تستنكر المجتمعات العربية على الفتاة العزباء أن تبحث عن زوج أو تختاره وتسعى للتواصل معه بغرض التعبير له عن نواياها في الارتباط به أو عن حبّها له في حين تعتبر أنه أمر طبيعي بالنسبة إلى الرجل بل توكل له مهمة البحث والاختيار. كما تستهجن الأوساط المحافظة أن تبادر المرأة بطرح موضوع الزواج وبأن تعبّر عن خياراتها أو مشاعرها بجرأة وتضعها في خانة الأحكام القيمية والأخلاقية. فهل من حق المرأة العربية أن تحاول التعبير عن حقها في البحث والوصول للطرف الآخر؟ لماذا تحرم من حق الظفر بالشخص الذي يعدّ في نظرها مناسبا لها؟ لماذا توجه لها تهم أخلاقية إذا ما عبّرت عن شعورها لتنقذ نفسها من تأخر سن الزواج؟ هذه التساؤلات تحيلنا ليس فقط للمقارنة بين مكانة المرأة والرجل في المجتمعات العربية بل أيضا للنظر في تأثير هذه الثقافة ذات الازدواجية في المعايير تجاه اختيار الزوج على المرأة وعلى توازن المجتمع وعلى مؤسسة الأسرة.
تحاصر الفتاة بنظرات المجتمع ومراقبة العائلة والأقارب والمحيطين بها إذا خرجت عن النمط السائد للفتاة التي يفترض أن تنتظر العريس الذي اختارها لتكون زوجته ويتقدم لخطبتها، وإن نظرت إلى الرجال أو عبّرت عن إعجابها بشخص دون غيره أو عن ميولها ورغباتها وتحدثت عن الصفات التي تريدها أن تتوفر في شريك حياتها فإنها تعرّض نفسها للانتقادات وتوصف بنعوت سيئة من قبيل الوقاحة والجرأة الزائدة..
ثقافة كاملة وسياق مجتمعي قديم متجدد تحكمه العادات والتقاليد الرجعية والمحافظة إلى درجة التشدد خاصة في مجتمعاتنا العربية التي تأبى على المرأة حقها في الاختيار وفي البحث عن شريك الحياة سرا أم جهرا، وترفض أن تلعب الأنثى دورا أوكل للرجل فهو من يختار ولا يتم اختياره، وهو من يحق له وضع قائمة من الشروط والصفات التي يجب أن تتوفر في زوجة المستقبل، وهو من يجب أن يبادر باقتراح الشريك وبطرح الموضوع على المرأة وعلى الأسرة وهو من يجب أن يخطو أولى الخطوات الرسمية في اتجاه الزواج.
ورغم التفاوت الملحوظ بين الفئات والطبقات الاجتماعية بغنيّها وفقيرها ومتعلميها وأميّيها، وكذلك التفاوت بين مختلف الدول العربية بحسب درجة انفتاحها وتمسكها بإرثها الثقافي وبالعادات والتقاليد الخاصة بالزواج وبتكوين الأسرة والتي تضع المرأة في مكان المفعول به لا الفاعل في الحياة الأسرية والزوجية والاجتماعية، فإن رفض الجرأة ورفض سعي المرأة وراء الرجل لكسب قبوله وحبّه ومبادرتها بالتعبير عن إعجابها أو البوح بمشاعرها مهما كانت الطريقة (مباشرة أو رمزية)، وكذلك رفض فكرة بحث المرأة عن الزوج عموما، تظل قواسم مشتركة بين أغلب المجتمعات العربية المسلمة.
النساء العربيات بالذات لا يحق لهن إتيان مثل هذه السلوكيات غير المقبولة اجتماعيا من وجهة نظر أخلاقية وقيمية بحتة، وحتى إن بلغت الفتاة سنا متأخرة للزواج أو التحقت بجحافل العوانس فإنه لا يحق لها الدفاع عمّا تبقى من أيام شبابها وإن تأخرت سنها إلى الأربعين وأكثر وأصبحت مهددة حتى في قدرتها على الانجاب فإنه يظل مرفوضا أن تسعى للبحث عن شريك حياتها وعن شخص يمكن أن ترتبط به لتعوّض ما فاتها من محطات العمر، بل إن البنات اللاتي يتأخرن في الزواج في عالمنا العربي يحاصرن أكثر من غيرهن من قبل المجتمع بنظرات تحسب عليهن خطواتهن وتصرفاتهن ونظراتهن.
وإن حاولت إحداهن التقرب من أحد يقولون إنها عانس تبحث عن عريس لأنها تأخرت في الزواج، ويرجع هذه التأخر طبعا لعيوب خِلقية أو خُلقية فيها جعلت الرجال يعزفون عن الزواج بها. وبهذا الشكل لا تقف المجتمعات العربية عند حد حرمان المرأة من حق اختيار الزوج ولا عند نعتها بأسوأ الصفات إن بحثت أو سعت للزواج بمن تريد بل تتجاوز ذلك إلى حصرها في زاوية حادة لا تستطيع الخروج منها فهي دوما في موقع المتهم والمحكوم عليه بالالتزام بالقيود وعدم محاولة التحرر منها.
وتشهد المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة تصاعدا مستمرا في نسب العزوف عن الزواج من قبل الرجال لأسباب اجتماعية واقتصادية وشخصية مرفقا بارتفاع في نسب العازبات ونسب العنوسة، وذلك لأن القرار والخيار يظل دوما بيد الرجل. فلا مجال لأن تحاول الفتاة إنقاذ نفسها من العنوسة، وإن تجرأت نسب قليلة من الفتيات على خوض تجربة البحث عن زوج وحاولت التقرب منه فإن العديد من الرجال يرفضون الزواج بامرأة بادرت بالانخراط معهم في علاقة وكانت الطرف المبادر والمؤثر في مجريات الأحداث وما آلت إليه العلاقة. وأحيانا يقع الرجل في حب هذه المرأة لكنه يصارع مشاعره ويعاندها لكي لا يتزوج من امرأة أثبتت ذكاءها وقوّتها وجرأتها، وفي أغلب الحالات لا يتم الزواج لأن الرجل العربي والشرقي، مهما بلغ مستواه التعليمي والثقافي، في داخله رجل تقليدي يرفض الانصياع للمرأة والتعامل معها على أنها شريكة بل باعتبارها كائنا ضعيفا يمارس تجاهه وصايته وسلطته.
ولا يمكن فصل قرار الرجل في اختيار الزوجة عن المواصفات التي يريدها بحسب ميوله الشخصية وكذلك ما تنسجم مع تربيته وثقافته الاجتماعية وبحسب ما يقبله محيطه الأسري والمجتمعي. فنجد على رأسها -وفي أغلب الأحيان- ما يتعلق بالجانب الأخلاقي الذي يقوم على الاحتشام (بمعنى يناقض الجرأة) والاحترام وأحيانا الطاعة وهي جميعها مواصفات تضع المرأة في منظومة الزواج والأسرة في مرتبة ثانوية ومركز أقل من الشريك أو ما يطلق عليه النصف الآخر لتظل ما يختار الرجل وضعه في بيته وما يختاره كزوجة مكمّلة وكأم لأبنائه وكنة لوالديه. وللأسف هذه الطريقة في التفكير وهذه العقلية الشرقية التمييزية ضد المرأة غرستها النساء في الرجال فكلّ أمّ تحاول أن تلقّن ابنها دروسا في حسن اختيار الزوجة التي تريحه في حياته ولا تعلمه أنها يجب أن تكون شريكته الفعلية في كل شيء داخل البيت والأسرة وأنها إنسان قبل كل شيء يحق له أن يحبّ ويختار ويعبّر عن مشاعره دون أن يجد أمامه جدار صد العادات والأحكام الاجتماعية.
هل يحق للمرأة أن تختار شريك حياتها وتتقرب منه !!
بقلم : سماح بن عبادة ... 25.04.2016
صحافية من تونس..المصدر : العرب