صورة الشخص المسمى في إيران طفل الشوارع أصبحت في هذا البلد مركز الأزمات والمشاكل كالدعارة ومدن الصفيح والإدمان والعنف.
طهران - أكد نائب وزير الصحة الإيراني، إرج حريرجي، أنَّ المخدرات تتسبب في مقتل 8 مواطنين في البلاد يوميا. وقال، في مؤتمر صحافي إنّ 65 بالمئة من متعاطي المخدرات عن طريق الحقن مصابون بمرض نقص المناعة المكتسبة (إيدز)، و50 بالمئة من المدمنين على المواد المخدرة مصابون بمرض التهاب الكبد. وأوضح الوزير الإيراني أنَّ المخدرات رابع مسبب لوفاة الإيرانيين.
وأشار حريرجي إلى أنَّ 50 بالمئة من المحبوسين في البلاد محكومون بقضايا تتعلق بتعاطي المخدرات أو الاتجار بها، وأنّ 26.5 بالمئة من أسباب الطلاق سببها الإدمان على المخدرات والمشروبات الكحولية، التي يصنع 80 بالمئة منها محليا. ونتيجة لإدمان الأمهات يولد عدد كبير من الأطفال “المدمنين”.
ووفقا لصحيفة “آرمان” المحسوبة على التيار الإصلاحي يقدر عدد الأطفال الذين يولدون “مدمنين” بسبب تعاطي أمهاتهم المخدرات بحوالي 100 طفل في السنة، يتم وضع بعضهم تحت العلاج في منظمة الرعاية الصحية، وهؤلاء يكونون معروفي النسب والعائلة.
لكن الأمر مختلف بالنسبة للأطفال الذين تنتمي أمهاتهم لفئة “نساء الكراتين”، وهو مصطلح يطلق على الفتيات والنساء اللاتي يتخذن من الشارع مأوى لهن، واللاتي يتعرضن للاغتصاب أو ينجبن في إطار غير قانوني. ونسبة كبيرة من هؤلاء تتعاطى المخدرات. وبسبب ضعف جسدهن ووضعهن البائس كثيرا ما يلدن أطفالا غير أصحاء، يكون مصيرهم الموت، أما الذين يولدون بصحة جيدة فعدد كبير منهم يكون مصيره البيع في سوق المتاجرة بالأطفال، واستخدامهم في تجارة المخدرات والتسول.
ويقدّر مسعود حاجي رسولي، الباحث الإيراني المتخصص في الإدمان، عدد المدمنين من “نائمي الكراتين، ومن هم بلا مأوى بحوالي 15 ألف مدمن، ثلثهم نساء في العاصمة طهران وحدها”. وأغلب الأطفال الذين يولدون في الشوارع معرضون لمرض الإيدز، لأن أمهاتهم بالإضافة إلى إدمانهن، في بعض الأحيان يكنّ حاملات لفيروس الإيدز.
وهذه الأرقام التي قدمها وزير الصحة الإيراني ليست سوى جزء يسير من الأزمات والأمراض الاجتماعية التي يرزح تحت طائلها المجتمع الإيراني، والتي تحكم السلطات الإيرانية التعتيم عليها، خصوصا ما يتعلق بظاهرة أطفال الشوارع و”نائمي الكراتين”، والتي يقول عنها المحلل الإيراني ناصر اعتمادي إنها تكشف مجتمعا ترك مهملا وهو يطالب بحقه في الاعتراف والوجود.
ويضيف اعتمادي في تقرير نشرته مجلة “أصوات العالم” الفرنسية أن صورة الشخص المسمى في إيران طفل الشوارع أصبحت في هذا البلد مركز الأزمات والمشاكل كالدعارة ومدن الصفيح والإدمان والعنف.
وصرح عضو في المجلس البلدي في طهران أن أطفال الشوارع في الواقع أصبحوا عبيدا وتستخدمهم الشبكات الإجرامية في التجارة غير المشروعة وخاصة الاتجار في المخدرات. وهذا ما يعرضهم لعقوبة الإعدام في بلد يسجل أكبر عدد من المحكوم عليهم بالإعدام، ومن أحكام الإعدام للأطفال القاصرين في العالم.
وحسب بشير احساني، وهو عضو في جمعية الدفاع عن أطفال الشوارع والعمل، “العبودية والأشغال الشاقة والاستغلال الجنسي والاتجار بالمخدرات جزء من الحياة اليومية لهؤلاء الأطفال”.
وترفض السلطات الإيرانية نشر كل المعلومات أو الدراسات أو الإحصاءات في هذا الموضوع الخاص بالأطفال، وتدعي أن الأمر يتعلق في معظمه بأطفال لمواطنين أجانب (أفغان وباكستانيين حسب قولهم) اعتقادا منها بأنها وجدت مخرجا لتبرير عدم تحركها ولامبالاتها تجاه مصير أفراد أكثر ضعفا يمثلون مشكلا كبيرا في المجتمع.
وتقدر الناشطة الإيرانية، شرمين ميما نجاد، أنه “يوجد على الأقل في إيران أكثر من مليوني طفل مهمل من أطفال الشوارع”. وتقول إن عددهم الهائل “له علاقة وثيقة بانتشار مدن الصفيح غير المسبوق في البلد وحرمان 95 بالمئة من العمال من العقود ومن حماية قانون الشغل”.
وينقل ناصر اعتمادي عن مجيد أبهاري، وهو مدافع آخر عن أطفال الشوارع، أن “65 بالمئة من الجرائم في العاصمة الإيرانية ترتكب في مدن الصفيح التي يخرج منها كل الأطفال المهملين تقريبا”. وحسب تقديرات السلطات نفسها يبلغ سكان مدن الصفيح في إيران بين 11 و15 مليون شخص. وبالنسبة إلى علي رضا محجوب، العضو في اللجنة الاجتماعية في المجلس الإسلامي “تضاعف عدد هذه الفئة السكانية سبع عشرة مرة منذ صعود حكم الجمهورية الإسلامية”.
وتتكون هذه المجموعة السكانية أساسا من السكان السابقين لقرى البلاد البالغ عددهم 33 ألفا (أي قرابة 12 مليون شخص) والذين غادروا مساكنهم وقراهم بسبب الفقر ليتجمعوا حول المدن بحثا عن العمل الذي أصبح نادرا ندرة الماء في بلد يعاني من صعوبات اقتصادية بسبب سنوات متتالية من الجفاف والعقوبات الاقتصادية الدولية.
وهذه المجموعة السكانية الضخمة محرومة أيضا من كل الخدمات الصحية والطبية؛ إذ يؤكد تحقيق ناصر اعتمادي ما قاله أيضا مسعود حاجى رسولي بشأن إصابة الكثير من الأطفال بالإيدز مثلا سواء عن طريق الأمهات الحاملات للفيروس، أو عن طريق التعرض لعملية اغتصاب، أو ببساطة عن طريق نشاطهم المربح الأكثر شهرة، أي التنقيب في فضلات المستشفيات بحثا عن مواد قابلة لإعادة التدوير.
وحسب السلطات، فقط في أحياء العاصمة الإيرانية الفقيرة تلد الأمهات الفاقدات للمأوى في أغلب الأحيان واللائي يتعاطين البغاء والمخدرات في المتوسط 120 طفلا كل شهر يموت منهم الكثيرون عند الولادة نظرا لنقص العناية الصحية والغذاء.
ومن ينجو من الموت يباع ويزجّ به منذ صغره في المتاجرة بالمخدرات وبغاء الأطفال. في تقرير نشر في نوفمبر الماضي اعترفت وزارة الصحة الإيرانية بأن تطور فيروس نقص المناعة بين أطفال الشوارع أكبر بـ45 مرة مقارنة بالحالة لدى الأشخاص الكهول.
إذن ليس من الصدفة، بالرغم من الصمت المطبق من السلطات، إذا كان عدد المتعاطين للمخدرات ومرضى الإيدز في تصاعد مطرد في إيران، بينما ينخفض بالتوازي سن الدعارة والإدمان. وحسب الإحصائيات تمثل بائعات الهوى دون 30 سنة 10 بالمئة من متعاطي المخدرات في البلاد. وتقدر فرحناز سليمي، وهي مختصة نفسية في إيران، بأن عددهن في طهران يتجاوز عشرة آلاف. وتقول “أحيانا تتعاطى هذه النسوة هذا النشاط مقابل الحصول على راحة أو علبة حليب مسحوق لمواليدهن الجدد، أو مقابل مبلغ زهيد جدا من المال”.
وفضلا عن أطفال الشوارع تلقى المخدرات والدعارة رواجا في أوساط طلبة المدارس. وهو ما يعني بالنسبة إلى كوروش محمدي، رئيس جمعية البحث في الأمراض الاجتماعية في إيران، أن التربية الوطنية في هذا البلد تعبير عن فشل وكارثة عامة ترفع كل مشروعية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الملامح القاتمة للمجتمع تتضح تدريجيا في إيران !!
بقلم : الديار ... 23.08.2016