لطالما اضطرّت المرأة أن تُخفي هُويّتها الشخصيّة تحت أسم مُستعار لتُمارِس حقّها الطبيعي في التّعبير عن فِكرِها ، ولو أنّ هذه الظّاهِرة قد تقلّصت تدريجيّا في المُجتمعات الغربيّة ، الّا أنّها ما تزال موجودة وبقوّة في مُجتمعاتنا الّتي لم تتغيّر فيها النّظرة للمرأة ، فما تزال تراها قاصِر وتابِع وتحتاج الى وِصاية ، مجتمعاتنا حيث يُعتبَر صَمْت النّساء فيها مُبارَكا ، بل هو من أهمّ معالِم الأنوثة .
لم أستثنِ الرّجل يوما من تعرَّضه للاضّطهاد ، لكني كُنت ومازِلت ، أرى أنه ، إن كان مُضطهّداً لكونه إنسان ، فالمرأة مضطّهدة مرّة لكونها انسان ، ومرّة لكونها إمرأة ، و مرّة أخرى لكونِها تُفكّر ، فالرّجُل الشّرقي ينظُر الى المرأة المُثقّفة نظرة دهشة واستِغراب ، وكأن فِكرة أن يكون هناك إبداع أو تفوّق نسوي شيء جديد على مُجتمعاتنا ،لا يمكِن فهمه خارِج إطار المَطبخ ورعاية الأسرة ، كثيرات هُنّ المُبدِعات اللواتي هجَرنَ هذه المُجتمعات بسبب القيود الفِكريّة المفروضة عليهن ، ولأنهن اخترن تعرية الواقِع ، حاربهنّ المجتمع بالتقليل والاستهانة بالقيمة الابداعية لأعمالهن ، ولأن المجتمعات الّتي ماتزال ترزَح تحت وطأة المُقدّس ، حاربَت مواهبهنّ الابداعيّة ، فاحتضنتهُنّ مُجتمعات أخرى وقدّمت لهنّ كل الامكانيّات اللازِمة للإبداع ، وللتعبير الحرّ عن الواقِع وعن الأفكار دون خوف .
أذكُر أن زميلي في برنامج الفلسفة ، تفاجأ عندما علِم أنّي قد حصلت على علامة مُساوية لعلامته في أحد المساقات ، واعترَت تفاصيل وجهه تعابير الدّهشة ، لدرجة أنه كان على وشك أن يُطبطِب عل كتفي ويقول لي (برافو) ، والله بيطلع منكن انتوا النّسوان !!!!!! وهذا تسليم لما هو سائِد في العقليّة الشرقيّة من أن نجاح المرأة يجب أن يكون أدنى من نجاح الرّجل بل غير مسموح لها حتّى أن تتساوى معه في النّجاح ، وعندما أتحدّث عن ابداع المرأة وقرارها بالخروج من دائِرة الحياة التّقليدية والمفاهيم المُحنّطة ، تتفاجأ بأنّها تفتقِر لغُرفتها الخاصّة الّتي تسمَح لها بمُمارسة حقّها في التّفكير وحقّها بالابداع ، الغُرفة الخاصّة الّتي تَمنحها نسمة للتأمّل ، بينما يقَع على عاتِقها مهمّة إنتاج الوقت للآخرين لكي يُبدِعوا .
ثمّة فوقيّة كبيرة في نظرة الرّجل الشّرقي للمرأة ، فوقيّة تُجرّد المرأة من أبسط حقّ من حقوقها ، حقّها في أن تكون ذاتها ،، كما الآخرين ، وحتّى تتغيّر هذه النّظرة تحتاج المرأة أن تدخُل و بجرأة في مُعترك الرّجال ، ومساحاتهم ، لخلخلة المفاهيم المُتخشّبة ، والمُتخفيّة تارة تحت شعارات الدين وتارة أخرى تحت شِعارات التقاليد والعادات.
خلل في المجتمع!!
بقلم : لينا جزراوي ... 05.01.2014