أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
لوحات سكينة خليل: ألوان وموسيقى وجسور تلاقح إنساني!!
بقلم : عادل المرنيسي ... 14.09.2014

لا حدود تفصل الفنون في لوحاتها حيث يمتزج الشعر والموسيقى بالألوان في مساحة ضوء تسافر باستمرار من أجل اكتشاف عوالم الذات اولا.هكذا تتتمثل سكينة خليل معنى التشكيل. إنه "تعبير عن الحياة بكل أبعادها، وسيلة للسفر إلى الجواني وطرحه على المساحة البيضاء بكل تناقضاته، أفراحه، أحلامه وآمال" .
وحول المساحة التي تحتلها اللوحات في حياة سكينة تقول :"اللوحة تمكنني من حالة الانفصال عن العالم الخارجي هي وسيلتي للتسلل إلى قمة النقاء” لذلك تشكل لوحات سكينة بحثا متواصلا عن لغة تتعدى مجرد التعبير. فمنذ انزاحت عن عشقها الأول للموسيقى عشقت لعبة الألوان الممزوجة موسيقى مقتحمة الساحة الفنية من بوابة إفريقيا وبالضبط من مدينة سان لوي السينغالية التي سقطت في أحضان عشقها بلا مقدمات وبلا حساب.
السفر إلى السنغال والعيش في ترحال دائم بين سان لوي والدار البيضاء بالنسبة لها مصدر إلهام لا ينضب، ولأن الفن عطاء وتقاسم للخبرات وللأمل في عالم ترسمه سكينة بألوان الفرح لم تتردد في اقتسام تجربتها الفنية مع الأطفال والشبان حيث درست التشكيل في مدينة سان لوي مساهمة، تقول سكينة، في تقاسم تجارب الفرح المتخفي ومساهمة في تحرير الطاقة الطاقة الداخلية الإيجابية للناشئة من خلال تمرير قيم حب الجمال .
اختارت التجريد لغتها التعبيرية، أما الفن فهو لغة العبور نحو الآخر، عبور لا يتم دون تقديم رؤية حدسية يستجلي في مضمارها أبعاد التجربة الإنسانية التي تريد توصيلها إلى الآخر من خلال اللوحة.لذلك استقبلها الوسط الفني السينغالي باعتراف صارت معه سكينة محور عدد من الأنشطة والمهرجانات الثقافية بالمدينة إذ تعتبر أن مستقبل المغرب لا بد أن يكون إفريقيا هي التي ترأس جمعية مغاربة مدينة سان لوي، لذلك" أعمل جاهدة من أجل التقريب أكثر بين البلدين من خلال دعم العلاقات الراسخة بين الوسطين الثقافيين المغربي والسينغالي " تقول خليل.
الاستقرار بمدينة سان لوي السنغالية أضفى على مسار "سكينة" الفني تغييرا نوعيا بعد أن احتضنت المدينة عروضها الفردية والجماعية قبل أن تحلق في سماء عرض لوحاتها بمدن عالمية. مع الوسط الثقافي بسان لوي نسجت علاقات قوية برواد المسرح والسينما والرواية وباقي الفعاليات الثقافية، جعلت العديد من أصدقائها السنغاليين يعتبرون أن الحياة الثقافية في المدينة تصير بدون ملح في غياب سكينة لأن منزلها نقطة تلاقي الجميع"لا بد من استثماره لترسيخ العلاقات التاريخية بين البلدين" تقول خليل. وهنا تكشف التشكيلية المغربية /السينغالية أنها بصدد التحضير مع فعاليات مغربية وسنغالية لقافلة ثقافية ستكون سابقة في اكتشاف عمق الأواصر القائمة بين الشعبين وتعزيزها هي الممتدة لأكثر من 15 قرنا.
لا يعرف الفن بالنسبة لها حدود الأوطان والجغرافيا لذلك فلوحات سكينة، التي تعرف عليها الجمهور السينغالي منذ ثمانية عشر سنة مليئة بالانتقالات السريعة والمتعاقبة في التقاط الرؤية وتوجيه مضامينها بما يستثير الوعي الفني لدى المتلقي ويدفع به إلى الاندماج في لوحاتها بغض النظر عن جنسه أو لونه أو ثقافته. غير أن هذا الاتجاه نحو العالمية والرسالة الإنسانية للفن لم ينس التشكيلية عوالم المدن المغربية المليئة بالخلفيات المثالية الموزعة بين الأزقة الضيقة وهندسيات المتاهة ونساء بأعناق مشرئبة نحو الأفق الممتد في روحانية واضحة.
لوحات سكينة مليئة بالأنظمة المحسوسة للألوان والتي تعيد تنظيمها وترتيبها في علاقات جديدة طازجة تمتزج فيها الإيماءات بالدلالة وتتداخل الرؤى وحينها لا يصبح هناك من مجال للحديث عن المحلي والعالمي "إذ يصبح الفن لغة عالمية وإن كان منطلقه حالة محلية، وهنا تقول سكينة لا بد للمتلقي بدوره أن يصير قادرا على التحليق عاليا بخياله وقدراته من أجل تأويل اللوحة وقراءتها وإعادة تشكيلها باعتبارها فضاءا للحرية" تقول سكينة.
ليس هناك من سر في اختيارها الحركة مرتكزا للوحاتها، سوى تصورها لمعنى الإبداع. إنه عملية إنتاج يصعب التعبير عن تفاصيلها، إلا أن الثابت فيه الانفعال والإلهام لتجسيد أي شكل من أشكال الفن. وأستطيع القول أن الانفعال هو تجاوب ورد فعل على حالة من الوعي الذي يلهم الفنان مع عالمه الداخلي، حيث يضفي نوعا من التوافقية في وحدة الإحساس فيما بينه وبين تجربة المشاهد".
لا تكتفي لوحات سكينة بنسج علاقات التواصل الحميمي مع المشاهد، بل تفرض عليه درجة عالية من التفاعل والانصهار مع عوالمها الداخلية الممزوجة بألق الضوء والعتمة وكل أشكال الترميز حيث تتماهى الصورة والمعنى . لكن الترميز بالنسبة لـ"سكينة" لا يعني انفصال الفنان عن الواقع واعتلائه برجا عاجيا بل "الرسم هو لغة تواصل وتفاهم بين الناس مثل الموسيقى، الكتابة أو أي شكل من أشكال التعبير الأخرى".
في لوحات التشكيلية سكينة خليل ألوان تتحرك وتملأ فضاء اللوحة موسيقى وسفر وارتحال دائم من سكون العالم إلى فضاءات مملوءة بالرموز والأسئلة، إنه ارتحال إلى عوالم استثنائية تضيء الأشياء البعيدة وتستبطن الأعماق في بحث لا متناه عن توافق المعلن والخفي.

1