ريفيات المجتمعات العربية تتكفلن بالعمل المنزلي والعمل الفلاحي غير أن جهودهن لا تقابل بالتقدير الذي تستحق لا ماديا ولا معنويا.
المرأة على مر العصور كانت وما زالت مصدرا للإنتاج في عملها سواء في البيت أو في النواحي الاقتصادية بمختلف مجالاتها، فهي المسؤولة عن تربية الأطفال ورعايتهم والمسؤولة عن المنزل وإلى جانب دورها كأم وزوجة تقوم بعملها خارج المنزل جنبا إلى جنب مع الرجل بل إن مهامها الإنتاجية تفوق مهامه أحيانا. هذا هو حال النساء الريفيات اللاتي يشتغلن في الفلاحة بنسب تفوق اشتغال الرجال فيها.
تستيقظ عند بزوغ الفجر تعد إفطار العائلة ثم توقظ الزوج والأبناء ليجدوا كل ما يحتاجونه جاهزا، تساعد وتعد أفراد الأسرة للخروج من المنزل إما للدراسة أو للعمل، بعد ذلك تباشر النسق المتسارع لمهامها اليومية تبدأ بشؤون البيت من ترتيب وتنظيف وطبخ.. ومن ثمة تقصد عملها الذي يكون في أغلب الحالات فلاحيا فتراها تتفانى فيه وترعى الأرض والنباتات والمواشي بنفس الحرص الذي ترعى به صغارها.
هذه الخطوط العريضة لبرنامج حياتها اليومي وهكذا ترتسم صورة المرأة الريفية الأم وربة البيت والعاملة امرأة تقوم بعشرات المهام في يوم واحد وكأن لها أيادي أكثر من بقية البشر، تشتغل في المنزل وخارجه لتكسب قوتها ولتساعد في تلبية حاجيات العائلة. النساء في أغلب المناطق الريفية لهن نفس البرامج اليومية مع تفاوت بسيط، لكن الثابت أن يومهن يختتم بشعور بالرضا بأداء واجباتهن رغم الشقاء.
ريفيات المجتمعات العربية خاصة منهن المنتميات لأوساط فقيرة أو متوسطة الدخل تتكفلن بالعمل المنزلي والعمل الفلاحي، وهما من أكثر مجالات العمل إرهاقا وتكنّ في بعض القرى معيلات لأسرهن خاصة في الدول التي تسجل مستويات عالية من البطالة والفقر، غير أن هذه الجهود لا تقابل بالتقدير الذي تستحق لا ماديا ولا معنويا.
ورغم أن تعريف الريف يظل نسبيا ومتغيرا من بلد لآخر إلا أنه أساسا المنطقة القائمة على الفلاحة كنشاط اقتصادي أساسي، أما المرأة الريفية فهي المرأة التي تعيش في الوسط الريفي وهي في أغلب الأحيان تمارس الفلاحة كنشاط أساسي وتقوم أحيانا بأعمال حرفية أو صناعية صغيرة لتؤمن لنفسها دخلا ماديا يحفظ لها لقمة العيش الكريم.
„التمكين الاقتصادي لنساء الأرياف ليس فقط أساسيا لتحقيق رفاههن الشخصي وتحقيق العدالة مع نظرائهن الذكور، بقدر ما هو أداة لرفاه الأفراد والأسر والمجتمعات الريفية بأكملها“
كما أن الوسط الريفي يتميز بوجود أغلبي للأسر التقليدية التي تعد نموذجا للهيمنة الذكورية وللسلطة الأبوية المطلقة. فالرجل سواء كان الأب أو الزوج يسيطر على اتخاذ القرارات في تسيير شؤون الأسرة وهو المقرر لمصير كل الأفراد والمحدد لدور كل واحد منهم.
ويرى الرجال في هذه الأسر أن عمل المرأة في البيت واهتمامها برفاهه وبرفاه أبنائها واجبات ومهام طبيعية وعادية على المرأة أداؤها دون تلكؤ أو تذمر وليس من الضرورة الاعتراف لها بالفضل أو مساعدتها في ذلك.
أما عن العمل الفلاحي بمختلف مراحله ونشاطاته المتنوعة من زراعة وتربية للحيوانات فإن أغلب الرجال العرب لا يقبلون عليه حتى في ملكيتهم الخاصة هذا ما يجعل نسب النساء الريفيات اللاتي يشتغلن في الفلاحة تفوق نسب الرجال. ولكن هذا التفاوت ليس حصريا في المجتمعات العربية بل إنه يشمل مختلف مناطق العالم.
ولعل إقبال المرأة في الريف على العمل الفلاحي له تفسيرات منطقية ترتبط بتدني أجور العمال الفلاحيين في أغلب الأرياف العربية ما يولد عزوف الرجال عليه وبقسوة ظروف العمل وطول ساعاته والاستيقاظ باكرا..
كما نجد تفسيرات تخرج عن نطاق الحساب وهي أن المرأة تمتاز بالعاطفية أكثر فهي تتعلق بالأرض وتعشق مزارعها وتشعر أنها تمنح النباتات والحيوانات الحياة وترعاها بنفس متعة رعايتها لأبنائها. المرأة كذلك مثال للصبر ولطول النفس لأن العمل الفلاحي الشاق يتطلب الصبر في انتظار نتاجه الذي يتطلب أسابيع وشهورا أحيانا.
وحسب منظمات العمل الدولية فإن النساء الريفيات تعتبرن أحد العوامل الرئيسية لتحقيق التغييرات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية اللازمة للتنمية المستدامة وهو ما يمثل اعترافا بدورهن الاقتصادي المرتبط بتوفير الإنتاج الفلاحي بمختلف مراحله وما ينتج عن ذلك من تحقيق الأمن والاكتفاء الغذائي للشعوب. كما تمثل النساء الريفيات نسبا هامة من القوى العاملة المنتجة في الاقتصاديات العربية وتمثلن النسبة الأكبر من المشتغلين في القطاع الفلاحي.
إذن فالمرأة الريفية قوة إنتاج لا يمكن الاستغناء عنها في المجال الفلاحي والزراعي، وهي حلقة أساسية ضمن حلقات الدورة الاقتصادية خاصة فيما يتعلق بتأمين الغذاء.
وعموما فإن تنوع الأنشطة والأعمال يعتبر خاصية أساسية وقارة في حياة المرأة في مختلف المناطق الريفية التي تتميز بنقص في المرافق المؤسساتية والخدمية كالمدارس والمستشفيات والوجهات الترفيهية..
في المقابل يتسم الريف بطابع ذكوري حاد تكون فيه المرأة منتجة، لكنها رغم ذلك في حالة تبعية اقتصادية للرجل تعكس تغييبها عن اتخاذ القرارات وعن التصرف في الشؤون المالية للأسرة.
هذه الأعباء التي تثقل كاهل المرأة الريفية والتي تتمثل في تحمل مشاقّ العمل الفلاحي والمنزلي، وعدم الحصول على المكافأة التي تستحقها، والمكانة الدونية في العائلة وفي المجتمع، وعدم التكافؤ بين الأجر والجهد المبذول، وكذلك عدم مساواتها في الأجر مع الرجال العاملين في نفس القطاع. تضاف لها تحديات مرتبطة بعدم المساواة مع الرجل انطلاقا من العرف الاجتماعي خصوصا فيما يتعلق بأحقية وحقوق امتلاك الأرض وصعوبة حصولها على الدعم والتشجيع من الجهات الرسمية للنهوض بالنشاط الفلاحي. وكذلك عجز السلطات الجهوية والمحلية على توفير التجهيزات والتقنيات الفلاحية الملائمة لعمل المرأة في الفلاحة.
محدودية ملكية المرأة للأراضي الفلاحية، وعدم فسح المجال لها للتصرف في المجال الفلاحي، وصعوبة الوصول إلى مصادر الدعم الفلاحي خاصة في مجال الإرشاد والتوجيه من قبل الجهات المختصة والخبراء، لا ترجع لأسباب تتعلق بقصور المرأة عن ذلك أو عدم اكتسابها للكفاءة في العمل الفلاحي الذي يتطلب قوة بدنية، بل يرجع لأسباب أسرية واجتماعية مثل رفض توريثها أراضي العائلة حتى لا تنتقل بمفعول المصاهرة لعائلات أخرى، كذلك نقص المخصصات الفلاحية من الدول للنساء من قروض بنكية أو دعم لوجيستي أو معرفي من مختلف الجهات الرسمية يضاف لذلك مستويات التعليم المنخفضة لأغلب النساء الريفيات.
„أوضاع المرأة الريفية في الدول العربية رغم قتامة الصورة العامة إلا أنها شهدت تحسنا ملموسا في السنوات الأخيرة خاصة في مجال التعليم، حيث انتشر الوعي بضرورة تعليم الفتيات“
فالنساء اللاتي يتعاطين النشاط الفلاحي في تونس مثلا يشتكين من أن فرص الحصول على القروض البنكية والتمويل للقيام بمشاريع فلاحية خاصة محدودة، وهي ترجع لعدم حيازتها للأرض من ناحية ولغياب التشريعات والمساعي الحكومية لدعم مكانتها في القطاع من ناحية ثانية، وهو ما يثبّتها مكانها ويحجب عنها التطور ويحرمها بالتالي من فرصة إنقاذ نفسها من التبعية للرجل.
ومن المثير للاستغراب والاستهجان أن السلطات والمجتمعات الريفية تسهى على أن التمكين الاقتصادي للنساء ليس فقط أساسيا لتحقيق رفاههن الشخصي وتحقيق العدالة مع نظرائهن الذكور، بقدر ما هو أداة لتحقيق رفاه الأفراد والأسر والمجتمعات الريفية بأكملها، وهو أيضا عامل رئيسي لتحقيق الإنتاجية الاقتصادية الشاملة، باعتبار أن الريفيات تشكلن جزاءا كبيرا من قوة العمل الزراعية في جميع أنحاء العالم.
هذه العوامل وغيرها تتظافر لتحصر المرأة في الأدوار الثانوية في الأرياف وفي الفلاحة بشكل خاص، وتظل تلعب دور العاملة التي تتلقى أجرا زهيدا في جل الحالات وتبعد عن المواقع القيادية وعن إدارة الإنتاج والملكية وحتى عن التصرف في الموارد المالية في الأسرة -حتى وإن كانت من جلبها- وهو ما يعمق معاناتها فالجميع يقطف ثمار عملها ويستفيد منه عدا هي.
وحسب عديد الدراسات لمنظمات حقوقية ونسوية فإن أوضاع المرأة الريفية في الدول العربية رغم قتامة الصورة العامة إلا أنها شهدت تحسنا ملموسا في السنوات الأخيرة خاصة في مجال التعليم، حيث انتشر الوعي بضرورة تعليم الفتيات وتركهن يصلن للمراحل الجامعية.
أما في مجال الرعاية الصحية فقد سهرت معظم الدول العربية على تقريب الخدمات الصحية من المواطن خاصة في الأرياف وتبعا لذلك شهدت المرأة في الريف تطورا إيجابيا في مجال الصحة الإنجابية ورعاية الحامل وتقلص عدد وفيات الأمهات عند الولادة ويعد ذلك نتاج للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والانفتاح على العالم التي لعب فيها التطور التقني وانتشار وسائل الإعلام دورا حاسما.
ومن ناحية أخرى رصدت عديد الإحصائيات ارتفاع نسبة النساء الريفيات اللاتي يعلن أسرهن مثلا في تونس وكانت أغلبهن تعملن لحسابهن الخاص في مشاريع تنموية صغرى في الحرف أو الفلاحة بدعم من الجهات الرسمية وغير الرسمية مثل الجمعيات المهتمة بالتنمية الريفية وتنمية المرأة الريفية ورغم ذلك تلاحظ هذه الجمعيات قصور الدعم المادي والمعنوي المقدم لهن وحصر نشاطاتهن في التطريز والتصنيع البسيط أو الأولي للمنتجات النباتية أو الحيوانية المتاحة لهن في الريف.
وهذا ما يبين أن النساء الريفيات ما زلن بحاجة إلى المزيد من الاستراتيجيات للنهوض بأوضاعهن وإلى المبادرات والتدخلات التي تهدف إلى الارتقاء بمكانتهن في المجتمع وإلى تمكينهن في الجانب الاقتصادي إما عن طريق توفير برامج التدريب وبناء الكفاءات أو بتوفير الدعم المالي الذي يتيح لهن فرص الاستقلال المادي عن المشغّل وعن هيمنة الرجل داخل العائلات الريفية التقليدية.
ومؤخرا في تونس انطلق تنفيذ برنامج مشترك بين منظمة أوكسام تونس ومجموعة من الجمعيات النسوية والتنموية منها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية ورابطة الناخبات التونسيات أطلق عليه اسم “أمل” ويهدف إلى تنمية المرأة المهمشة في الأرياف في تونس، وفي المغرب وفلسطين واليمن، وإلى تعزيز مشاركة وقيادة المرأة على جميع المستويات، خاصة النساء الفقيرات والمهمّشات، وحشد صفوفهن للمطالبة بحقوقهن السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ورغم تألق النساء في مجالات مختلفة، إلا أنهن يعشن في بلدان لا تقوم بالجهد الكافي من أجل تعزيز حقوقهن وإدماجهن في مواقع صنع القرار، وتقريب الخدمات الأساسية لهن، وتوفير فرص العمل، والدراسة في ظروف ملائمة..
وتقر المنظمات والجمعيات الحقوقية والنسوية في تونس أن المرأة الريفية هي الأكثر تضررا من الفقر، ومن هشاشة العمل غير المهيكل ومن قلّة التشريك في قرارات الجماعات وهو ما يدفعها للعمل على النهوض بها والتركيز عليها أكثر من المرأة في المناطق الحضرية.
غياب العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين النساء والرجال تجمع نساء العالم في سلة واحدة ولكنها تبرز بشكل ملحوظ في البلدان العربية، أما في المناطق الريفية فهي أكثر حدة وعمقا لأن الوضعية الحقوقية للمرأة الريفية أكثر هشاشة من المرأة في المدينة وذلك في أغلب الدول العربية.
نساء الأرياف منتجات الحياة والغذاء كادحات منسيات!!
بقلم : سماح بن عبادة ... 26.04.2015
المصدر:العرب