علينا الاعتراف بأن الدين كان ومازال يشكّل قيمة كبرى وعظيمة في مجتمعاتنا ، وأن الفتاوي الدينية ماتزال تُشكل وعي الناس وحياتهم ، ويعتمدون عليها في ترجمة سلوكهم اليومي وأفكارهم ، ففئة رجال الدين عندنا ، يمتلكون سلطة هي أقرب الى السطوة على عقول الناس ، ويجدون لهم آذانا صاغية وصاغرة لدرجة تخال أن الأمور مُنزّلة ولا مجال للتفكير بها أو نقاشها ، فعندما يقول رجل دين ، أوعدينا تفحصي ،( كدعوة للمرأة لاجراء فحص دوري لسرطان الثدي) فأعرف أن أغلب النساء سيُجرين الفحص ، أكثر بكثير من احتمال أن يتوجهن للفحص بدعوة من لاعب كرة سلة أو قدم ، مشهور ، أو حتى ممثّل محبوب.
وهذا ما تُدركه قِوى الحكم والتأثيرفي كل مكان وليس في الأردن وحسب ، فعندما يكون الأمر ايجابي فلا مشكلة ، لكن ما أطرحه هُنا ويُثير استغرابي ، هو لماذا لا يُساعد رجال الدين في خدمة برامج الحدّ من العنف ضد المرأة ، وبرامج التمييز المبني على اساس الجنس مثلا ؟ أو في الدعوة للمساواة في الحقوق وتعديل مواد القانون بما يكفل حقوق متساوية للجنسين ، وأدنى الإيمان (فتوى) تُفيد تعديل المادة السادسة من الدستور ، عندما هاجت الأردنيات وماجت تطالب بتعديلها ؟ ولماذا الذهاب الى فحص الثدي ، مع العلم إني من مؤيدات اجراء الفحص تماما ،، لكني قبلها مع فحص النفوس وما يعتري الصدور تجاه المرأة وحقوقها ومكانتها في المجتمع .
وبكل صدق أقول أن في اطار عملنا النسوي على توعية المرأة والرجل معاً حول قضايا النساء ، كُنّا نستعين برجال دين مستنيرين ، والحقّ يقال أنهم لم يخذلونا عندما احتجناهم ، وكانوا يُقنعون ويُفسّرون النصوص الدينية للرجال المُعنِّفين ، ويدحضوا فكرةً كان يُستند اليها من قِبل المُعنِّفين ، بأن الدين في بعض نصوصه أعطاهم هذا الحقّ ، فكانوا ينجحون في الغالب بإزالة هذه الشمّاعة التي يُعلّق عليها بعض الرجال ممارساتهم اللادينية ضدّ المرأة.
فالرجل في مجتمعنا لا يصغي الا لرجلٍ مثله ، لأن كرامته وِقيَمُة التي نشأ وشبّ عليها تقول بأن للرجال لغةُ خاصة تُحترم ويُصغى لها ، وهذه حقيقة منتشرة ، فما بالكم لو كان رجل دين لديه من العلم والمهارة ما يؤهلانه لهذه المَهمّة الصّعبة.
لكني اليوم ، أعتب على المؤسسة الدينية التي تُضيّع على النساء فرصا كثيرة في نشر ثقافة الحقوق والمساواة بين الجنسين ، فلم أسمع في خُطب الجُمَع إمام مسجد يُظهر ويُبرز السّير النبويّة الشريفة التي تقول بمكانة المرأة في زمن الرسول الكريم ، وكيف كانت المرأة تُشارك الرجال في التجارة والسياسة وتحاورهم في مجالسهم ، بل وتتفوّق عليهم ، فلماذا لا يساعدنا رجال الدين ، أصحاب السلطة على المجتمع في التخفيف من الثقافة الذكورية التي تعوق تحقيق شراكة للمرأة ، كنصف المجتمع ؟ ولماذا لا يتحدث أئمّةُ المساجد من على منابرهم ، عن حقوق المرأة السياسية والقانونية والتشريعية ؟ لماذا لا يساعدنا رجال الدين المستنيرين بنشر ثقافة قَبول المجتمع تمثيل المرأة وشراكتها ، ونحن ندرك وهم يدركون، أن أي توجه لانصاف المرأة قانونيا وتشريعيا يصطدم بعقلية وثقافة المجتمع التي ترفضه كقيمة حديثة ، وتربطه تارةً بانحلال ، وتارةً بخصوصية المجتمع ، وكثيراً بالتحريم الديني.
علينا أن نعترف بأن الرجل في مجتمعنا هو صاحب القرار ، وأنه يستمع ويتأثّر بالخطاب الديني ، بل أن الخطاب الديني هو أكثر ما يشكل وعيه وسلوكه ، خصوصا تجاه المرأة وقضاياها ، لذلك فأن رجال الدين تقع عليهم مسؤولية مشاركتنا في عملية التوعية التي تستهدف الرجال ، ومن على منابر مساجدهم ، عليهم نشر ثقافة الحقوق والمساواة ، على قاعدة ما منحها إياه الشرع والدين ، وانتزعها منها المجتمع الأبوي التسلطي ، وثقافته.
لدينا نساء مؤهّلات ليعتلين أرقى وأهمّ المناصب ،، لكن ثقافة المجتمع تعوق وصولهن.
ولو كُنت رجلاً ،،
لاخترت أن أكون رجل دين ،،،،،،،،، لأُنصف المرأة.
لو كُنت رجُلا!!
بقلم : لينا جزراوي ... 09.10.2012
المصدر : مركز مساواة المراه