أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
من هذا القاتل ومن هم عرب ال 48؟!
بقلم : د.عامر الهزيل ... 24.12.2020

لم تتغير الأوضاع كثيراً تلك التي قادت الى النكبة كما صورها قسطنطين زريق في كتابه "معنى النكبة" الصادر في أغسطس 1948. فالهزيمة في عمقها التاريخي لم تكن بسبب قلة العدة والعتاد على أهميتها بل لأن الصدام كان بين مجتمع صهيوني استعماري حديث جذوره في حداثة أوروبا ودعمها ومجتمع تقليدي متخلف يجتر اسطورته بعبثية تاريخية تراجيدية حتى في اوج مدنيته حكمته القبيلة والحمائلية التي انساقت على الحزب والثورة حتى اجهضتها ماضياً وحاضراً.
استفرد الاستعمار الإسرائيلي التهويدي بعرب ال 48 واستهدفهم بعملية سلخ مبرمجة عن ذاتهم وشعبهم وامتهم في ثلاثة محاور. الأول: الأرض والذاكرة التاريخية للحيز. الثاني: مناهج التعليم واللغة العربية ودورها في تشكيل الثقافة والوعي الفردي والجماعي. الثالث: في استبطان القيادة والنخب وشريحة الوسط ودمجهم الانتقائي في مؤسسات الدولة بما فيها الكنيست وان ارتفع صراخ خطاب أعضاء الكنيست فأن كانت له جدوى هو ما ارتجته وترتجيه الدولة العميقة في تسويق وتعميم وجهها الديمقراطي. واذا كان هدف الدمج الانتقائي ربط مصير ومعيشة المهني الموظف بما فيهم المعلم/ة ومدير المدرسة وضمان تبعيته والتحكم في موقفه , فأن العزل الانتقائي للقوائم السوداء الخارجة على وشم الدولة قصد نفس الغاية. في هذا السياق ما عجزت عنه الدولة قامت به صناديق الدعم العالمية وأكثرها يهودية حين دمجت واستقطبت الكثير منهم في الجمعيات المختلفة. هكذا حيدت إسرائيل الطبقة الوسطى التي تمثل تاريخياً العمود الفقري لحراك المجتمعات وتطويرها. بكلمات أخرى عزل الاستعمار الإسرائيلي بين النخب وقيادة الوسط والعامة وبينها وبين نفسها. في وقت فُرض التحديث القسري كحالة حرق مراحل انهار معها المبنى المجتمعي على المستوى العمودي والافقي بشكل انهارت فيه قيم توازن الردع المجتمعي ومعها القيادة الاجتماعية التي فرضته دون بديل قيادة وسط تتقدم الصفوف وتشكل بوصلة لطريق المستقبل . الامر الذي قاد الى ازمة أهم معالمها ضعف دور الأسرة والمدرسة كأهم مؤسستين تربويتين. فالأسرة غدت ترعى ولا تربي والمدرسة تركزت في التحصيل وغيبت بلورة الهوية الجماعية وزرع القيم ومعها هدم اللغة العربية بما تعنيه لفهم المقروء والقدرة على الابداع والجاهزية لعالم روحه تكنولجيا. الكورونا وامتحانات"البيزا" العالمية للغة الأم وفهم المقروء فضحت المستور. حقيقة تنعكس في تطور لغة ثالثه في أوساط عرب ال 48 نطلق عليها "العربريت" خليط من العربي والعبري. نعم هنالك قطاع كبير ,وخصوصاً الطبقة الوسطى الموظفة, فقد قدرة التعبير عن نفسه بالعربية حديثاً وكتابتاً دون الاستعانة بالعبرية. نحن شهاد على حالة احتلال وعبرنة اللسان الفلسطيني بنفس الوتيرة التي فُرنس فيها اللسان الجزائري وان لم يكن اسرع. طبعاً هنالك تفاوت بين منطقة وأخرى. حالة تطول النفس والمجتمع الى حد الانفصام والغربة وافضل من يسلط الضوء على فهمها فرانز فانون في كتابه الرائع "بشرة سوداء واقنعة بيضاء."
يفكك فانون المرحلة الكولونيالية من خلال مفهوم الاغتراب الذي "يرتبط بشعور الإنسان بالانفصال والغربة عن واقعه وذاته. يشعر إنه لا يستطيع التحكم في مصيره ولا يملك القوة لمواجهة الكيانات الأخرى التي تحكم هذا المصير. الأمر الذي يقود المغترب هذا الى الشعور بعدم وجود قاسم مشترك بينه وبين مجتمعه ولا معنى لحياته فيه." واقع يقوده الى تقمص شخصية مُستعمِره متوهماً انه يشبها وتشبه. غير ان الأخطر في مظاهر الاغتراب هو ضعف لغة الأم (احتلال اللسان) وتماثل المُستعمَر تدريجياً مع لغة مُستعمِره حديثاً وافكاراً تصورا منه انه يرتقي لمستوى خصوصية حاكمه اذا ما تحكم بلغته. وعليه فأن اللغة في هذا السياق ,بحسب فانون, تصنع عقدة النقص والدونية لأنها مفروضة كمفتاح نجاح. وابعد يؤدي "الخضوع الكولنيالي" هنا الى انفصام في الشخصية الاجتماعية والفردية فالمُستعمَر (المحكوم) لديه وجهان في تعامله ومسلكيته. الأول مع محيطة المجتمعي والثاني مع مجتمع ومؤسسات الاستعمار. نظرة متفحصة لواقع عرب ال 48 تجد ان هنالك من اندمج ,من بين غير المسيسين, في دورة العمل والحياة اليومية الإسرائيلية ويعاني من الدونية في محيط خضوعه الكولونيالي . بالمقابل يتنافخ كبرياء مع عودته الى مجتمعه كتعويض عن مهانة الشعور والدونية وان انكر هذا الانفصام وحاول الهروب منه وتمويهه تحت راية الحيادية المهنية. ظاهرة الدونية هذه تمتد ابعد الى الكل المجتمعي في لقائه مع مجتمع الشعب السيد اليهود كجماعة وافراد. التعويض المرضي هنا يعبر عن نفسه بحالة انتفاخ وتعالي موزعة مناطقية , حمائلية وطائفية بين بعضهم البعض وبين باقي شعبهم الفلسطيني من الضفة وغزة تحت مسميات ضفاوي وغزاوي كتجلي تراجيدي لحالة الانفصام والخضوع الكولونيالي والتي نطلق عليها وجوه فلسطينية اقنعة إسرائيلية.
وانصاف للتاريخ فقد تحدث ابن خلدون عن ذلك بقوله:
"المغلوب مولعُ ابداً بالاقتداء بالغلب في شعاره وزيه ونِحلته وسائر احواله وعوائده.. والسبب في ذلك أن النفس ابداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت اليه." نظرية ساقها مالك بن نبي في حلتها المعاصرة تحت عنوان "القابلية للاستعمار".
في هذا السياق واستكمالاً لذلك ولعملية الهدم التي أدى اليها التحديث القسري في ضل الخضوع الكولنيالي و"قابلية الاستعمار" استغلت إسرائيل المبنى الاجتماعي التقليدي وغلبة الولاءات القبلية , الحمائلية, الطائفية والمذهبية على الولاء الوطني في ضل غياب الوطن نفسه, لتعزيز سيطرتها من خلال تعميم الحالة وتوسيعها بخلق مشيخات ومخترة جديدة. لكن الأخطر على الاطلاق هو توصية أذرعة الامن الإسرائيلية بأجراء انتخابات للسلطات العربية المحلية واستغلال غطاء الديمقراطية هذا لتغذية هذه النعرات وفق قاعدة "عد رجالك ورد المي" وحكم الحمولة والقبيلة للقرية والمدينة. وان لبست قناع الأحزاب والحركات والقوائم العصرية لتصل الى سدة الحكم . هكذا اوجدت إسرائيل حالة استدامة وتكرار التفتيت كل خمسة سنوات نعم كل دورة انتخابات للسلطات المحلية.
واذا كان هذا لا يكفي فأن هدم إسرائيل مقومات الاقتصاد العربي وربطه بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي كايدي عاملة على الأغلب خلق واقع افقر المدن والبلدات والقرى في إسرائيل. نعم واقع العوز والفقر هذا ,مع كل العوامل التي ذكرت أعلاه, كان دفيئة تفاعل الازمة التي نمت تحت اعين أهلها الى أن انفجرت في طورها الأول كفلتان أخلاقي شكل تهديدا للفرد , للمجموعة والمجموعات. هنا تعمدت الدولة عدم ضبطه طالما يعمق الهدم والتآكل الذاتي ويدفع بالجميع الى حضنها اكثر واكثر لحمايته. ولكل حماية ثمن ليس اخرها استنجاد النائب منصور عباس برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لانقاذ العرب من نفسهم وذاك الانسان الابسط منه عرض خدماته الإخبارية على أجهزة الأمن مقابل تسليحه لحماية نفسه وأهله.
هكذا اصبح الجلاد المُستعمِر ملاذ الضحية المُستعمَرة والمتحكم في سيرورة تطوير اللاتطور في سياق عزل النخب وشريحة الوسط وتحيدها وتعميق مراوحة العامة في المكان الذي حصلت فيه كارثة النكبة مع فارق كانت نخب الحداثة قبل النكبة ,على قلتها , تحاول بانخراطها في صفوف العامة تأهيل تربة اجتماعية لزرع بذورها وقادت وقاتلت واستشهدت في حضن أهلها وحينما حصلت النكبة كانت باثنتين الأولى ضياع الأرض والوطن والثانية انهيار المجتمع ومعه سيرورة حداثته.
كارثة أوسلو وتجزئتها للشعب الفلسطيني استكملت المهمة وكما استبطن الاستعمار الصهيوني نخب عرب ال 48 وعزلها عن التأثير في العامة خاصة بعد أوسلو فعلها مع عرب الضفة الغربية بتصفية النخب القيادية بالاغتيالات والسجن والدمج الانتقائي الوظيفي عبر السلطة الفلسطينية وهو يتقدم بثبات نحو الهدف. وما ظاهرة استفحال المناطقية والردة العشائرية والقبلية والطائفية في الضفة الغربية الا مقدمة لمأسستها ديمقراطياً في نظام المجالس المحلية ودولة إسرائيل الكبرى بين النهر والبحر.
واذا كان الاستعمار الصهيوني كدولة, ورافده المال الأجنبي واليهودي كجمعيات, قد استهدف الشعب الفلسطيني في عموده الفقري النخب وشريحة الوسط أساس حراك المجتمعات والتغيير في التاريخ, فعلى هذه النخب وقيادات التغيير ادراك هذا الاستهداف. وحقيقة أخرى يجب فهمها وصول عدد اليهود الإسرائيليين في الضفة عام 2025 الى 750,000 نسمة موزعين في ثكنات سكنية ذات طابع عسكري مقطعة للتواصل العربي جغرافياً. وعليه لن تكون دولتين ولا دولة واحدة فيدرالية او دولتين في وطن لأن الاستعمار الصهيوني لن يقبل بذلك. ستكون إسرائيل الواحدة دولة الفصل العنصري وديمقراطية الشعب السيد بين النهر والبحر.
الرد المطلوب هو اخذ شريحة الوسط والنخب في فلسطين التاريخية وخارجها دورها التاريخي كعضو وحليف فاعل ومحرك لشعبها وللشعوب العربية من خلال التحالف مع النخب العربية القيادية المطالبة بالتحرر من الأنظمة المستبدة بما فيها سلطة أوسلو كجزء من النظام العربي الرسمي وصنيعته. من هذا الموقع التشبيك عالمياً مع قوى الديمقراطية والعدالة والمساواة ومنها اليهودية ايضاً في إسرائيل. هذا اذا اقتنعنا ان لا سلام ولا مساواة او عدالة مع الصهيونية الاحلالية. وكذلك استوعبنا ان فلسطنة القضية كانت مصيدة قادة لكارثة أوسلو وسلطة التبعية لإسرائيل التي شرعنة تتبيع النظام العربي الرسمي لإسرائيل ومعه اغتصاب فلسطين. نعم مهمة التحرر من النظام العربي التابع ومعه سلطة اوسلوا غدت واحدة. هنا ساحة المعركة وليس سياسات الهروب الى الأمام كالمستجير من النار بالرمضاء. فالقاتل نحن ومنا بعد ما أوغل الاستعمار في ذبحنا وتشوهينا بتثبيت اللاتطور كسيرورة اجتماعية هجينية تعيد اجترار نفسها بآلية تأكل ذاتي اجتماعي عامودي يفتت المفتت وافقي يعمق الفلتان والفوضى والقتل وقد تصل الى اشكال من الحرب الأهلية. وما اغتيال وقتل 111 ضحية هذا العام 2020 الا مقدمة للقادم الابشع. إسرائيل وشرطتها وميزانياتها لن تحمي عرب ال 48 اذا لم يحموا نفسهم منها ومعهم كل الشعب الفلسطيني والعربي كتف على كتف.

1
Samy
04.01.2021 - 08:26 

ما اشبه اليوم بالبارحة، لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم صدق الله العظيم...