كانت تهرول مُسرِعة وهي مُتلحّفة بطبقات من القماش السميك تُخفي بِها معالِم جسدها ، تُحني صدرها خجِلة من معالم انوثتها ، تحاوِل الهرب من نظرات وخطوات رجل تلاحقها ، تبحث عن زاوية تذوي خلفها لتختفي وكأنها لم تكُن . وهو يسيرمنتفِخا كطاووس، رافعا شعره كمن مسّه تيار كهربائي ، ومحررا جسده من الأزرار الأولى لقميصه ، فخور بما يظهر من معالم رجولته ، يتلفِّت حوله ليلتقِط ملامح امرأة ، يُسقِط عليها َكبتِه وتعجرفه بتعليقات ونظرات وقِحة، فهذا السلوك في عُرفِه من معالِم اثبات تفوقه على الجنس الآخر، الجنس الأنثوي الضعيف .
وفي مكان آخر، مجموعة من الشباب ُمتمركزين في زوايا الحارات ، وعلى جنبات الطرقات ، يهللون ويتسكعون ويقهقهون بمنتهى الثقة ، متجاوزين كل أخلاقيات الجيرة وآداب الشارع ، يتطاولون على البنات بكل ثقة ، ودون أدنى احساس بتأنيب الضمير ، في الوقت الذي لا تتجرأ فيه فتاة في بعض المناطِق المحافِظة ،على الظهور على شرفة منزلها دون اذن ، ودون غطاء ، فمن أين أتت ثقة الذكورهذه ، وضعف البنات هذا !!!!! و مع أننا نُمجّد الذكورة على حساب الأنوثة ، ونعتبرها رمزا للقوة والصلابة والذكاء ، وأمام سيادة هذه الفكرة في منطق العقل الذي يحكم المُجتمعات العربية عموما ، يعتقِد البعض أننا قد أحسنّا تربية الذكور مقارنة بتربية الاناث ، ولا أعرف كيف ، فماسبب انهيار الشخصية العربية أمام العالم ، والاستخفاف بها ، طالما أننا قد أحسنّا اعدادها وتربيتها، كما نعتقد !
لقد فشلنا في تربية الذكور، كما فشلنا في تربية الاناث حتى اختل توازن المجتمع، فمعالم وآثارهذا الاختلال تبدو واضحة عندما حولنا الأنوثة الى لعنة ، ووسمناها بالخطيئة ، واعتبرنا أن كل ما يخّص المرأة وجسدها ، مصدر فتنة يجب اخفاؤه ، دون أن نكلّف خاطرنا باصلاح العقل الذكوري الجنسي ، المتأهّب للهجوم على أي امرأة تعترض سبيله . لقد فتحنا للولد باب الحرية والانطلاق على مصراعيه ،واغتلنا عن سابق اصرار وتصميم حلم الفتاة ورغبتها في اكتشاف ذاتها والعالم من حولها . فنحن نُشعِر ابننا بأنه "ستيف أوستن " بزماناته عندما يضرب ابن الجيران ويكسر له أنفه ، وأن" آينشتاين " بنفسه قد ينهار أمام عبقريته الفذه ، لأنه قد نجح في حلّ مسألة الرياضيات في المدرسة ، و نُصفّق لرجولته الطاغية ولغيرته الشديدة على شرف العائلة ، عندما يضرب اخته ويمنعها من الخروج من البيت ، لأنه شك في سلوكها ، وهو في ذات الوقت يغازل بنت الجيران ، ويواعدها، بينما لا نعير ذات الأهمية لفتاة متفوقة ، ومتميزة ، وقد تصل لأعلى المراتب والمناصِب ، لمجرّد أنها لم تتزوج ، فهي ناقصة بنظر المجتمع ، وهو مُكتمِل الرجولة.
نعم ؛ فشلنا في تربية الذكور كما فشلنا في تربية الاناث ، فمنحنا الذكر حق الأمر، والأنثى واجب الطاعة ، اعتدينا على الشخصية العربية ، وسجناها داخل أطر جامدة ، وكأنها جوهر ثابت غير قابل للتحول . نحن مسؤولون عن أمراض مجتمعاتنا وتناقضاته ، وطريقة التربية هذه تغتال الشخصية العربية و تمارس عليها عدوانا واضحا ، وتعيق كل محاولات الخروج من هاوية الرجعية الضيقة ، والانضمام الى صفوف المجتمعات المتحضرة ، والمرأة للأسف اكثر من يدفع ثمن هذه الرجعية.
فشلنا في تربيةالذكور والاناث !!
بقلم : لينا جزراوي ... 02.07.2016