أحدث الأخبار
الثلاثاء 16 كانون أول/ديسمبر 2025
«ابن الشيخ»: إضاءة على خيارات الفلسطينيين وانقساماتهم القيمية!!
بقلم :  يافا ذيب ... 16.12.2025

منذ لقطاته الأولى، يقدّم مسلسل «ابن الشيخ» نفسه عملًا درامياً فلسطينياً اجتماعياً يخرج عن القوالب التقليدية للدراما المحلية، ويحاول الاقتراب من الناس وهمومهم اليومية بلغة الشارع الفلسطيني، وبإنتاج محلي خالص. العمل من فكرة الكاتب أحمد أبو فخيدة، ومن إخراج مشترك لكل من أمير زبانة، وأحمد أبو فخيدة، ومحمد النجار، في تجربة تؤكد أن الدراما الفلسطينية قادرة على سرد قصتها بأدواتها وبأيدي أبنائها.
المسلسل، الذي عُرضت حلقته الأولى خلال افتتاح خاص، هو إنتاج فلسطيني مستقل لشركة «إيليا وكوادر» للإنتاج الفني، وصُوّر عبر كوادر ومعدات فلسطينية بالكامل، في محاولة واضحة لكسر الصورة النمطية حول محدودية الدراما المحلية، وتقديم محتوى يتوجّه مباشرة إلى البيت الفلسطيني. ويأتي توقيت عرضه متزامناً مع تصاعد حوادث القتل المرتبطة بتفشي آفة المخدرات، والتي تورّط فيها شبّان انتهت محاولات عائلاتهم المتكررة لعلاجهم بالفشل، لتُختتم قصصهم بوقائع مأساوية، غالباً ما يكون الضحية فيها من داخل العائلة نفسها.
وأُطلق مسلسل «ابن الشيخ» خلال حفل أقيم في «مسرح القصبة» في مدينة رام الله، بحضور فني وثقافي لافت للنظر، حيث عُرضت الحلقة الأولى من العمل الذي يمتد إلى 15 حلقة، بمشاركة نخبة من الممثلين الشباب، في خطوة تهدف إلى تعزيز حضور الدراما الفلسطينية المستقلة، وتقديم أعمال تلامس تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني. ويعالج المسلسل قضايا اجتماعية معاصرة تمس حياة الشباب والعائلات الفلسطينية، من خلال سرد درامي قريب من الواقع، يركّز على العلاقات داخل الأسرة، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، والانقسامات القيمية، والخيارات المصيرية التي تشكّل مستقبل جيل كامل في ظل تحولات عميقة يشهدها المجتمع الفلسطيني. وتؤكد شركة «إيليا وكوادر» أن العمل يحمل رؤية فنية واجتماعية تسعى إلى فتح مساحة للنقاش والحوار، وتسليط الضوء على قصص مستوحاة من البيئة الفلسطينية وتجاربها اليومية، بعيداً عن الخطاب الوعظي أو المعالجة الإنشائية.
وخلال الافتتاح، قالت الممثلة الفلسطينية ميس حجاوي لـ»القدس العربي» إن مسلسل «ابن الشيخ» انطلق من رغبة حقيقية في تقديم دراما تشبه الناس وتحكي قصصهم، موضحة أن العمل يعكس صراعات داخل الأسرة الفلسطينية، وتناقضات الإخوة، والانقسام بين من يتمسّك بالقيم والوطن، ومن يختار المال والمصلحة على حساب كل شيء.
وأضافت حجاوي أن الشخصية التي تجسّدها تمثل شريحة واسعة من الفتيات الفلسطينيات اللواتي يتعرضن للعنف والسرقة والابتزاز والإسقاط، عبر أساليب متعددة، من بينها استغلال الأصدقاء والمعارف في نشر آفة المخدرات والاتجار بها. وأشارت إلى أن الدور يُبرز قوة المرأة الفلسطينية وقدرتها على الصمود حتى في أقسى الظروف، مؤكدة أن الخسارة الأكبر التي لا يمكن تعويضها هي خسارة الوطن.
«أبو عمر»… الاستغلال المقنّع
وتحدث الممثل الفلسطيني إبراهيم عويس، الذي يجسّد شخصية «أبو عمر»، عن طبيعة الدور، موضحاً أن الشخصية تمثل رجل أعمال طموح، يصل إلى مستويات متقدمة من الفساد، ويعمل على استغلال الشباب والتلاعب بهم، مستفيداً من حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية. وأشار عويس لـ«القدس العربي» إلى أن «ابن الشيخ» يسلّط الضوء على نماذج حقيقية موجودة في الواقع الفلسطيني، نراها ونسمع عنها يومياً، مؤكداً أن العمل يحمل رسالة تحذيرية واضحة، لا سيما لفئة الشباب، من مخاطر الانجراف خلف العناوين البراقة التي تخفي في جوهرها الاستغلال والانهيار القيمي.
تحديات الإنتاج الدرامي الفلسطيني
بدوره، قال وسيم أبو ذهبية، أحد القائمين على العمل، إن طاقم المسلسل واجه تحديات كبيرة خلال عملية الإنتاج، أبرزها غياب جهة رسمية تُعنى بالدراما الفلسطينية، ما شكّل عقبة حقيقية على مستوى التراخيص وتسهيل حركة الطواقم والمعدات بين المحافظات.
وأوضح رداً على سؤالنا، أن نقل معدات تصوير تُقدّر قيمتها بمئات آلاف الدولارات دون إطار رسمي منظم، فَرضَ صعوبات ميدانية كبيرة، واضطر الطاقم في كثير من الأحيان إلى الاعتماد على العلاقات الشخصية لتجاوز العقبات. ودعا إلى إنشاء هيئة فلسطينية مختصة بالدراما، تُنظّم الإنتاجات المحلية وتدعمها، بما يضمن استمراريتها وتطويرها.
ويؤكد صنّاع «ابن الشيخ» أن المسلسل موجّه بالدرجة الأولى إلى فئة الشباب، ويتناول قضايا الانجراف والاستغلال والصراع القيمي داخل المجتمع، في محاولة لفتح نقاش حقيقي داخل البيوت الفلسطينية، بعيداً عن الوعظ المباشر.
ومع انطلاق حلقاته الأولى، يراهن العمل على فرض نفسه مسلسل شارع فلسطيني بامتياز، يعكس وجع الناس، ويقدّم حكاياتهم كما هي، بلا تزييف.

1