قد يبدو العنوان للوهلة الأولى سطحيا أو مبهما، لكن قضية الشاعر الفلسطيني السعودي المولد، أشرف فياض، تكشف أن الدولة بمقدورها أن تكون „داعشية“ وتصدر أحكاما انتقامية تعسفية لا مبرر لها مهما كانت الجريمة أو الخطيئة، كما تكشف جانبا مهما في قصور فهم مصطلح المواطنة في بلاد العرب عموما والخليج تحديدا، وما إلى ذلك من انعدام حرية التعبير أو الكلام حتى، لكن القضية لا تتعلق بقضية حرية الرأي والإبداع فقط لأن مراجعتها تظهر أنها محاولة انتقامية بسبب خلاف شخصي.
وحسب رواية والد أشرف، فإن الحكم بالإعدام على الشاعر والفنان التشكيلي جاء بعد سجنه تعسفيا لعام ونصف في السجون السعودية. والبداية تعود إلى نقاش تحول إلى تلاسن كلامي على ما يبدو بين فياض وصديق سعودي له خلال جلوسهما في مقهى ومتابعة مباراة كرة قدم أوروبية، وسرعان ما هدد السعودي صديقه الفلسطيني بطرده من السعودية وإعادته إلى غزة، وهو (أشرف) سعودي الموطن ولا يفترض أنه يكون وجوده في بلد عربي منة أو حسنة من أحد.
ولم يكتف „الصديق“ بالتهديد، بل استدعى عناصر هيئة „الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“ الذين اعتقلوا أشرف بذريعة „إطالة شَعر الرأس“، ليطلق سراحه ويتم اعتقاله مجددا ولكن تحت ذريعة „تطاول شِعره على الذات الإلهية“، في إشارة إلى ديوانه „التعليمات بالداخل“ الذي صدر قبل ذلك بسنين (2008)، أي أنه جرى بكل سهولة استبدال التهمة من شَعر إلى شِعر، وهي حجج واهية اختلقت بدافع الانتقام.
تكشف إذن قضية أشرف فياض سلوكا داعشيا من قبل هيئة متنفذة تحلل ما تشاء وتحرم ما تشاء، ومن شبه المؤكد أن هذه الهيئة لم تقرأ شعر فياض وما كانت لتفهمه على الأغلب، لأن عالمها ومفاهيمها مأخوذة من عالم ما قبل ألفين سنة. ولو فرضا اطلعت الهيئة على شعر فياض، هل تستدعي كلمة أو فكرة حكما بالإعدام؟ ألم تنتبه الهيئة إلى تسميتها، وهي „الأمر بالمعروف“ والتي تعني الإرشاد لما يستحسن من الأفعال و“النهي“ وليس القتل.
ليس فياض أول كاتب يحكم عليه بحكم قاس في السعودية، فسبقه حكم بالسجن عشر سنوات والجلد ألف جلدة (50 جلدة أسبوعيا) على المدون السعودي رائف بدوي بتهم لا تستحق الذكر. وهذه على ما يبدو غيض من فيض الأحكام القاسية التي لا نسمع بها ولا ينشرها الإعلام، ولكنها تبقى ممارسات قرومتوسطية لا تمت بالتحضر بشيء، ولا علاقة لها بالدين أو الشريعة أو التراث.
ويبدو أن المملكة لم تسارع إلى تنفيذ الحكم ضد بدوي بشكل كامل بسبب الانتقادات الغربية. لكن الجلي في قضية فياض أن الدافع لم يكن سياسيا خلافا لقضية بدوي بل هو حكم بالإعدام استنادا إلى تلفيق تهم باطلة بشكل انتقامي على خلفية خلافات شخصية مصطنعة.
لا يمكن وصف هذا السلوك وهذه الأحكام إلا بـ“الداعشية“، فلا يعقل جلد مدون في القرن الواحد والعشرين بسبب „ليبراليته“ أو الحكم بالإعدام على مواطن بسبب نقاش مع صديق أو بسبب منظره الخارجي او تسريحة شعره ومن ثم تلفيق تمهة الإلحاد ضده.
إزاء هذا الواقع الدموي في إحدى أهم الدولة العربية سياسيا ومكانتها الدينية الأهم كونها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشرفين، هل لنا أن نستغرب من فظاعة ودموية التنظيمات الإرهابية في بلادنا التي تحمل تارة اسم داعش وتارة أخرى اسم القاعدة أو النصرة، وهي نشأت في هذه الأجواء ولن تكون إلا على شاكلتها وأقسى.
ليست „الداعشية“ النظامية حصرا على السعودية بل التاريخ السياسي العربي الحديث والقديم مليء بأحكام وممارسات دموية رسمية باسم تطبيق القانون وإقامة الدين والحفاظ على وحدة البلاد. وهل القذافي أو زين العابدين بن علي أقل دموية؟ لكن أولئك على دمويتهم ليسوا على أهمية مثل السعودية، فهي تعتبر مرجعية دينية.
ليست قضية أشرف فياض في النهاية قضية حرية فكرية فحسب كما تبيّن، بل قضية تلفيق تهمة باطلة بعدما لم تجد الهيئة ذاتها ضده أي تهمة فلاحقته من باب كتاباته التي لا ندري كم من السعوديين اطلعوا عليها حقا لتشكل خطرا على „الذات الإلهية“ وعلى معنويات المملكة. المطلوب إذن هو إطلاق سراحه على الفور وتحقيق العدالة، لأن أشرف حوكم بناء على شهادة زور، وشهادة الزور من أعظم الكبائر!
إعدام أشرف فياض... وجه آخر لـ"الداعشية"!!
بقلم : رامي منصور ... 23.11.2015
المصدر :عرب48