أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
العيد موسم هجرة السودانيين من الخرطوم!!
بقلم : الديار ... 30.08.2017

يكشف خلو معظم العواصم العربية من السكان خلال عطلة عيد الأضحى عن ظاهرة استفحال النزوح من الريف الى المدن الكبرى، وإهمال الحكومات للأرياف والمدن الصغيرة التي تستفحل فيها البطالة فيجد شبابها أنفسهم مجبورين على مغادرتها بعد أن يطردهم شبح البطالة من مسقط الرأس، الخرطوم واحدة من العواصم التي يهجرها ثلث سكانها لأيام معدودات في العيد.
الخرطوم – مع حلول موسم العيد كل عام، يغادر العاصمة السودانية الخرطوم ثلثا سكانها البالغ عددهم نحو 7.5 مليون نسمة ما يعادل 17 بالمئة من عدد السكان، ويبدأ أبناء المحافظات الأخرى العودة لمسقط رؤوسهم لقضاء الإجازة مع ذويهم، والاستمتاع بدفء الأسرة.
ويتزايد النزوح والهجرة من الأرياف إلى الخرطوم بنسبة كبيرة، وأشارت مؤسسات حكومية في السودان إلى أن أكثر من مئة أسرة تصل العاصمة بشكل شبه يومي.
ويستغل المقيمون في العاصمة فترة العطلة للتمتع بجمال المدينة، والتنزه في شوارعها الخالية من الزحام والضوضاء.
ومع خلوّ العاصمة من الازدحام في موسم الأعياد، تسنح الفرصة لكثير من سكان العاصمة للتجوال في الشوارع التي عادة ما تكون مكتظة، ومنهم الطالب الطاهر عثمان، الذي يقطن حي “المنشية”، أرقى أحياء الخرطوم، فيستقلون سياراتهم للتنزّه دون ازدحام أو ضوضاء.
يقول الطاهر، “سأنتهز فرصة عطلة العيد للاستمتاع بالشوارع الخالية، وقضاء إجازتي مع الأصدقاء، والخروج إلى الحدائق، واللهو في شارع النيل، قبل عودة مواطني المحافظات مجددا”.
أما العامل، مصعب يوسف، الذي أجبرته ظروف العمل على الإقامة بالعاصمة، فسيغادرها فورا عقب ادخار مبلغ محدد من المال لقضاء عطلة العيد مع ذويه بمحافظة النيل الأبيض (جنوب).
وقال مصعب، “رغم تدهور مستوى العيش في الريف، وظروفه الاقتصادية القاسية، لا أحبذ المدينة وضوضاءها، وسأعود إلى قريتي يوما ما”.
ويدفع الفقر المدقع في الريف، فضلا عن النزاعات والحروب المئات من الآلاف إلى الهجرة للخرطوم بحثًا عن لقمة العيش، وملاذ آمن.
وما إن تنتهي فترة العطلة، حتى تبدأ من جديد العودة العكسية للمواطنين من المحافظات المختلفة، وسرعان ما تكتظ العاصمة من جديد، وتزدحم طرقاتها ومواقف مواصلاتها. ويبلغ عدد سكان السودان نحو 38.5 مليون نسمة، حسب آخر إحصائية لمكتب الإحصاء السوداني في 2015.
ويعاني المسافرون من أزمة مواصلات في إجازة العيد حتى أنهم يضطرون إلى الركوب فوق الحافلات، وقد قرر مسؤولو النقل في العاصمة توفير ما يزيد عن ألفي حافلة هذه السنة من الخرطوم إلى المحافظات الأخرى.
ومؤخرا تمددت الخرطوم، شمالا وجنوبا، حول ضفتي النيلين الأزرق والأبيض، وحول مجرى نهر النيل الرئيسي بعد ملتقى النيلين، إلى ما يزيد عن 60 كلم.
„نسبة البطالة تبلغ في السودان نحو 20 بالمئة من عدد سكان السودان، من أصل قوة عمل تقدر بـ11 مليون شخص، حسب إحصائيات رسمية“
وسبق أن حذًّر مجلس تشريع مخافظة الخرطوم، من الازدياد المطرد في معدل الهجرة من الأرياف السودانية إلى الخرطوم.
ولجأت نسبة كبيرة من سكان محافظات السودان المختلفة، إلى الخرطوم، طلبًا للرزق، في ظل الفقر المدقع، والظروف الاقتصادية الضاغطة، وتدهور الريف، والمشاريع الزراعية، وانتشار مُعدل البطالة وسط فئة الشباب.
وتقارب نسبة الفقر في السودان 50 بالمئة، وفقا لإحصائيات رسمية، بينما تقول المعارضة، إن الرقم أكبر من ذلك بكثير وتقدّره بنحو 90 بالمئة، بناء على معايير الأمم المتحدة. من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي عصام بوب، المحاضر بجامعة “النيلين” (حكومية)، أن “العيد يأتي في ظل ظروف اقتصادية قاسية وبالغة التعقيد، وتنعكس على كل فرد من أفراد الشعب السوداني”.
وقال بوب، “رغم الحديث المكثف عن وجود حالات فقر كثيرة في المدن الحضرية، لكن الفقر المدقع موجود بشكل كبير في ريف السودان، ما أدَّى إلى الهجرة صوب المدن”. وتدهور الريف السوداني في الآونة الأخيرة، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كلي، بسبب فقدان العائدات النفطية.
وتبلغ نسبة البطالة في السودان نحو 20 بالمئة من عدد سكان السودان، من أصل قوة عمل تقدر بـ11 مليون شخص، حسب إحصائيات رسمية.
كما أن الحرب في إقليم دارفور (غرب)، ومحافظتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، ترتبت عنها أيضًا أوضاع إنسانية بالغة التعقيد، دفعت الآلاف من السكان إلى التوجه نحو العاصمة الخرطوم.
ويشهد إقليم دارفور، غربي السودان، المتاخم لتشاد، نزاعًا مسلحًا بين الجيش السوداني و3 حركات متمردة، منذ 2003، خلَّف 300 ألف قتيل، وشرَّد نحو 2.7 مليون شخص، الآلاف منهم لجأوا إلى تشاد، حسب إحصائيات أممية.
كما تشهد محافظتا جنوب كردفان والنيل الأزرق، المتاخمتان لدولة جنوب السودان، نزاعًا مسلحًا أيضًا، بين الحكومة و”الحركة الشعبية/ قطاع الشمال” منذ 2011، الأمر الذي تضرر منه نحو 1.2 مليون شخص وفقاً لإحصائيات أممية.
وتكمن الحلول الجذرية لعلاج أزمة الهجرة من المحافظات للعاصمة والأماكن الحضرية، وفقًا لرأي خبراء، في نقل المدينة إلى الريف، والتمييز الإيجابي للفئات الأكثر تهميشًا، والاجتهاد في تركيز مشاريع الصناعات الثقيلة في الأصقاع البعيدة، لكي تُسهم في تقليص نسبة البطالة، وتطوير البنيات الريفية، وتثقيف المجتمعات المحلية.

1