أحدث الأخبار
الثلاثاء 08 تشرين أول/أكتوبر 2024
المؤرخ رشيد الخالدي: القضية الفلسطينية وليدة حروب استعمارية دولية شاركت فيها بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي!!
بقلم : وديع عواودة ... 19.10.2020

يؤكد المؤرخ الفلسطيني البروفيسور وليد الخالدي أن كتابه الجديد الصادر بالإنكليزية بعنوان “حرب المائة عام على فلسطين” موجه بالأساس للقراء الغربيين، وفكرته الأساسية أن الحرب لم تكن في فلسطين بل عليها، وهي حرب دولية شنت على شعبها وبالتأكيد ليست بين قوميتين وبين شعبين.
جاء ذلك في ندوة بواسطة تطبيق “زووم” نظمها “ملتقى فلسطين”، وهو محفل لمثقفين فلسطينيين من كل العالم، تأسس قبل نحو ثلاث سنوات ويهدف لمراجعة نقدية للتجربة الفلسطينية وطرح أفكار لحماية وحدانية الشعب والوطن والأرض في فلسطين في ظل تردي القضية الفلسطينية والأزمة الملازمة لها.
وقدم البروفيسور رشيد الخالدي استعراضا مقتضبا لكتابه الموجه بالأساس للقراء الغربيين الذين لديهم مفهوم خاطئ للصراع وكأنه بين قوميتين أو شعبين على قدم المساواة، أو في تحليل أسوأ وهو كأن الصهيونية ضحية مهددة بالإبادة محاطة بالعرب والمسلمين، لافتا لكونها نظرية خاطئة ناجمة عن دعاية صهيونية.
وتابع الخالدي الذي يترجم كتابه الآن للعربية وسيصدر قريبا في بيروت “طبعا هناك شعب إسرائيل تم خلقه ولكن في الأساس هو صراع استعماري استيطاني شاركت فيه دول عظمى، وهذا إطار جديد لفهم الصراع. هذه ليست حرب في فلسطين بل على فلسطين وهي حرب عالمية وبالأساس نظم لها وخطّط لها وبرّرها أعتى القوى العالمية بريطانيا (وعد بلفور) ثم الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا”.
متقاطعا بذلك مع زميله المؤرخ الدكتور عادل مناع الذي ألقى الضوء هو الآخر على دور الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لا بريطانيا فقط في قيام إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، في كتابه الأخير “نكبة وبقاء” .
وينبه الخالدي الى أن “هذا التحليل بالنسبة للعرب ليس جديدا إنما هو موجه للغربيين في محاولة أن أهزّهم قليلا”.
ومن خلال الحوار الذي أجراه معه الدكتور خالد الحروب بمبادرة “ملتقى فلسطين” أكد رشيد الخالدي أن الجمهور الأساسي للكتاب الذي صدر مؤخرا باللغة الإنكليزية، هو القارئ الأجنبي من أجل التأثير عليه، لأنه يحمل تصورا خاطئا بأن الصراع هو بين حركتين قوميتين متساويتين، حتى أن بعض الأجانب يعتقدون بأن الصهاينة مساكين ومظلومون. ومن هنا يستنتج بأنه ينبغي مواجهة هذه التصورات والتأكيد على أن الصراع هو استعماري استيطاني على هذه البلاد وسكانها، وهي حرب على فلسطين لعبت وما زالت تلعب القوى العالمية الكبرى دورا مهما بها من خلال مساندة الحركة الصهيونية، مؤكدا على الدور الفاعل والمشاركة الجوهرية لهذه القوى في هذه الحرب.
*ست حروب على الأقل
وقسّم الخالدي هذا القرن الى ست حروب، لكل منها إطار دولي، مشددا على أن الصهيونية شنت الحرب على الفلسطينيين لكن الأسلحة أوروبية وغربية، معتبرا الحرب “وعد بلفور”وفرض صك الانتداب لتطبيقه واستخدام قوة ليست للعصابات الصهيونية إعلان الحرب الأولى على الشعب الفلسطيني.
وتابع “فمن قمع ثورة 1936؟ هي دبابات وطائرات بريطانيا وشاركت هيئة الأمم المتحدة بهذه الحرب. أما الحرب الثانية فهي “حرب التقسيم والنكبة عام 1948 مشددا على أنه قرار أمريكي سوفييتي وهذا إعلان حرب على الشعب الفلسطيني من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من خلال قرار يقسم فلسطين إلى دولة يهودية كبيرة وعربية صغيرة ولاحقا مهدوا للنكبة وسمحوا للصهيونية بشن الهجمات وطرد الأغلبية الساحقة من دياره.
*الحرب الثالثة
والحرب الثالثة هي حرب 1967 ، وهذه حرب دولية لا إسرائيلية على العرب، فالولايات المتحدة منحت إسرائيل ضوءا أخضر قبيل يونيو/ حزيران وقد طار رئيس الموساد عميت إلى واشنطن حيث التقى بالرئيس ليندن جونسون. وقد وجدت مثلا أن هناك تصورا شائعا وكأن إسرائيل كانت على وشك الانقراض وهذا كلام فارغ، فالمخابرات الأمريكية كانت تعلم تماما أن في مقدور إسرائيل التغلب على العرب بصرف النظر عمن سيبادر لها ولا بد من طرح الصورة الحقيقية لما جرى فنحن نعلم أنها حرب أمريكية – إسرائيلية على العرب، لكن القراء الغربيين لا يعلمون أن الغرب كان على علم بأن إسرائيل قادرة على سحق جيوش العرب، وأنه لم يكن هناك خطر إبادة ولا يحزنون”.
*الحرب الرابعة
ويعتبر أن اجتياح لبنان عام 1982 حرب رابعة، وهي برأيه حرب بضوء أخضر من الولايات المتحدة حيث طار وزير الأمن الإسرائيلي أرئيل شارون وقتها في مايو/ أيار 1982 وعرض على وزير الخارجية الأمريكي هيغ كل أهداف الحرب : طرد منظمة التحرير وسحق الحركة الوطنية اللبنانية وسحق الجيش السوري في لبنان وفرض حكومة لبنانية تحت وصاية إسرائيلية في قصر بعبدا.
ويضيف مدللا على الدعم الأمريكي المطلق “وافق هيغ على ذلك شرط توفير تبرير وبعد أسابيع جرت محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن أرغوف واستغلت إسرائيل ذلك لـشن الحرب.
ويتضمن الكتاب وثائق أمريكية وإسرائيلية معظمها من ملاحق سرية للجنة التحقيق الرسمية في مذابح صبرا وشاتيلا “لجنة كاهان” حصلت عليها من زميل كانت بحوزته. وهو يذكر لي كيف حصل عليها وعرضتها على خبراء في الشؤون الإسرائيلية وهي تدلل على وجود تواطؤ أمريكي ليس على الحرب بل في المجازر ” . كما تظهر التنسيق الوثيق مع الكتائب اللبنانية في الحرب والمجازر وليس فقط صبرا وشاتيلا سفكت دم لبنانيين من مختلف الطوائف. كما يتضمن الكتاب في هذا الفصل وثائق غير معروفة سلمني إياها السفير الأمريكي غيلبر قبل وفاته في بيروت وقتها”.
*الحربان الخامسة والسادسة
بعد الانتفاضة الأولى التي بدأت في 1987 وانتهت بأوسلو 1993هي برأي الخالدي إعلان حرب خامسة على الفلسطينيين. أما الحرب السادسة فقد بدأت مع شن الحملات العسكرية المتتالية على غزة.
وردا على سؤال قال الخالدي “ربما كان بالإمكان الإشارة لحروب أخرى على الشعب الفلسطيني وربما ندخل “صفقة القرن” التي ترد في الفصل الأخير من الكتاب كحرب سابعة وهي خطة كانت واضحة منذ تسلم ترامب السلطة وهو يشمل تفاصيل كثيرة.
وفي معرض رده على أسئلة أخرى أوضح الخالدي أن كتابه الجديد يتضمن تاريخ الاستيطان، والهزائم والنجاحات والمقاومة التي لا يزال الفلسطينيون يقومون بها. ويقترح مقاومة بأساليب ذكية لأن الحديث يدور عن عدو غير استثنائي وهو ليس إسرائيل فقط بل مشروع استعماري استيطاني يعتمد على الخارج أيضا، وعلى داعمين قدامى منذ البداية والولايات المتحدة هي مركز هذا الدعم بعدما كانت بريطانيا.
ويضيف “لذلك ينبغي اعتبار الولايات المتحدة ساحة للنضال”. وتابع “للأسف لم تعط القيادة الفلسطينية أهمية للعمل الدبلوماسي الدعائي الخارجي بعكس ما قامت به الصهيونية ولا تزال، فالمليارات الواردة لإسرائيل تتجاوز الثلاثة مليارات دولار سنويا من الحكومة الأمريكية وعلى الفلسطينيين التحرك في أوروبا ومناطق أخرى في العالم” .
*القرن المقبل
وردا على سؤال عن القرن المقبل قال إنه مؤرخ “وينظر للخلف وللراهن بالأساس في أبحاثه. وتابع مع ذلك “لدينا بعض الانتصارات كثورة 1936 والانتفاضة الأولى والحملة الدبلوماسية في الستينيات والسبعينات وكانت انتصار هائل مقارنة مع صوت الفلسطينيين الضعيف والغائب في فترة الانتداب. وعلينا أن نتعلم من انتصاراتنا ونتعلم من هزائمنا أيضا ونبني عليها” .
ويرى المؤرخ الخالدي في حديثه في الندوة أن “الحل ينبغي أن يقوم على المساواة والعدالة في الحقوق الفردية والجماعية، وهذا هو الاتجاه العام للحل المطروح في الفصل الأخير من الكتاب. بصرف النظر عن دولة أو دولتين فشكل الحل ليس مهما والأهم هو إرساؤه على قيم العدالة والمساواة التامة بالحقوق القومية والمدنية. هذا ينبغي أن يكون طرحنا للعالم وللإسرائيليين الذين ينبغي أن نوصل لهم رسالة واضحة: لن ترتاحوا هنا دون مساواة وعدالة، وحتى نتجاوز الفترة الراهنة السيئة علينا أن نقوم بذلك”.
كما يشير لتغييرات هائلة في الولايات المتحدة، وينبه الى أن هذا التغيير لا ينعكس في الصحف ولكن ما يحدث في الجامعات واليهود الشباب والكنائس هم مصدر أمل لقضيتنا لأن إسرائيل لا يمكن أن تبقى دون الدعم الخارجي: “سلاح وأموال ودعم دبلوماسي وفيتو دائم في الأمم المتحدة فإن رغبنا أن ننتصر علينا التقدم وهذا الوعي لم يكن موجودا لدى القيادات الفلسطينية حتى اليوم. نحن متجهون نحو حل دولة واحدة ولكن هذا لم يبدأ ولم نفكر بعد كيف نتعاش معهم وكيف نفرض موازين القوى. من يطرحون دولة واحدة هم على حق ولكن هناك 20 ألف خطوة بيننا وبين هذا الحل منها تفكيك المبنى الاستعماري”. متسائلا بالقول إن” الشعب الفلسطيني يتجه إلى حل الدولة الواحدة ولكن كيف نصله؟”. وأضاف “هناك دعم عالمي لـ “الدولتين” وللأسف العالم يعترف بـ إسرائيل كدولة يهودية ونحن بحاجة لتفكير معمق كي نتخطى العقبات في طريق حل الدولة الواحدة التي أؤيدها أنا شخصيا”.
*الرواية ساحة حرب
وردا على سؤال حول حضور سردية فلسطينية في العالم بين الموجود والمنشود، اعتبر المؤرخ رشيد الخالدي أن الرواية الفلسطينية أقوى من الرواية الصهيونية في محافل معينة خاصة الجامعات الأمريكية، بفضل وجود كتب كثيرة في هذا المجال لكن المشكلة أن الكثير من الكتاب هم يهود أو أجانب، والسؤال أين المؤرخون والباحثون الاجتماعيون الفلسطينيون للمشاركة في حماية الرواية الفلسطينية وهي ساحة حرب مهمة جدا لنا.
ونبه إلى حيوية مؤسسة الدراسات الفلسطينية على سبيل المثال من هذه الناحية، وقال إنها تحتاج لدعم مثلما أن هناك حاجة لدعم المحاضرين والطلاب المناصرين لنا في العالم. وتابع “من ليس له قدرة على الكتابة فليدعم. تقدمنا كثيرا في الغرب من ناحية الرواية، فحتى كلمة فلسطين لم يكن بمقدورنا لفظها أيام دراستنا الجامعية ولكن اليوم يسمح بتوجيه انتقادات واسعة للصهيونية في الولايات المتحدة، وهناك شباب يهود كثيرون يتبنون هذه الموقف. هناك يقظة لدى الشباب في الولايات المتحدة بالنسبة للقضية الفلسطينية ورغم كثرة اليهود واللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة وهنا ما يمكن أن نبني على هذه التحولات والحملات: هذا دليل على قدرتنا على العمل، فالمؤيدون اليهود لنا أكبر من نظرائهم العرب هنا. نحن نتقدم من ناحية الرواية.
وفي هذا السياق تساءل الخالدي لماذا هناك وزارة إسرائيلية للشتات وللشؤون الاستراتيجية مهمتها محاربة حملة المقاطعة في العالم التي تعتبرها إسرائيل خطرا استراتيجيا وبحق؟ مشددا على أن محاربة التطبيع مهمة، ولكن يجب امتلاك خطة استراتيجية لمحاربة تشويه رواية فلسطين كما فعل بندر بن سلطان .. للرد السريع على بن سلطان وأعوانه.
وضمن رؤيته النقدية يؤكد الخالدي أنه لا توجد هناك دبلوماسية فلسطينية منهجية فعالة حقيقية تخاطب العرب أيضا رغم أن الدعاية الصهيونية تسللت للخليج، داعيا للاهتمام بذلك حفاظا على تكافل الشعوب العربية في الخليج مع فلسطين.
*مراسلات مع هرتزل
يشار الى أن الخالدي اعتمد في كتابه الجديد على مصادر ومراجع ومستندات ووثائق جديدة ضُمنت في الحواشي، من أجل تثبيت وترسيخ الرواية الفلسطينية.
ويوضح أنه اعتمد في تأليف كتابه الجديد كثيرا على مذكرات الدكتور يوسف الصايغ ومذكرات عيسى العيسى ومذكرات الدكتور عمه حسين الخالدي الذي أبعد مع آخرين لجزيرة سيشيل، وهو كتاب يتضمن صورا تاريخية كثيرة يتقاطع فيها الخاص بالعام منها صور لوالده الذي عمل في الأمم المتحدة سنوات طويلة بعضها في إذاعة تابعة لها.
في تقديمه للندوة أشار المحاضر الدكتور خالد الحروب لأهمية الكتاب من ناحية التوثيق للتاريخ الفلسطيني وإلقاء الضوء على مساهمات عائلة الخالدي منذ الجد الأول يوسف ضياء الدين باشا الخالدي كعائلات فلسطينية أخرى بالمعلومات والوثائق والصور. ويشير الكتاب في سياق الحديث عن جد العائلة يوسف ضياء الدين الخالدي لأفعاله وأقواله: منذ مراسلاته مع ثيودور هرتزل عام 1898 حيث كان وقتها نائبا في البرلمان العثماني ورئيس بلدية للقدس في الفترة العثمانية بعدما تعلم وعلمّ في فيينا وكان يعلم الكثير عن المجتمع الأوروبي وعن الصهيونية، وربما كان يعرف هرتزل أو يعرف الكثير عنه.
ويقول إنه “بعد مؤتمر بازل في سويسرا بعث يوسف ضياء الدين الخالدي رسالة لهرتزل قال له: نحن أولاد عم وندرك اللاسامية واضطهاد اليهود في أوروبا وأنا أعرف مخطط الوطن القومي لليهود، ولكن فلسطين ليست بلدا خالية ولا يمكن إخلاؤه فاتركوها بربكم. الرسالة بالفرنسية يرد عليها هرتزل، وفي إجابته قدم كلاما فارغا “لا خوف عليكم وستربحون من وجودنا في فلسطين”، وهذه مزاعم تقليدية يسوقها كل استعماري. أما والده (اسماعيل الخالدي) فعمل في الأمم المتحدة منذ سنوات الأربعينايت حتى سنة 1968.
وأشار الخالدي الى دور عمه حسين الخالدي والرسالة التي أرسلها للأمير عبد الله ويؤكد فيها رفض الفلسطينيين للوصاية وغضب أمير شرق الأردن وتوقعه بأن يلقى الفلسطينيون مصيرا بائسا بسبب رفض وصايته.
*صور تاريخية
كما يتضمن الكتاب إدخال صور ومعلومات شخصية عن أفراد آخرين من عائلته والأدوار التي ساهمت بها في الدفاع عن القضية الفلسطينية، منها صورة نادرة لبيت جده في تل الريش نواحي يافا، وهو بيت مهجور اليوم.
ويتضمن عدة صور لرشيد الخالدي نفسه الذي عمل مستشارا لمنظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات مؤتمر مدريد ومساهمته مع زوجته في إقامة القسم الإنكليزي لوكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”.
ويقدم الكتاب رؤية نقدية لاتفاق أوسلو ويعتبره أسوأ اتفاق وقعه الفلسطينيون في تاريخهم، لا سيما أنهم لم يعدوا له ولم يشركوا طاقما مهنيا خبيرا، موضحا أن الجانب الإسرائيلي وضع خطوطا حمراء مسبقا منها رفضه ان تكون سيادة او ولاية أو سيطرة أو دولة فلسطينية عمليا.
على غرار المفكّر الراحل إدوارد سعيد ومثقفين وخبراء فلسطينيين آخرين وجه الخالدي النقد للقيادة الفلسطينية التي فاوضت في اوسلو دون الاستعانة بخبراء ومختصين، وجلبت أسوأ الاتفاقيات في تاريخ الشعب الفلسطيني.

*المصدر : القدس العربي
1