أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الرعاية البديلة في أميركا... ثغرات النظام تفاقم مشاكل الأطفال!!
بقلم : إبراهيم صالح ... 31.10.2022

نحو نصف مليون طفل أميركي يخضعون لنظام الرعاية البديلة والذي يقوم على انتزاعهم من عائلاتهم بسبب مشاكل متنوعة، ليتم نقلهم إلى بيئة جديدة تخلصهم من معاناتهم، لكن إخفاقاً في التطبيق بسبب ثغرات الرقابة يدمر مستقبلهم.
- فوجئ الخمسيني الأميركي من أصل مصري حسام عبد الرحمن بوفاة ابنه نور الدين (12 عاما)، بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات في سبتمبر/أيلول 2021 خلال مكوثه في بيت الأسرة البديلة التي قررت وحدة حماية الأطفال "Child Protective Services" في دالاس بولاية تكساس إيداعه لديها من أجل رعايته، حتى تفصل المحكمة في التهم الموجهة لوالده بشأن تعنيف ابنه لثنيه عن التأخر خارج المنزل وتدخين السجائر.
لم يعلم الوالد الذي طلب تعريفه باسم مستعار لحماية خصوصية العائلة، شيئا عن حياة ابنه منذ نقله إلى أسرة أخرى، إذ منع من رؤيته بعدما صدر الحكم بوضعه تحت المراقبة لمدة عام وبنزع الولاية القانونية من الأب، ليصبح آندي وكاثي ويثرول اللذان توليا مهمة رعايته هما الوصيان القانونيان.
وكان على حسام أن يتبع تعليمات ضابط المراقبة (مدني يتبع منظومة العدالة) لمدة عام، مثل القيام بتحليل المخدرات كل فترة، ورؤية الضابط كل عدة أيام، والتزم بذلك لمصلحة ابنه، كما قال لـ"العربي الجديد"، إلى أن تلقى اتصالا من الشرطة يطلبون حضوره لإنهاء إجراءات متعلقة باستلام جثة ابنه من المستشفى.ما آلت إليه حال نور الدين تعتبره المحامية كارين فورد، والتي تدير مكتبا خاصا يتعامل في قضايا الأسرة في مدينة سانتا روسا في مقاطعة سونوما في كاليفورنيا، نتيجة متوقعة لمصير بعض الأطفال الذين يُودعون في بيوت أسر بديلة بموجب نظام الحضانة Foster Care الذي تطبقه الحكومة الأميركية وتدفع من خلاله مبالغ شهرية لمن يتولون رعاية الأطفال، لكن "رقابة الحكومة على الأطفال والأموال المخصصة لرعايتهم ضعيفة أو معدومة"، وفق ما تؤكده من خلال سنوات عملها الطويلة، إذ ينتهي الأمر بحالات عديدة إلى التشرد أو إدمان المخدرات أو الانخراط في الجريمة أو تعرضهم للإساءة والتحرشات الجنسية، بخاصة إذا طالت الفترة التي يقضيها القاصر في منزل الأسرة البديلة في ظل ضعف الرقابة، وهو ما تؤكده دراسة لمركز بروفيدنز هاوس في ولاية ميتشغان (مختص بدراسة خدمات الرعاية البديلة والتوعية المجتمعية)، بعنوان: "ماذا يحدث للأطفال بعد خروجهم من نظام الرعاية البديلة؟"، نشرت في مارس/ آذار 2022، مؤكدة أن 450 ألف طفل في أنحاء أميركا يعيشون بصورة مؤقتة مع عائلات بديلة، ويجد 23 ألف طفل سنويا أنفسهم بلا دعم بعد انتهاء فترة الحضانة لدى العائلة البديلة، ويصبح 20% منهم بلا مأوى بعد أن يتجاوزوا سن الرعاية، وهو "وضع مرعب"، كما تصفه الدراسة، وهؤلاء أثبتت تجاربهم أنهم واجهوا مشاكل كبيرة في التعلم وتنمية شخصياتهم، ما جعلهم غير قادرين على الاعتناء بأنفسهم باعتبارهم بالغين مستقلين، بالتالي يحصل أقل من 3% من هؤلاء على شهادة جامعية في سن 26 عاما، ويعاني 25% منهم من صدمات نفسية.وخلصت الدراسة إلى أن 60% من عينة الشابات اللواتي خضعن لنظام الرعاية المؤقتة انتهى بهن الأمر للعمل في الدعارة لإعالة أنفسهن بسبب انعدام المهارات التي تؤهلهن للحصول على عمل، و70% منهن يحملن قبل سن 21 نظرا لارتفاع مخاطر الاستغلال الجنسي.
متى يطبق نظام الرعاية البديلة؟
توضح الأخصائية الاجتماعية ميري سو، والتي تعمل في مستشفى سيبلي التذكاري في العاصمة، أن "السلطات تنتزع الأطفال ممن يرعاهم بسبب الإهمال أو عدم الرعاية الآمنة، أو تعرضهم للإيذاء، وتطبق عليهم نظام الحضانة البديلة، ومن خلاله تقدم إحدى الأسر مكانا لإيواء ورعاية الطفل في منزلها بصورة مؤقتة حتى انتهاء المشكلة التي يواجهها، مثل عدم وجود من يرعاه أو عدم وجود مكان ليعيش فيه نظرا لغياب الأبوين أو وفاتهم، أو في الحالات التي يكون فيها الأبوان من المراهقين وما زالا في سن الدراسة، ولا يستطيعان رعاية الطفل، وفي الحالات التي تقرر فيها وحدة حماية الأطفال أن وجود الطفل مع أبويه يسبب تهديدا للطفل، سواء كان تهديدا نفسيا أو بدنيا، كذلك في حال دخول الأطفال المهاجرين بصورة غير شرعية إلى الولايات المتحدة، سواء كانوا بمفردهم أو بصحبة آبائهم، حيث يتم نزع الأطفال وإيداعهم لدى الأسر البديلة لحين انتهاء إجراءات ترحيل الآباء من الولايات المتحدة، أو قبول دخولهم باعتبارهم لاجئين، وهنا لا يتم جمع شملهم مع الآباء إلا بعد استيفائهم لشروط السكن والمعيشة التي تحددها الولاية".
وأقر النظام في الولايات المتحدة عام 1959 بديلا عن الملاجئ أو إرسال أطفال مشردين لرجال الدين من أجل رعايتهم، بحسب فورد، التي تؤكد أن نظام الحضانة البديلة جيد وأخذت به دول عديدة، لكن طريقة تطبيقه أدت إلى ظهور العديد من الشبان الذين يعانون من أزمات نفسية، وكثير من المشردين في الشوارع من الذين كانوا يقيمون في منازل الحضانة البديلة حتى إتمامهم 18 عاما.
وتقرّ كريستين لڤانتي، مسؤولة برنامج الرعاية البديلة في مقاطعة فيرفاكس في ولاية فرجينيا، بوجود مشكلة في إيجاد أشخاص يقدمون الرعاية المطلوبة، إذ يصل عدد الأطفال المطلوب إيجاد منازل بديلة لهم إلى أكثر من 90 طفلا على الأقل كل شهر بمدينة الأسكندرية في فيرجينيا، والتي يبلغ عدد سكانها 154.706 نسمة حتى نهاية 2021، لذلك فإن نصف هؤلاء الأطفال يذهبون إلى منازل خارج حدود المدينة، حيث يتسبب ذلك في مشاكل نفسية جديدة للأطفال، نتيجة لانتزاعهم من بيوتهم وأصدقائهم، وكذلك مدارسهم، مشيرة إلى أن ذلك دفعهم لتوسيع دائرة الأشخاص الذين يمكن أن يقوموا بدور الرعاية، وسمحوا بتولي المهمة لمختلف الفئات سواء متزوج أو أعزب أو مطلق أو مثلي، وبعمر 25 عاماً على الأقل، طالما كان مستقراً مادياً، ولديه منزل أو شقة في نفس المدينة أو خارجها، وأن يكون حاصلا على دورة توضيحية للتعامل مع الأطفال، أن يتولى المهمة.
ووصل عدد الأطفال الخاضعين للرعاية البديلة في نهاية عام 2020 إلى 407.000 آلاف، بينما انخفض إلى 400.000 خلال الفترة منذ بداية عام 2021 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني، بحسب تقرير نظام التحليل والإبلاغ عن التبني والرعاية في السنة المالية 2020 الصادر عن مكتب الأطفال في وزارة الصحة الأميركية وإدارة الخدمات الإنسانية للأطفال والعائلات في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
مشاكل تطبيق النظام
تعزو بريانا زملر، المديرة التنفيذية لمنظمة Foster America في واشنطن (غير ربحية تسعى لتحسين حياة المهمشين من الأطفال)، انزلاق الأطفال إلى الإدمان أو الدعارة إلى عدم تحقيق الهدف من نظام الحضانة المؤقتة، وما تفعله الحكومة بوضع الأطفال في منازل تختلف عن بيوتهم الطبيعية سعيا إلى حمايتهم ورعايتهم يأتي بنتائج عكسية؛ لأن سلوك الأطفال يتحول للعدوانية مع أسرهم الجديدة، وينتهجون سلوك الرفض أملا في التخلص من هذا الوضع الغريب عليهم، والعودة لبيوتهم الأصلية، ما جعل زملر ترى بأن الحكومة تحاول معالجة أعراض المشكلة، ولا تعالج أصلها المرتبط بالتفكك الأسري في المجتمع نتيجة زيادة حالات الطلاق وتراجع دور المؤسسات التعليمية في التربية وضبط التلاميذ، كذلك وجود خلل في علاقة الوالدين مع أطفالهم بسبب عدم قضاء وقت كاف معهم لأسباب متعلقة بطول ساعات العمل والبحث الدائم عن المال، إلى جانب تعلم الأطفال سلوكيات عنيفة من الألعاب الإلكترونية وبرامج الفيديو.
وتتفق فورد مع الرأي السابق مشيرة إلى أن الرعاية البديلة قد تجلب مشاكل نفسية للأطفال، لأن الحكومة تنتزعهم من بيوتهم وتضعهم فجأة في بيوت غرباء، وتوفر لهم فقط دعما ماليا، مؤكدة أن ارتباط الأطفال بأسرهم البيولوجية لا يعوض، كما أن راحة الطفل النفسية مع والديه شيء فطري، ولا يمكن لأي طرف آخر مهما كان أن يقدمه للطفل.
وحتى الآن لا يوجد حوار على المستوى الفيدرالي لإصلاح هذا الخلل، وعندما تم إقرار نظام الرعاية المؤقتة كان الهدف منه تقديم بديل جيد للأطفال الذين يعانون من مشاكل معقدة مع أسرهم، إلا أن انتزاع الطفل من منزله هو في الحقيقة عقاب للطفل وليس مساعدة له، كما تشدد زملر، والتي لفتت إلى أن الطفل قد يقضي بين عام وعام ونصف في هذ النظام، و5% منهم يقضون أكثر من 5 سنوات.
رقابة هزيلة
كانت وفاة نور الدين بسبب المخدرات مفاجئة لوالده، والأغرب أن الأوصياء عليه‏ ومسؤولي وحدة رعاية الأطفال في البلدية لم يكن لديهم علم بأنه يتعاطى المخدرات ‏على الرغم من الزيارات المجدولة والمفاجئة من قبلهم لمنزل آندي، والذي قال لـ"العربي الجديد"، إنه كان يحاول أن يضفي الطابع الأسري على حياة الأطفال الستة الذين يرعاهم ويساعدهم في الدراسة، وتقدم لهم الحكومة الرعاية الصحية، وتدفع البلدية مبلغا شهريا لكل طفل مقيم مع آندي يرواح بين 750 و1800 دولار شهريا حسب احتياجاته، بينما ينفق أضعاف ذلك عليهم، وفق قوله.
لكن إغفال موظفي الوحدة عن مسائل تتعلق بالأطفال، مثل تعاطي المخدرات، ترجعه ليندا سيلكت، مشرفة وحدة رعاية الأطفال في مدينة سكرامنتو في ولاية كاليفورنيا، إلى بقاء عدد الموظفين ثابتا بلا زيادة مع تزايد عدد الأطفال الذين يخضعون لنظام الرعاية البديلة كل عام، قائلة "الجميع يعتقد أن وحدة رعاية الأطفال مقصرة، وهذا غير حقيقي، لأننا موظفون وسلطاتنا محدودة وعملنا يخضع للإشراف القضائي، ونقوم بتعديل إجراءاتنا على الدوام لمصلحه القصر، وفي الوقت نفسه لا نستطيع منع أشخاص من رعاية الأطفال طالما استوفوا الشروط، لكن عندما يتضح أنهم أساؤوا لمسؤوليتهم نقوم بنزع الأطفال منهم وإيداعهم في منازل أخرى لحمايتهم".
وتقرّ بأن النظام الحالي ليس كاملا لكنه أفضل ما يمكن تقديمه حاليا لحماية الأطفال الذين يعانون من الإهمال الأسري، مضيفة أن الأسر التي تقدم خدمات الحضانة تحصل على دورات قبل قبولها، وتنفذ الوحدة زيارات مفاجئة على الدوام وتبلغ السلطات القضائية بشأن أي تجاوزات تحدث بحق الأطفال.
لكن ما ترصده المعلمة ريم رضوان في مدرسة ثانوية بولاية فيرجينيا يؤكد على وجود خلل في تطبيق قواعد الرعاية، إذ إن الطلاب الذين يعيشون في منازل أسر بديلة دائما ما يكون مستواهم العلمي أقل بكثير من الطلاب الذين يعيشون مع عائلاتهم البيولوجية، كما أنهم أكثر عرضة لترك الدراسة تماما، ومنهم من حضروا للفصول الدراسية وهم مخمورون أو تحت تأثير المخدرات، مشيرة إلى أن المدرسين لديهم تعليمات بالتركيز على تصرفات هؤلاء الطلبة وإبلاغ ضابط الشرطة في المدرسة بتطورات وضعه.
هل يخضع الأطفال المهاجرون للرعاية البديلة بشكل أكبر؟
يمثل الأطفال الأميركيون السود 20% من الخاضعين لنظام رعاية الطفل، ونسبتهم 14% من إجمالي عدد الأطفال في الولايات المتحدة، كما يخضع 2% من أطفال الهنود الأميركيين وأطفال ألاسكا الأصليين للرعاية البديلة، رغم أنهم يشكلون 1% من تعداد الأطفال في البلاد، بحسب تقرير نظام التحليل والإبلاغ عن التبني والرعاية لسنة 2020 المالية.
وبشأن المهاجرين، فإن جهلهم بالقوانين المحلية ومحاولة التعامل مع الأطفال بطريقة لا تتفق مع القوانين الأميركية مثل العنف، يؤدي إلى انتزاع أبنائهم منهم، كما يقع المهاجرون في مشاكل اقتصادية نتيجة عدم العمل أو العمل لفترات طويلة يبتعدون فيها عن أبنائهم، ما يؤدي في النهاية إلى سحبهم وإلحاقهم بأسر بديلة، كما توضح زملر.
وتكشف الأخضائية الاجتماعية سو أن أبناء لعشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين تم ترحيلهم من أميركا في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ما زالوا في ولاية تكساس، منفصلين عن عائلاتهم البيولوجية، ويعيشون لدى أسر بديلة، ولا تعرف الحكومة أي معلومات عن آبائهم، ولا عن كيفية إرجاعهم مرة أخرى لعائلاتهم.
وتتعلق 50% من البلاغات التي تصل إلى الشرطة ووحدة حماية الأطفال بعائلات مهاجرة بحسب لڤانتي، مسؤولة برنامج الرعاية البديلة، وتصل هذه البلاغات عبر السكان المحيطين بالأطفال المعرضين للإهمال من قبل ذويهم، كما يجب على أي شخص يعمل في المدرسة أن يبلغ الشرطة إذا شك أو ارتاب أو رأى علامات تدل على العنف، أو لاحظ تغييرا في سلوك الطفل.

* المصدر : العربي الجديد
1