أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
«نِسَاءِ البَسَاتِين» وَفْضِحِ تناقضات السُّلْطَةِ للتونسي حبيب السَّالِمي!!
بقلم : ممدوح فرَّاج النَّابي ... 02.07.2014

رواية «نساء البساتين» دار الآداب 2010 تتحدَّثُ عن حالة التغريب التي أصابت المجتمع التونسي جرَّاء سياسات الرئيس «زين العابدين بن على»، الذي أرادَ أن ينحو بتونس بعيدًا عن هويتها الإسلاميَّة والعربية، دون أن يعي الجذور التي تَشدُّها إليهما. فالبطل «توفيق» القادم من فرنسا، يصل إلى حَيّ البساتين وأوَّل ما يلفت انتباهه هو حالة التدين التي بدت عليها زوجة أخيه إبراهيم (يسرى)، من خلال ارتدائها الحِجَاب وامتناعها عن تقبيله وهي التي كانت تفعل من قبل.
التسعة عشر يوما التي يقضيها الرَّاوي في الحيِّ كإجازةٍ تتحوَّل جولاته فيها إلى كاميرا يرصد بها مظاهر التغيير التي بدت عليها تونس وللأسف كلها مظاهر متناقضة، هذه الجولات مع إنها لاتتعدى الشَّوارع الجانبية والمقاهي المختلفة، والأسواق لحي البساتين، وإنْ تجاوزتهم إلى المدن السَّاحِلية، وكذلك حواراته مع الأشخاص من مختلف المهِّن: السَّائق والنَّادِل في المقهى، وبائعات الهَوى، والشَّبَاب العاطلين على نواصي الشَّوارع، ورجال السُّلْطَة (رجال الشُّرْطة، وأخوه البشير)، والمثقفين (صديقه نجيب كمون، وليلى أخت زوجة أخيه) والمتدينين أو المتشددين، والأطفال بما يحملون من براءة كـ (وائل ابن أخيه)، إلا أنها تكشف عبر كاميرا السَّارد المحايد، عن الكثير من الجوانب الخفية للمجتمع التونسي، من أهمها الحنين لزمن الحبيب بورقيبه. وهذه الجوانب تتناقض مع الصُّورة التي تبدو عليها من النَّاحية الشَّكْليَّة حيث ملامح التحديث بادية في كلِّ مَكَانٍ يذهبُ إليه السَّارد، فالشَّوارع صارت أكثر اتساعًا، تحفُّها الأَشْجَار من الجانبين، والكثير من المباني خضعت لعمليات ترميم أو هدمت، أو التطورات التي لحقتْ بالحيِّ من قبيل بناء بنك، ومركز تجاري، وغيرها من مظاهر التحديث، كالحرية البادية في الملابس والجنس. فمع حركة التحديث والتي يدافع بها البشير (الأخ الأكبر) عن سياسة الحزبِ المنتمي إليه، إلا أن الجانبَ المقابلَ نفيض لها، فالأوضاع تزداد سوءًا، حيث الحافلات مزدَّحِمَة بالرُّكاب، والمقاهي كذلك، في إشارة لحالة البطالة (وهي من أهم أسباب انتفاضة تونس ومن قبلها انتفاضة الجزائر88) التي تدفع بالشَّبَاب للتَّسكُّع أو الهجرة أو الزَّواج من الأجنبيات، في مقابل الحصول على الإقامة، ومن ثمَّ يتحققُ الثَّراء السَّريع كما وصف «نجيب كمون» حالة الشَّاب الذي تزوَّجَ من سائحة وكل عامٍ يأتي بسيارة مِنْ أحدثِ طِرَازٍ، وانتقلَ بعائلته للسكن في حيِّ الأغنياء، ومن ثمَّ على حدِّ قوله: «إنَّه في الوقتِ الحَاضِر ليس هناك ما هو أحسن من الزواج من أوروبية» (ص 46)، علاوة على ذلك ممارسة البعض منهم للشذوذ مع السُّياح الأجانب، وكأنَّ المظاهر الشَّكْلِيَّة تخفي تحتها العَفَنَ، هذا العَفَنُ الذي كان سَبَبًا لما حَدَثَ في يناير 2011.
-2-
الملاحظة التي أثارت دَهْشَة الرَّاوي هي حالةُ الهَوَس بالهجرة، رغم تلك الفكرة التي يُقَابَلُ بها المغترِب في بلاده بأنَّه عبد ذليل، وخادم في فرنسا، ومع هذا فتكرَّرت طلبات الهجرة إلى المشتهى «فرنسا» من ثلاث فئات مختلفة نادل (نادل مقهى الأنترناسيونال)، وَمُعَلِّم صديقه (نجيب كمون)، وموظفة (ليلى)، وهو ما يشي بأنها حالة عَامة سببُّها واحد كَمَا عبَّرتْ ليلى بأنَّ «الحياة في تونس صارت صعبة» ولهذا تشعر بأنها «مخنوقة»، فكل «النَّاس يراقبون بعضهم». أو ما يؤكِّده فيما بعد صديقه نجيب كمون، في تبرير أسباب سعيه للهجرة «بالنسبة للزائر مثلك تونس تبدو بِلادًا متطوِّرة، كُلّ شيءٍ فيها هادئ، شعبٌ مُسَالم،مجتمع منفتح، ونساء في المقاهي، لكن هذه الصورة خادعة، تونس جحيم لمن يعيش فيها. المجتمع التونسي مهزوز، مرتبك، ضائع، لا يعرف في أي اتجاه يسير» (ص 187). ما قاله نجيب كمون يمثِّلُالحقيقة الغائبة لدىالنِّظام الحاكم، وفي ذات الوقت يَكْشِف عن تناقضات السُّلْطة التي تسعى إلى التحديث الخَارجي (الشَّكْلِيّ) وتعلن عنه في برامجها كما تشير الصُّورة في الإعلان الذييحمل اسم الحزب الحَاكم «اِبْتَسم أَنْتَ في تونس»، وممارستها القمعية في الوقت ذاته على الفئات المطحونة التي تمثِّلُ النِّسْبَة الكبيرة من الشَّعب الذين لا يشعرون بشيء وعلى العكس،هم ساخطون وغاضبون وعابسون، ويقاومون قسوة الحياة بالجنس والمخدرات.
-3-
الرِّوَاية تتميز بالبَساطة،باعتمادها على الشكل الكلاسي، وأيضًا على راوٍ محايد يرصد دون التدخُّل، وفوق هذا خلوها من عنصر التشويق، أو الصِّراع. فالأحداث تتلاحق دون وقفات زمنية، فزمنها محدود تسعة عشرَ يومًا، يبدأ منذ وصول السَّارد حتى انتهاء إجازته وعودته مرَّة ثانية إلى فرنسا، أو حتى دون تطوَّر درامي، باستثناء مغامرة ليلى مع الراوي، ومغامرة إبراهيم مع إحدى الفتيات، ما عدا ذلك فالسَّرد هادئ ومتعاقب، والأحداث ربما تتشابه مع ما يأتي في الصُّحف اليومية أو برامج التوك شو. بساطة الشَّكل وعدم الاعتماد على تقنيات سردية حديثة، وغيرها، بمثابة شَكْلٍ مضاد لمقاومة وفضح أيديولوجيا السُّلْطَة الدَّاعيَّة للتحديث، فكأنَّ البَسَاطة بمثابة الرفض لهذه السياسات، ونفس الحال تنامي مسيرة الأحداث دون صِراعٍ وتشويق على وتيرة واحدة، كأنها هي الأخرى بمثابة استسلام، لكن ليس استسلام العاجز وإنما كمناهض لسياسات الدولة وإثبات فشل هذه الأيديولوجيا في التغيير، ومن ثمَّ تظهر أمامه عاجزة، وهو ما يبرز في حالة الاندفاع التي انتابت البشير في دفاعه عن سياسة الحزب. وبالمثل تومئ الحوارات التي اشتملت شخصيات عِدَّة داخل النَّصِّ دائمًا يكون السَّارد طرفًا فيها عن حالات التَّفَسُّخ والانيهار التي آَلَ إليها المجتمع التونسي، وهذه الأُسْرَة نموذجٌ مُصَغَّرٌ له، فمثلاً أغلب حِوارات الزوجين (إبراهيم ويسرى) عبارة عن صِراعات، وخلافات ربمًا لأسباب تافهة، كالخلاف مثلاً على نوع الطَّعام الذي تعدّه للبشير وزوجته عند قدومهما، وقد تكشف الحوارات عن التناقضات التي يعيشها الأفراد دون قناعات بالمسلَّمات التي يؤمنون بها، فحوار يسرى مع السَّارد عن نوعية الملابس التي ترتديها التونسيات، دليل على هذا، فهي لا تمانع من ارتداء المرأة الجينز وفوقه ملابس واسعة، أو الميني وفوقه الحجاب، المهم أن الملابس تستر الجسد على حدِّ قولها، وما أن يقول لها أن بعض المحجبات يلبسن السترينغ، تضحك عاليًا، ثم تقول الله يغفر للجميع (ص12). وقد تكشف اللُّغة المنسربة بين ثنايا السَّرد، رفض تام لهذا المشروع التحديثي، فاللُّغَة التي تتبادلها الفتيات في المقهى، والشَّبَاب في الأَزقة، تكاد تكون لغة فجَّة، لا تتلاءم بأيَّة حَالٍ مع هذا المشروع التحديثي المتوهَّم.
الصِّراع الخفي بين سياسة الدَّولة وأَفْرَاد المجتمع هو ما يُضْفِي عُمقًا وزخمًا على الرواية، خاصَّة عندما تبدأأجهزة الدولة الأيديولوجية المختلفة،في ممارسة أدوارها التي تبدو في كثير من الأحيان قمعية، كما هو الحال في جِهَاز الشُّرطة الذي تتعدَّد حَوادثه ومنها ما مُورِس على الرَّاوي نفسه، فما أن استوقفت الرَّاوي عَرَبة شُرْطة وسأله الشُّرطي في اِستخفافٍ عن هويته، ولـمَّا اعترض الرَّاوي على طريقته قال له الشُّرْطي: «أَنْتَ ليس في فرنسا، فرنسا شيء وتونس شيء، تونس بلاد نظام وأمن فَهمتْ» (الرِّوَاية: ص 91) فهذا الشَّريط اللُّغَوي ينبئ عن لُغَةٍ زَاجِرَة ومستعليَّة،هي لسان حَال رجال الشُّرطة، وفي كثير من الأحيان أحادية تتوَّسدُ بالعنف، كنوعٍ من الهيمنة أو الاحتماء، مثلما حَدَثَ مع الطَّالب الجامعي كما حَكَى السَّائق. أو حالات المزاوجة بين رجال السُّلطة والمال، التي توسِّع الهِوَّة بين الطرفين وما نتج عن هَذه المزاوجة غير الشَّرْعية من فسادٍ، دَفَعَ بأجهزة الدَّوْلة الأيديولوجية (بمصطلح ألتوسير) إلى أن تصير في حالة دفاع مستمر، والدليل على ذلك ما فعله البشير في خطابه الذي رَاحَ يدافع به عن سياسة الحزب الحاكم المنتمي له، وهو ما يُوهم بتناقض مشروع التحديث الذي تتبناه الدَّولة.فمنذ اتّصل بالحزب «نَزَلَ من البرج العَاجي الذي يعيشُ فيه المثقفون، ولمسَ الواقع ويغوص في أوحاله، ومن ثمَّ يجدها فُرْصة للهجوم على المعارضين، ويزيد في تهجُّمه على المنفيين ويتهمهم بأنهم يعيشون في بلاد تتحدَّث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان وهم يعاملونهم كالحيوانات» لكن دون أن ينسى أن تجارته راجت، بل إنّه يشير في زهوة افتخاره بتلك المكاسب التي يجنيها من الحزب، أن حَكَى حكاية تشي باستشراء الفساد وتوغُّله في مؤسسات الدولة كما حدث عندما تمَّ التحايل على الضَّرِيبَةِ التي قُرِّرت عليه ودفع خمسة ملايين فقط بسبب واسطة رِجَال الحزب.
عبرهذا الصِّرَاع الخفي، يظهر خِطَابان متضادان أولهما خِطَابٌ السُّلْطَة، وهو خِطَاب تحديثي تتبناه الدولة وتسوِّغه أجهزتها، عبر مشاريعها ومظاهر التحديث البادية للرائي، وثانيهما خِطَابٌ مناقض له، رافض لهذا المشروع برمته، أهم ملامحه أنَّه يتنبى خِطَابًا متشدِّدًا ورافضًا لهذه الحرِّية، وفي كثير من الأحيان يتبنى خِطَابًا تكفيريًا، والدليل رفضه لنموذجيِّ نعيمة وليلى، وقد وَصل الأمر بالأخيرة لمقاطعتها من قبل أختها الكبرى، والأعجب فمع تمتعها بالحرية إلا أنها نفسها من تُعَبِّر عن القمع من خلال ممارسات البعض ضد ما ترتديه، فتشعر بأن تونس مخنوقة، الأدهى أن هذا الخطاب راح يتسرَّب في المؤسسات التعليمية، وهو ما كان صداه أسئلة وائل للرَّاوي بأن سأله في براءة «عمي توفيق أنت مُسلم؟» وعندما يجيب أبوه نيابة عنه يأتي السؤال الثاني: «لماذا لا تذهب معنا إلى الجامع إذن؟»، فمع العفوية التي يطرح بها وائل هذه الأسئلة إلا أنها تكشف عن نقطة خطيرة تتمثّل في سيطرة الإسلاميين المتشددين على المؤسسات في غَفْلةٍ من الدولة الرَّسمية. هذا الخِطَاب نفسه يَسِمُ البطل وزوجته كاثرين بالكفر من قبل أنصاره، كما أَخبر وائل عمّه عن قول المعلم، ويتكرَّر الأمر نفسه عندما يرغب الراوي في زيارة الكنسية، فيسخر منه المصورون ورجال الشُّرطة، وَيَسِمُونه بالكفر، وكذلك ما فعله الشَّبَاب الملتحي عند انتظاره وائل بعد الصَّلاة.كما أنَّ بعضًا من هذه الأَفكار تَتسَرَّب داخل البيت، فيسرى تستنكر تدخين زوجها بعد الوضوء، وعندما يخبرها بأن الأمر لا يمثِّلُ مشكلة، تعلن له أن سمعت (في إشارة إلى توغُّل الخِطَابِ الدِّيني عبر الفضائيات) «أنَّ الدُّخَان يُنقِضُ الوضوء»
-4-
بهذا يصير التناقض سِمَّةً عَامة لا فرق بين خِطَابِ الدَّوْلَة الرَّسميّ والخطاب الدِّيِنيّ أو بين أشكال الحداثة البادية على الشَّوارع، والعيش في زمن الماضي عند الكثيرين. وقد انتقل التناقض بدوره إلى الشَّخصيات، والحالة الأخيرة، هي إفراز عام للواقع السِّيَاسي السَّيء القمعي الذي تحوَّل كل شيء لأمر الآلة القمعية، فالجارة نعيمة التي تسكن أَسْفَل شقة إبراهيم، تتحجّب بل هي التي أسهمت في ارتداء يسرى الحِجَاب، وإن كانت في الأصل تُمارس البغاء، وتأتي برجل في الشَّقَةِ، وإبراهيم نفسه يحرصُ على صَلاة الجمعة مصطحبًا ابنه الصَّغير وائل،ويفعِّلُ قانون القِيَّم والأخلاق فيغضب ويتساءل متعجبًا: كيف تسكن إلى جواره هذه السَّاقِطَة؟ وفي النِّهَاية يُبلِّغ عنها الشُّرطة، امتثالاً لقانون القيِّم، هو نفسه لا يتورَّع عن شُرْبِ الخمر، وارتكاب مُغَامرة جنسية في وقت صلاة الجمعة بعد أن يصطحب وصديقه فتاتين من بائعات الهوى اللاتي ينتشرنَّ في المقاهي لاصطياد الزبائن. نفس حالة التَّنَاقض التي تبدو عليها يسرى وبسببها تخالف عادتها في تقبيل توفيق، بعد أن ارتدت الحجاب، كما يبدو التناقض في موقفها مع البشير وزجته عائشة، لكن ما تأتي عائشة بهدية لوائل حتى يتبدَّلَ الأمر كله وإن كان من قبل كاد أمر قدومهما والعشاء المرتقَب لأن يتحوّلَ إلى مشكلةٍ عويصه بينها وبين زوجها، تبدَّل كله بسبب الهدية. وهذا التناقض يشير إلى نجاح النِّظَام في تحويل قيم المجتمع إلى قيم استهلاكية، نفعية وفقًا لآليات السّوق التي تنتهجها الدولة في سعيها إلى الرأسمالية. وبالمثل فحالة التناقض في اللقاء الأول ويوم وداع توفيق حيث وضعها المكياج وارتداؤها ملابس فيها ما يظهر أنوثتها، رغم أنها قاطعت أختها ليلى بسبب هذه الملابس،ويشير تبريرها بأنَّ وَدَاع توفيق يستحقُ أن تتمكيج على حدِّ تعبيرها، وبالمثل تناقض شربها للسيجارة ولومها لأختها إلى حالة التفسُّخ الذي بات يعانيها المجتمع التونسي بسبب تلك السياسات التي حدت بأحد أصدقاء إبراهيم في المقهى وهم يتناقشون حول إزدواجية فرنسا وسياسة الكيل بمعيارين والدليل سياستها مع العرب والجزائر النموذج الصارخ في فضح سياستها، وقرارها بمنع الحجاب في مدارسها وإزاء حالة الشَّدِّ والجذب، وكرد فعل على حالة التناقض يتساءل خاصة أن تونس منعت الحجاب في المؤسسات العمومية والمدارس وهي دولة مسلمة: «أنت متأكد من أن تونس دولة مسلمة الآن» (ص 125) ربما هذا التساؤل يلخص الحالة التي وصلت إليها تونس من سياسة بن علي في تغريب تونس عن هويتها الإسلامية، باقتفائه لأثر الغرب في القوانين التي تمنع الحجاب، وقوانين المرأة التي تجعل من نجيب كمون لا يطلِّق زوجته التي لا يطيقها خوفًا من هذه القوانين التي تجردِّه من الشَّقةِ، علاوة على إلغاء إجازة الجمعة مع السَّماح بخروج الموظفين للصَّلاة.
مع إن الرَّاوي قدَّم دوافع هذه التناقضات للشخصيات، لكن وقوع الرَّاوي نفسه في التناقض، رغم أنه يعيش في الخارج، لم يجد ما يبرره، فمنذ أن قَدِم وهو يمنِّي نفسه بمغامرة جنسية مع جارتهم نعيمة التي تبدَّلت من الحِجاب إلى السُّفور، وبالفعل راح يراقبها، وأكثر من مرَّةٍ حاول دخول الشَّقة لكن القدر يحول بينهما،في حين أنَّه رفض دعوة المرأتين في المقهى للقيامِ بهذه المغامرة، وفجأة دون توقُّع يحدث ما كان يريده من نعيمة، لكن مع ليلى، والأعجب أنَّها هي التي خطَّطت لحدوث اللقاء، فمنذ أن أخبرته أن زوجها يغيب عن البيت، ثم طلبها أن توصله بالسِّيَارة وقد راق له.وفي إقدام ليلى على هذا الأمر، تكون هي الوحيدة التي لم تتناقض مع ذاتها فالآخرون يرون أنها منحلة، حتى أختها نفسها ومع هذا ففعلت ما فعلت دون الشُّعور بأسف ٍ، بل برغبة، لكن يمكن أن يدخل ما فعلته من باب القيِّم الاستهلاكية النفعية المكتسبة، حيث أباحت له عن رغبتها في الهجرة، بل أعلنت بوضوح «إذا طُلِّقت هل تتزوجني»، وكأنها تدفع الثَّمَن مُقَدَّمًا.
مع كلِّ هذه القتامة التي رصدتها كاميرا السَّارد، وكأنَّ لا أمل، أو مجرد بصيص هناك، جاء الأمل دون توقُّع، مثلما كانت أسئلة وائل دون توقُّع، وبلا حسابات، كَاشفةً زيف الواقع وتناقضاته، بما فيها الأم التي تُسْرِعُ في حَرْقِ السِّيجارة حتى لا يراها ابنُّها، وائل هو رمز البراءة في زمن الزيف والتناقضات التي تدفع بالأب لأن يَكْذُبَ لتبرير عدم الصَّلاة في حضرة البراءة. فكانت التراكمات للأفعال الخاطئة التي ارتكبتها السُّلطة، وتجبُّر آلتها القمعية، لتسقطَ بعد أن صَارت عاجزةً أمام التجمهرات ورغبات الشُّعوب في الانعتاق من الأَسْرِ.

1