لا تمشي إلى حيث يأخذك الطريق، بل امشِ الى حيث لا طريق واترك أثراً.. هذا ما آمنت به بفطرتي وتيقنت السر الكامن خلفه بعقلي، واجتهدت ليكون نهجا راسخا بعملي، وحافظت على تميزه وبريقه في قلبي. أن تسلك طُرقا وعرة لأنك وضعت خارطة طريق لفكرك والذي لا يستوي مع ما هو مُتاح في زمن تكسوه المصالح الشخصية ولا مكان لقيم ومبادئ اعتقدت أنها راسخة عند البعض لكنها تحطمت عند أول اختبار حقيقي أمام تحديات ترسم لك طبيعة هؤلاء البشر.
أن تكون حقيقيا في هذا الزمن يعني أن تحكم على نفسك بالأعمال الشاقة طيلة عمرك، لا يستوي الصدق مع الذئاب في ثوب الواعظين فالصدق أمام الكذب وأخوانه خطان متوازيان لا يلتقيان.. أن تكون حقيقيا يعني أن تسبح عكس التيار طيلة الوقت، أن تكون حقيقيا يعني أن ترمي بمساحيق التجميل في سلة المهملات، أن تكون حقيقيا يعني أن تخسر معظم فرص الحياة، أن تكون حقيقيا يعني أن تغرد خارج السرب بألحان غير اعتيادية، أن تكون حقيقيا يعني أن تقفز من طائرة تحلق في سماء النفاق والارتطام على الأرض يعني النجاة بنفسك والانتصار لكرامتك والثأر لحريتك. ما كنت أعرف بأنه أن تكون حقيقيا قد يكلفك ثمنا باهظا يجعلك تفقد الثقة بجميع البشر.
أرجو أن لا يُفهم من كلامي بأنها دعوة لاختيار الكذب والرياء كطريق تنجيك من غدر البشر ونفاقهم، لا أبدا، لكنها لحظة تفكر وتحليل وتمعن وتساؤل لماذا تغيرت مفاهيم الحياة الطبيعية والتي تربينها عليها لتصبح شاذة في هذا الزمن!! لماذا أصبح التلون سمة هذا العصر، لماذا أصبح الخداع والظهور بمظهر البراءة والتي تخفي تحتها قُبحاً هو ما يرغبه البشر؟! نلوم الزمن والعيب فينا، يكفي أن نجلده ونحن الجلادين، يكفي أن نغتاله ونحن من أطلق رصاصة الرحمة على زمن المدينة الفاضلة..
هل نستسلم وندع الشر يتغلغل ليصبح ماردا أمام بذرة الخير والتي لا تزال موجودة في نفوس الكثيرين، لكنها ذاهبة للاضمحلال؟! أم نظل نُقاتل في ساحة معركة لا نهاية لها وقد تكون النهاية هو الانتصار على هيئة(الموت) أمام الاستسلام لبطش وظلم البشر.
نكأت هذا الجرح لأنه ما أتحدث عنه أصبح ظاهرة اليوم بعد أن كان موجودا سابقا لكن في حالات نادرة لا تُذكر، لكن الآن أصبح سمة أشبه ما تكون بالسائدة مع كل الأسف. تذكرت وأنا أكتب هذه المقالة بعض المواقف والتي قرأتها بمسيرة الأديبة "مي زيادة "، عندما صدقت مع قلبها باغتها موتاً لمن أحبت، عندما صدقت مع عقلها صدمها جنوناُ، عندما صدقت من عشيرتها وضعوها في العصفورية. فماتت قهرا وألما لأنها كانت حقيقية.
لا أريد أن أبدو سوداوية بطرحي، لكن أريد فقط أن أكون حقيقية حتى بحروفي وكلماتي وقلمي.
أن تكون حقيقيا في هذا العصر يعني أن تكون شاذا بوسط لا يرى من حقيقتك سوى أنك مجنون!
فإما أن تكون أو لا تكون.. فيا مرحبا بالجنون الحقيقي.. لا العقل المنافق وكفى!
الجنون الحقيقي!!
بقلم : مها صالح ... 07.01.2025