أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
شروط جديدة للتضييق على زواج القاصرات في المغرب!!
بقلم : محمد ماموني العلوي ... 06.12.2022

**لا تقتلوا الطفولة
لأجل تطويق ظاهرة زواج القاصرات في المغرب، وضعت السلطات المعنية حزمة من الشروط أهمها توفر الكفاءة من حيث السن والمستوى الاجتماعي والثقافي بين الزوجين مع التأكد من كون الزواج ليس سببا في مغادرة القاصر للدراسة. وبينت دراسة أنجزتها النيابة العامة أن العامل الثقافي يشكل الدافع الأساسي للقبول بزواج القاصر، وأن الظاهرة ليست شأنا قضائيا صرفا بل شأن مجتمعي تتعدد أسبابه.
الرباط - رغم أن مدوّنة الأسرة التي تم تعديلها في عام 2004 حاصرت ظاهرة تزويج القاصرات برفع سنّ الزواج إلى 18 عاما، إلا أن ما كشفته الأرقام بين أنّ الأمر ما زال مستمرا على ما هو عليه وأنه لا نجاح تحقق في مواجهة الظاهرة.
واقترحت النيابة العامة من خلال خطة العمل المندمجة لمحاربة زواج القاصرات اعتماد الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي مع الفتاة القاصر على انفراد، وإجراء بحث بواسطة النيابة العامة مع الخاطب واشترطت كذلك توفر الكفاءة من حيث السن والمستوى الاجتماعي والثقافي بين الخاطب والقاصر مع التأكد من كون الزواج ليس سببا في مغادرة القاصر للدراسة أو أنه يهدد متابعتها لدراستها.
وحسب الخطة التي قدمها رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي، فإن “أي رفض من قبل الخاطب لحضور جلسة إجراء البحث أو الاختبار النفسي عليه عند الاقتضاء يصبح مبررا لرفض منح الإذن بالزواج”. كما اقترحت الخطة توفر شرط الكفاءة من حيث السن والمستوى الاجتماعي والثقافي بين الخاطب والقاصر كشرط أساسي للإذن بالزواج.
وتصر فئات عديدة من المجتمع المغربي على أهمية الزواج المبكر للفتيات، كما تعتقد بعض المجتمعات أن تأخير الزواج يؤدي إلى أضرار كبيرة، اجتماعية واقتصادية، في حين يؤكد خبراء علم الاجتماع وعلماء النفس أن تزويج الفتيان والفتيات مبكرا يؤدي إلى تحميلهم أعباء أكبر من قدراتهم الجسمانية والعقلية، ويكون في الكثير من الحالات السبب الرئيسي في فشل الزواج.
**أي رفض من قبل الخاطب لحضور جلسة إجراء البحث أو خضوعه للاختبار النفسي يعد مبررا لرفض منح الإذن بالزواج
وجدد وزير العدل عبداللطيف وهبي موقفه من زواج القاصرات. وبعدما أفاد بتصاعد أرقام هذا الصنف من الزواج في السنتين الأخيرتين، قال إن موقفه هو “إلغاء منح القضاة الحق في الإذن بهذا الزواج”، معتبرا أن هذا الإذن القضائي “يجب إلغاؤه”، على أن يحصر الزواج دون استثناءات في سن الثامنة عشرة. وزاد قائلا، إن “هذا الصنف من الزواج يجب تجريمه”.
لم تنجح مدوّنة الأسرة منذ تعديلها في عام 2004 في محاصرة زواج القاصرات، وتنص المادة 21 من مدونة الأسرة على أن “زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي، وأن موافقة النائب الشرعي تتم بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج، وحضوره إبرام العقد”، مضيفة أنه “إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بات قاضي الأسرة المكلف بالزواج هو المسؤول عن الملف”، كما تنص المادة 22 من القانون ذاته، على أن “يكتسب المتزوجان طبقا للمادة 20 الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات، ويمكن للمحكمة بطلب من أحد الزوجين، أو نائبه الشرعي، أن تحدد التكاليف المالية للزوج المعني، وطريقة أدائها”.
وحسب معطيات رسمية تلقت المحاكم في العام 2020 نحو 20 ألف طلب لتزويج فتيات دون سن الثامنة عشرة، وصدر بشأنها 13 ألفا و335 إذنا بالزواج، ما يجعل الأمر يتجاوز الاستثناء في القانون الذي يسمح بتزويج من لم تبلغ السن القانونية.
وتضغط فعاليات سياسية وحقوقية من أجل تعديل مواد قانون الأسرة التي تمنح الاستثناء لتزويج القاصرات، رغم أنها تعترف بأن القضاء على تلك الظاهرة يبدو شبه مستحيل، إلا أنه يمكن الانخراط في معالجتها والحد منها عبر التوعية وسن قوانين صارمة في هذا الإطار.
وقدمت الكتلة النيابية لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، في مايو الماضي، اقتراح قانون يهدف إلى تعديل المادة 20 من “مدونة الأسرة” بهدف الإلغاء الكامل لتزويج القاصرات من خلال تحديد أهلية الزواج بـ18 سنة من دون أي استثناءات.
وأكدت عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والبرلمانية السابقة فتيحة سداس أن هناك أعرافا في العالم القروي تعتبر أن تجاوز الفتاة لسن معين سيمنعها من الزواج لاحقا لهذا يسارع الأهالي بتزويج بناتهم ابتداء من سن 12 عاما، لهذا وجب التحسيس وتجريم زواج القاصر، لأن ذلك يدخل في إطار “البيدوفيليا”. وأضافت أن هناك هشاشة اقتصادية تدفع الأسر إلى تزويج بناتها في سن مبكرة وهي طريقة للتخلص منهن.
ويعتبر تزويج القاصرات ظاهرة مجتمعية لها أبعاد عرفية ثقافية، اجتماعية واقتصادية لهذا وجب التدخل للقضاء على هذه الظاهرة عموديا، كما تعتقد البرلمانية فتيحة سداس في تصريحها لـ”العرب”، حيث بينت أن مكان الفتاة القاصر هو المدرسة وعلى الدولة بمختلف مؤسساتها تحسيس الناس وخصوصا في العالم القروي بأن زواج القاصر له أبعاد خطيرة نفسية وصحية واجتماعية واقتصادية، وعليها أيضا التصدي لشبكات الاتجار في البشر التي تستغل الفتيات وعائلاتهن التي توجد في وضعية هشاشة اقتصادية، ويتعرضن للاستغلال الجنسي.
وترى الكتلة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية المعارض أن الأمر يتعلق بالتزويج القسري، وهو شكل من أشكال اغتصاب الطفولة، لافتة إلى ضرورة التنصيص صراحة على أن أهلية الزواج هي 18 سنة كاملة، وإلغاء الاستثناء الذي أصبح قاعدة لتزويج الطفلات.

في وقت أكدت فيه خطة النيابة العامة على ضرورة “اعتماد سن 17 سنة كحد أدنى لإمكانية الإذن بزواج القاصر”، معتبرة أن هذا السن بداية لدراسة الملف وليس مبررا للإذن بزواج القاصر. ونصت الخطة على ضرورة اعتماد عقد الازدياد والبطاقة الوطنية للتعريف كوثيقتين وحيدتين لتحديد السن.
**ألف طلب لتزويج فتيات دون سن الثامنة عشرة، وصدر بشأنها 13 ألفا و335 إذنا بالزواج، حسب معطيات رسمية تلقت المحاكم في العام 2020
وفي السياق ذاته ستعمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تكوين الأئمة بمعهد محمد السادس بإدراج محور الحد من زواج القاصر ضمن مادة حقوق الإنسان التي تدرس لطلبة هذا المعهد، وتدريب الأئمة المرشدين والمرشدات على إعداد دروس توعية للحد من هذه الظاهرة.
وتندرج هذه التدابير من أجل تغيير الموروث الثقافي والعقليات كأحد الأهداف الإستراتيجية الأربعة لخطة العمل المندمجة لمناهضة زواج القاصر التي قدمها رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي إلى جانب السياسات العمومية والإجراءات القضائية والتشريع، بإشراك المرشدات والمرشيدن الدينيين وأئمة المساجد في التحسيس والتوعية بسلبيات زواج القاصر.
وأبرزت الدراسة التشخيصية التي أجرتها رئاسة النياية العامة واعتمدت على مخرجاتها في إعداد الخطة “أن العامل الثقافي يشكل الدافع الأساسي للقبول بزواج القاصر، وأظهرت أن ظاهرة الزواج المبكر ليست شأنا قضائيا صرفا تنحصر أسبابه في التطبيق العملي لمقتضيات مدونة الأسرة، بل شأن مجتمعي تتعدد أسبابه وتتراوح بين ما هو اجتماعي واقتصادي، وما هو ثقافي، وما هو ديني، كذلك في بعض الأحيان ينطوي على تفسير مغلوط للمقتضيات الشرعية”.
وقال المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات ضد الأطفال، إن “زواج القاصرات أصبح مصدر قلق لدى العديد من المنظمات الحقوقية نظرا إلى تزايد عدد الفتيات المتزوجات قبل السن القانوني، وما يترتب على هذا النوع من الزواج من تبعات وآثار وخيمة على تمتع الأطفال بحقوقهم، وجعلهم أكثر عرضة للعنف البدني والنفسي، والاستغلال الجنسي، خصوصا وأن الفتيات يتحملن مسؤولية أكبر من سنهن، وعبئا يفوق طاقتهن”.
وأسندت الخطة تنفيذ هذه الالتزامات إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك من أجل تحقيق الهدف الإستراتيجي الثالث المتعلق بالممارسة القضائية إلى جانب أهداف إستراتيجية أخرى ترتبط بتغيير العقليات والسياسة العمومية والتشريع.
من جهته أكد الداكي أن الموضوع يتطلب “مقاربته بشكل شمولي ومندمج بغية كسب الرهان بتطويق الظاهرة في أفق القضاء عليها، مع اعتماد ممارسات فضلى على مستوى الممارسة القضائية من شأن تعميمها تعزيز الضمانات المحيطة بتزويج القاصر”.

*المصدر : العرب
1