قال بعض الحكماء قديما إن المصريين “لا يوجد لديهم كتيب تعليمات كالذي يوزع مع الأجهزة الكهربائية لتوضيح كيفية فهمها والتعامل معها وتشغيلها”. هذه المقولة تطل برأسها بقوة طوال شهر رمضان من كل عام، حيث تزداد نفقات الأسر عدة أضعاف، دون أن يؤثر تذمرها من العجز المالي وارتفاع ديونها على استعداداتها الاستثنائية لاستقبال عيد الفطر المبارك.
القاهرة- الكثير من الخبراء حاولوا قراءة كتيب تعامل المصريين مع العيد وفك ألغازه، لأن حمى الشراء التي اجتاحت قطاعات متعددة لا تتناسب مع الحالة المزاجية العامة. ومن جانبها أكدت سامية الساعاتي، أستاذ علم الاجتماع لـ“العرب”، أن الناس أصابهم الإحباط واليأس من سوء الأحوال وتدهورها يوما بعد آخر وباتوا يتلمسون الفرحة أينما كانت للتخلص من التوتر الذي ظل يرافقهم طوال العام.
كما رأت أن العادات التي تربى عليها الكثيرون لاستقبال العيد باتت جزءا من طبيعة الشخصية المصرية، مهما كانت الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية التي تنتمي لها، ولن تثنيهم أي ظروف عن القيام بها. وللحفاظ على عادات استقبال العيد باتت الأسر من الطبقات المتوسطة والفقيرة تعد خطة لتوفير ميزانية العيد قبل حلوله بشهور، عبر ادخار مبلغ مالي من مصروف المنزل، أو الدخول في جمعيات (نوع من التكافل تشارك فيه مجموعة من الأشخاص بدفع أقساط شهرية يتسلمها مجتمعة واحد منهم شهريا) قبل العيد مباشرة.
لهذا لم يؤثر الصراخ والشكوى المستمرة لقطاعات متزايدة في مصر من الفقر وانخفاض الدخل على عادات المواطنين في استقبال العيد، سواء بشراء الكعك الذي بلغت بعض أنواعه مبالغ خرافية وصلت إلى 760 جنيها (86 دولارا) للكيلو الواحد، أو شراء ملابس جديدة.
مصطفى عبدالعزيز، محاسب بدأ التخطيط لشراء ملابس أبنائه مبكرا، معتقدا أنه بذلك ضرب عصفورين بحجر واحد، حيث تفادى زحام العيد وتكدس الشوارع، وحصل على ما يريده بسعر مناسب قبل أن يتعمد بعض التجار مضاعفة الأسعار. مصطفى لم يجد عيبا في الاعتراف بأنه اضطر لأخذ قرض مالي من مكان عمله يخصم على 3 شهور لاحقة، من أجل شراء كعك وملابس العيد، رافضا التفكير في كيفية تدبير احتياجات المدارس التي ستهل قبل انتهاء تسديد أقساط العيد، لأنه، على حد قوله، كل شيء يهون إلا كسر خاطر أبنائه أو رؤية دموعهم قبل العيد.
حالة مصطفى تشبه الكثير من الأهالي الذين يضطرون لتدبير موارد مالية إضافية خلال رمضان والعيد عبر الاستدانة أو العمل في مهن مؤقتة للحفاظ على قداسة فرحة العيد لأبنائهم الذين قد يصابون بحالة نفسية، إذا لم يحصلوا على ملابس جديدة مثل أقرانهم. لكن الملاحظ هذا العام هو توخي بعض الأسر لسياسة الاقتصاد في الشراء من خلال الاكتفاء بطاقم ملابس واحد لكل طفل بدلا من 3 أطقم بمعدل واحد لكل يوم، وعدم شراء ملابس للأم أو الأب، مثلما كان يحدث في السابق.
كما لجأت الأسر الفقيرة إلى البحث عن ملابس العيد ومنتجاته من الأسواق الشعبية ومحلات بيع الملابس المستعملة، وأحيانا من على الأرصفة، لتأدية الغرض بأقل تكلفة دون الاهتمام بالجودة. أما الأسر الفقيرة جدا فلجأت إلى بدائل أخرى منها انتقال الملابس المستعملة من الأخوة الأكبر عمرا وأحيانا الأم أو الأب إلى الأبناء الأصغر سنا كي لا تضطر لشراء ملابس جديدة للجميع.
وأوضح سعد مجاهد، تاجر ملابس منزلية بأحد المراكز التجارية الشهيرة لـ”العرب”، أن العديد من الزوجات يحرصن على شراء ملابس منزلية جديدة لكل أفراد الأسرة إحياء لعادة قديمة بارتداء الجديد في ليلة العيد. كذلك تحرص غالبية ربات البيوت على تزيين المنازل بحسب القدرة المادية قبل العيد تمهيدا لاستقبال الزائرين، وتبدأ بتوظيف خادمات مختصات للتنظيف وتصل إلى شراء المفروشات والسجاجيد والستائر الجديدة لتزيين الحوائط.
دعاء فتحي ربة منزل لا تشعر بالعيد إلا إذا قامت ببعض التغييرات على الغرف مثل تبديل قطعة أثاث مكان أخرى للشعور بقدوم العيد. وأوضحت لـ“العرب” أن ذلك يدخل السرور والبهجة على أفراد أسرتها، فالمنزل من حقه أن يظهر بشكل جديد وملفت. ربات المنازل ممن لم يستطعن تغيير الأثاث، اكتفين بشراء زينة وبالونات ليقوم الأطفال بتجهيزها وتعليقها، أما الأواني المزخرفة فلا غنى عن شرائها لتقديم واجب الضيافة بشكل راق ومميز عن باقي العام.
ميزانية الأسرة المصرية المثقلة بارتفاع غير مسبوق في أسعار كل السلع تقريبا، لم تخل من بند الترفيه والتسلية لإسعاد الأبناء في أيام العيد التي تعد مناسبة مميزة جدا لكل الأسر في مصر. وأكد محسن الشامي تاجر جملة أن الألعاب النارية هي الأكثر مبيعا خلال أيام العيد، وربما تتفوق على الملابس، لأن الأطفال يسعدون بها أكثر لما توفره من تشويق وإثارة ناتجة عن دويّها الصاخب.
ومثل تجار اللعب يستعد تجار الأسماك المملّحة لعرض منتجاتهم من الفسيخ والرنجة بعد فترة بيات رمضاني انصرف عنها الزبائن طول أيامه. وقال محمد سالم فسخاني بوسط القاهرة لـ”العرب” عيد الفطر موسم للأسماك المملحة مثل شم النسيم، وهو لا يرهق ميزانية الأسرة لأن سعرها يقل عن اللحوم والدواجن، مشيرا إلى أن الإقبال على منتجاته بدأ في الأسبوع الأخير من رمضان.
الإقبال على محال الحلويات المتخصصة في بيع كعك العيد بمشتقاته من البسكويت و”البيتي فور” و”الغُريّبة” لا ينافسه سوى الزحام الذي تشهده العديد من المخابز والأفران في الأحياء الشعبية لتسوية الكعك والبسكويت.
وعادة يبدأ ماراثون تسوية الكعك المنزلي في النصف الثاني من شهر رمضان، ويمثل أحد أبرز مظاهر الاحتفال بالعيد في المناطق الشعبية، ومبعثا مهما لفرحة الأولاد حين يحملون “الصاجات” (أوعية معدنية كبيرة مستطيلة الشكل) وعليها الكعك قبل وضعه في الفرن، ويسيرون بها نحو المخابز، فالعيد كما يقولون لا تكتمل فرحته إلا بنقش الكعك.
أصحاب محال الكعك الجاهز كانوا أكثر إحباطا هذا العام، بسبب تأثيرات الحالة الاقتصادية على المبيعات في ظل ارتفاع الأسعار الذي انعكس على الكعك مثل غيره من السلع. وأرجعوا السبب الثاني إلى عدم التفاؤل بأن الكثير من الزبائن يلجأون إلى الكعك الذي صناعته القوات المسلحة المصرية وطرحته في الأسواق بأسعار أقل.
أسر تتحايل على مستلزمات المعيشة لتوفر ميزانية الاحتفال بالعيد!!
بقلم : شيرين الديداموني ... 05.07.2016
المصدر : صحيفة العرب