الأسير أحمد سلامة
يا صخرة حرة حيّي الغيّــــاب بصلابة الحبّ الدّامي في التـراب
دروب القلب تأبى الهـــــروب لأنه الوطن ومسقـط الرؤوس
شباب الضفة بكل الزقـــــــاق قدس وغزة وكل الحـــــارات
تنادي الروح من خلف القضبــان تأبى الرضوخ وترك الســلاح
حديد السجن وظلم السجــــان لم يركع سخطي بكل ســؤال
بهذه الكلمات نبدأ حوارنا وحديثنا عن قصة ليست ككل القصص التي تروى، قصة كفاح ونضال وألم وأمل، قصة مناضل فلسطيني يفيض بالحياة من خلف القضبان، يعطينا درسا عن الوفاء والإيمان بقضية وطن رغم ظلمة السجن والسجان. لم تطفئ سنوات سجنه شوقه للحياة ورغبته بأن يكمل مشوار عمره مع رفيقة درب آمنت به وبنهجه وقررت أن تمضي معه حيث يكون. أحمد سلامة عانق الحياة بحلوها ومرها وما زال يفيض بالحب والدمع الممزوج بالألم. معنا في حوار شيق لا يخلو من الشجون الأسير أحمد سلامة .
الأسير أحمد سلمي جابر سلامة من مدينة قلقيلية وهو من مواليد ١٩٨٤. عمره الآن ٣٤ عاما وينتمى الى حركة فتح ومحكوم داخل السجون الاسرائيلية ب ٢٤ عاما قضى منهم ١٥ عاما وبقي له ٩ سنوات الى أن يتحرر من الأسر. بتاريخ ١٥/٨/٢٠٠٣ كان قد تعرض أحمد إلى إصابة نتيجة خروجه لمظاهرة مع مجموعة من شباب المقاومة في مدينة قلقيلية حيث نقل على أثر الإصابة الى مستشفى في مدينة نابلس وبفترة تواجده في نابلس تم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وكان ذلك بتاريخ ٢٩/١١/٢٠٠٣ إلى الآن.
أحمد سلامة قبل اعتقاله كان يدرس بجامعة القدس المفتوحة وحاليا وهو داخل الأسر يكمل تحصيله الأكاديمي وتبقى لديه فصلان دراسيان لإنهاء دراسته. قرر أحمد أن يقترن بإبنة خاله الآنسة فداء أبو لبدة والتي تحمل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وحاليا هي موظفة في نادي الأسير الفلسطيني في قلقيلية. وقد قام أحمد بخطبتها وهو في الأسر رغم معارضة الأهل لكنه ذلل كل العقبات لإتمام هذا الارتباط.
س: ما هو سبب الإصابة بيدك اليمنى والتي على أثرها تم اعتقالك وأنت بفترة علاج داخل مدينة نابلس؟
ج: تعرضت سنة ٢٠٠٣ الى إصابة شديدة بيدي اليمنى أتت نتيجة ما أسفر عنه حصار واجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة قلقيلية وبعض مدن الضفة الغربية آنذاك، فقد تعرضنا انا وبعض شباب المقاومة الى اشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي أدى ذلك الى إصابة بالغة بيدي اليمنى وتم نقلي إلى مستشفى "قلقيلية الوكالة" والذي كان يخلو من الطواقم الطبية بسبب الحصار الاسرائيلي عن المدنية وكنت قد مكثت فيه ما يقرب الشهر والنصف. انتقلت بعدها الى مستشفى في مدينة نابلس بسبب تردي الوضع الصحي ليدي ولضرورة أخذ العلاج اللازم نظرا لخطورة الإصابة. وفي فترة مكوثي في سكن لطلاب جامعة النجاح لمواصلة علاجي تم اعتقالي. بعدها نقلت الى مركز الجلمة ليبدأ التحقيق معي وبقيت فيه ٦٨ يوما، وخلال تلك الفترة تم نقلي الى "أقسام العصافير" وبعد العودة من العصافير رجعت الى زنازين معتقل "الجلمة" ومن ثم إلى معتقل "مجدو" بعد إصدار الحكم باعتقالي ٢٤ عاما.
س: ما هي الظروف التي تعرضت لها داخل المعتقل وكيف أمضيت وما زلت تمضي سنوات السجن ؟
ج: تعرضنا لشتى أنواع الابتزاز كلما كنت أطالب بأخذ العلاج اللازم ليدي اليمنى والتي تفاقمت حالتها ووصلت الى ٨٠% من العجز نتيجة الإهمال الطبي، فكانوا يساومونني للإنصياع لأوامرهم مقابل أخذ العلاج. هذا بالإضافة إلى أنهم وضعوني بسجن بعيد عن مكان سكن أهلي في قلقيلية كما كنت أتعرض للضرب والتفتيش المستمر ورش الغاز.
س: هل تابعت السلطة الوطنية الفلسطينية ملف إعتقالك عم طريق المسؤولين عن ملف الأسرى في السلطة؟
ج: طبعا، في بداية الأمر كان هناك اهتمام من السلطة أتى ضمن حراك ونشاط قانوني من خلال محامين ومن خلال التواصل الدائم المستمر، لكن هذا الاهتمام ينقصه الفاعلية لأنه يفوق تحمل مؤسسات السلطة وأجهزتها بما يخص ملف المعتقلين.
س: نفهم عجز المنظمات الدولية وحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني والصليب الأحمر والذين يقفون عاجزون أمام هذا الظلم والاستبداد الإسرائيلي خاصة بملف الاسرى..
السؤال الذي بتبادر في أذهان الكثيرين ، كيف تمضي سنوات سجنك وقد كنت وما زلت في ريعان الشباب؟ هل السجن وظروف الاعتقال زرع عندك يأس وإحباط مع علمنا بأنك تكمل تعليمك من داخل السجن؟
ج: هناك نقاط أساسية تحدد ظروف ونشأة الأسير داخل السجن والنقطة الأولى: وهي الايمان، الإيمان بالفكرة، الإيمان بالقضايا الوطنية والهم الوطني وحتمية النصر والانتصار ونيل الحرية والخروج من هذه الأزمات السياسية. النقطة الثانية: الوعي والثقافة عند الأسير والتي توصل الانسان إلى قراءة الواقع والظروف النفسية التي يمر بها داخل السجن ومن خلالها يستطيع أن يبرمج نفسه على مسلكية معينة وبرنامج وطني يجعله بتحدى هذه الظروف التي فرضها عليه السجان. بالإضافة الى كل ما ذكرت النشاط الذهني والجسدي والمسائل الروحانية من خلال القراءة والاتصال مع الله وإيمانه بالسبب الذي أدى به الى السجن وثقته بالنصر والتحرير كل ذلك يحدد الإطار الصحيح لكينونته داخل السجن وهذا لا يلغي متابعتنا للأخبار والراديو وقراءة الكتب والصحف والحديث مع الأهل والأحباب.
س: إجابتك بتحصين نفسك من الانسياق وراء الهدر المعنوي والروحاني والذهني بما لا يفيد واستثمارك للوقت والجهد بكل ما ذكرت لتبقى على تماس مع الواقع وما يجري خلف القضبان وهذا سيجعلك ترى أن ما سيأتي من صعوبات لربما في المستقبل لا يساوي شيئا بمقابل ما عانيت وتعاني.
ج: تشخيصك صحيح والصراع النفسي مع السجان يهدف إلى افقادنا صفاتنا الإنسانية والأدبية والأخلاقية والمطلوب منا جميعا أن نتصدى لكل هذا من خلال إيماننا، وثقافتنا والتمسك بالتضحيات التي يقدمها أبناء الشعب الفلسطيني، وهذا كله أدى بنا إلى إقامة حلقات فكرية وجلسات ثقافية من داخل الزنازين لمحاربة أي فكر يسعى العدو الإسرائيلي من خلاله لهدم قيمنا ومبادئنا.
س: بالعودة إلى الجانب الأسري والاجتماعي من حياة أحمد، وكما علمنا من خبر ارتباطك بفتاة وأنت في الأسر، كيف لإنسانة مثقفة وواعية أن توافق على الارتباط بأسير بقي له تقريبا عقدا من الزمان لأن يتحرر؟ ما هي مواصفات هذه المرأة؟
ج: الموضوع كان يحمل من الغرابة الكثير بالإضافة إلى الصعوبات ورفض من أناس أصفهم بأن لديهم نقص في بعض المسائل المعنوية وأن هذه المسألة لا تدخل فقط ضمن الإطار المادي أو المباشر فقط، لكن الموضوع كان إصرارا من الطرفين على الرغم مع عدم المعرفة المسبقة بخطيبتي كونها فقط ابنة خالي، لكن ما وصلني عنها وعن أخلاقها وسلوكها ومكانتها الاجتماعية بين الناس وداخل العائلة هو الذي حفزني على طرح هذا الموضوع والحديث عن مشروع ارتباط مع هذه الانسانة. بعد ذلك طرحت الموضوع على الأهل وكان في البداية رفضا من كلا الطرفين أهلي وأهلها، لكن وقتها مع كل هذا الرفض أتحلى بالصبر والإصرار والإيمان بأن هذا الارتباط سينجح بنهاية المطاف. وبعدها حظيت بموافقة الأهل من كلا الطرفين وبدأ التواصل معها وهذا نتج عنه حب وقناعة من الجانبين.
خطيبتي متفهمة لظروفي ولوضعي النفسي والمعنوي وهذا الشيء ليس بالهين أن تجد إنسانة تتحمل كل هذه الاعباء لولا ما تتحلى به من إنتماء وتفهم وحب. وهي بالنسبة لي إنسانة غير عادية ونموذج محترم للمرأة الفلسطينية الأصيلة التي تؤمن بالنضال الوطني وبالتضحيات التي قدمتها في سبيل تحرير فلسطين.
س: ما هي الكلمة الأخيرة التي توجهها الى الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات؟
ج: قضية فلسطين هي قضية حية بدم الشهداء وبالنضال والتضحيات وسنوات طويلة من العطاء والصمود والارتباط بهذه الأرض، ولابد أن تأتي لحظة تاريخية يعلن فيها النصر ورفع العلم الفلسطيني على هذه الأرض وأن هذا اليوم قريب طالما أن الشعب الفلسطيني متمسكا بأرضه وتراثه وحضارته وتاريخه وعاداته وتقاليده.
نشكرك أحمد على هذا الحوار الملهم والرائع والذي ينبض بحياة عادلة نستحقها وتستحقنا وكما قال محمود درويش :"على هذه الأرض ما يستحق الحياة ". أنتم صناع الأمل، تجعلوننا نخجل من امتعاضنا لبعض صعوبات الحياة والتي تقزم أمام تضحياتكم العظيمة وصبركم. هنا فلسطين....... وهنا الشعب الفلسطيني العظيم الذي يقف على أعتاب الحرية بإصراره وصموده ووعيه وثقافته. وانت يا أحمد صورة حية لفكر إنسان وهو خلف القضبان والذي أمضى وما يزال ريعان الشباب في السجن لكن الأمل بداخلك حي لا ينضب.
ملاحظة: بعد عمل الحوار بأيام فقط عقد الأسير أحمد سلامة قرانه غيابيا بالآنسة فداء أبو لبدة وتم ذلك بحضور ومباركة الأهل من الطرفين، كما ألقى أحمد كلمته من داخل زنزانته عبر الهاتف وتلقى التهاني والتبريكات ونحن بدورنا نبارك لأحمد إتمامه لهذه الخطوة الجريئة الجميلة بآن واحد والتي تحمل في طياتها أجمل معاني حب الحياة والوطن معا.
عن الوطن والعشق: الأسير أحمد سلامة!!
بقلم : مها صالح ... 29.10.2018
*حاورته مها صالح