واتخذوها مساكن لهم، ومراع (لحلالهم) ـ مواشيهم ـ ورغم كل المضايقات منذ نكبة 1948 تحملوا، وصبروا، وواصلوا العيش حتى يومنا، وهم بهذا حرموا الاحتلال من احتلالها وتهويدها!.
عمد الاحتلال بعد النكبة إلى وضع قوانين تميّز بين (عرب) فلسطين، فهو قسمهم إلى: دروز، بدو، مسيحيين، مسلمين، ودق الأسافين بينهم بتجنيد البدو، والعرب الدروز _ الذين رفض التجنيد كثيرون منهم، فتعرضوا للسجن، حتى بات من يقبل التجنيد قلائل، وينظر لهم بعين الاتهام والتشكيك في عروبتهم ووطنيتهم.
بالغ قادة الكيان الصهيوني، وأجهزته الأمنية، في نشر إشاعات عن (دور) المجندين من البدو، وإقبال البدو على التجنيد، ورضاهم بالاحتلال، ومن أسف أن هذا التشويه الدعائي قد انطلى حتى على بعض الفلسطينيين، لكنه تكشف منذ سنوات عن مبالغات في أعداد من اقبلوا على التجنيد، فعدد المجندين لا يعدو أن يكون بالعشرات، وقد أخذ بدو النقب ينفضون عن التجنيد، بعد أن ثبّتوا أنفسهم في أرضهم، وباتوا في غنى عن أي إغراءات يقدمها الاحتلال الذي تكشف لهم أنه يتعمد ضرب سمعتهم الوطنية، تمهيدا لعزلهم عن شعبهم الفلسطيني.
اعترف الاحتلال بعد أن انصاع لصلابة كفاح عرب النقب بعدة قرى تمكن أهلها من بناء بيوت لهم ولأسرهم على أرضها، ولكنه لم يعترف بقرى كثيرة، فاضطر أهلها للسكن تحت بيوت أنشئت من الكارتون المقوى والزينكو، بعد أن حرموا من البناء، والكهربا، والماء، والمدارس لتعليم أبنائهم، والمراكز الصحية..وكل هذا حتى لا يكون وجودهم على أرضهم قانونيا، وحتى يبقوا في حالة قلق على مصيرهم.
لقد تناهى اسم (العراقيب)، القرية البدوية في النقب، إلى أسماع العالم، ونقلت الفضائيات فصول كفاح أهلها الذين كلما هدم الاحتلال قريتهم أعادوا بناءها من جديد، وقد تكرر هذا 50 مرة، وهذا ما لم يحدث في أي مكان في العالم، حتى ولا في جنوب أفريقيا زمن عنصرية البيض!
النقب اليوم يتعرض لنذر نكبة توشك أن تقع، وهذه النكبة يدعمها قانون لجنة (برامر) ..وبرامر هذا نائب رئيس مجلس الأمن القوميِ السابق في الكيان الصهيوني، ولجنته قررت (مصادرة وتنظيم إسكان بدو النقب)!.
بيغن الابن قدم اقتراحا بالحل الوسط، ولكنه سقط في انتخابات الكنيست، وبقيت مقترحاته، فدمجت مقترحات لجنتي برامر ـ بيغن، وكان أن توجت بقرار مصادرة 800 ألف دونم من أرض يملكها عرب النقب، الذين يسمونهم البدو، وهدم 40 قرية غير معترف بها، وتشريد حوالي 70 ألف مواطن عربي فلسطيني (بدوي)!
وقد اتخذ القرار وهو ما يعني البدء في التنفيذ، وما سيؤدي إلى ( حشر) هؤلاء العرب في مناطق ضيقة، أي بضعة أمتار لكل عائلة، وسيعني ذلك الحرمان من المراعي، والماشية، وعدم إمكانية التوسع في البناء للأسر الشابة!.
في حال التنفيذ، وإذا ما نجح المخطط فإن ألوف الفلسطينيين من أهل النقب سيحشرون في (معازل) تضيق عليهم، وتخنقهم، وقد تضطرهم للتشتت والتشرد عن مساقط رؤوسهم التي توارثوها أجيالاً بعد أجيال.
في فلسطين المحتلة المنكوبة، والمنكوب كل شعبها الفلسطيني، بدأت التحركات الشعبية الحاشدة منذ يوم 15 تموز الجاري، قبل يومين: فأعلن ذلك التاريخ يوما للغضب، وحشدت تظاهرة أمام (البرلمان الصهيوني)، وفي نفس اليوم تمّ إضراب شامل في كل فلسطين ال 48 ، ولعل من أبرز ما حدث هو رفع شكوى باسم الشعب الفلسطيني، للأمم المتحدة تتهم الكيان الصهيوني بالفصل والميز العنصري( الأبرتهايد)، وهذا يحدث لأوّل مرة، وهو يشير إلى ما ستحمله الأيام القادمة من اشتداد فصول كفاح الشعب الفلسطيني،وصراعه مع الاحتلال الصهيوني، ليس في النقب، ولا في فلسطين المحتلة عام ال 48..ولكن في كل فلسطين، وليس يهم وصف ما يحدث بالانتفاضة الثالثة ـ وربما يكون الأمر كذلك_ فسيكون قيامة شعب ضاق ذرعا بسياسة (الأبرتهايد) الصهيونية، وتجاوزا لضعف وهزال استجابة (قيادتي) السلطتين للتحدي الصهيوني، وتنبيها لملايين العرب بأن البوصلة يجب أن توجه باتجاه فلسطين، وليس الانشغال بصراعات دينية مذهبية مفتعلة، الهدف منها تدمير وحدة الأمة، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وإشغالها عن معركتها الرئيسة على أرض فلسطين.
أهلنا في النقب يصفون بما سيحدث بأنه نكبة ثانية، فهل سنسمح لهذه النكبة الثانية أن تقع ونحن في غفلة؟!
إنها لحظة لا أنسب منها لقيامة فلسطين للتصدي للمخططات الصهيونية الإجرامية التي مزقت فلسطين وشعبها، واستفردت بكل جزء على حدة!
نعم: هذه لحظة يجب أن ننطلق منها لنفرض على عدونا مسلسل تراجعات..أو الانخراط في صــــراع مكلف له، ولأمريكا راعيته التي تعمل على تخديرنا بوعود كيري برحلاته المكوكية الفارغة، وليس لنا وحدنا…

1