أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مَمْعَطةُ السَّلام…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 29.06.2023

كثيرا ما نسمع تعبير “اسم على مُسمّى”، الذي تكون فيه صفات المسمّى شبيهة أو تطابق صفات حامل الاسم، كأن يكون اسم شخص ما جوادا، ويده مفتوحة، لا يتردّد في الدّفع ودعوات الأصدقاء والتبرّعات للقضايا العامة الخ، فيقال إنّه اسم على مسمّى. وقالت العرب قديما “لكل امرئ من اسمه نصيب”، وقد أثبتت دراسات حقيقة تأثير الاسم على المُسمى.
لكن لكل قاعدة شواذ، وقد يكون الاسم معاكسا تماما للمسمى، وربّما لهذا أيضا علاقة في تربية معينة، فقد يحمل أحدهم اسم جواد، ولكن كفاك الله شرّ بُخله وشِحِّه، فهو يعمل بالضِّد ونكاية بمن أطلق عليه هذا الاسم، فيفاصل ويساوم وينشّف ريق بائع متجول على ثمن باقة فجل أو كيلو البطيخ، فيقال “من المُجرم الذي أسماه جوادا”!.
كذلك تجد رجلا دمه خفيف ويحبُّ المزاح ولكن اسمه “نكَد”، والمقصود أنّه نكَدٌ للأعداء.
من الملفت أن تسمية “السَّلام” للمصالح في المدن والقرى العربية الفلسطينية في مناطق 48 كثيرة، بل كثيرة جدّا،
ولهذا وجهان، أوّلا هو نوع من الدعاية لجذب الزبائن اليهود وخصوصا في المدن المختلطة، أو في المصالح على أطراف البلدات التي تدخلها “رجل غريبة” وقد يمر منها مواطنون يهود من الجوار أو عابرو الصدفة.
وهنالك تسميات (السّلام) ليس لديها هذا الطموح، مثل “قاعة السّلام للأفراح” داخل قرية عربية فصاحبها بالتأكيد لا يطمح بزبائن يهود لأن هذا بعيد عن المنطق.
لكن التسميات الكثيرة تعكس عقدة يعاني منها مجتمعنا، تمكّنت آلة الدعاية الصهيونية المكثّفة في زرعها والتشكيك في نوايانا السِّلمية، حتى صرنا بحاجة دائمة لإثبات رغبتنا في السّلام.
عندنا غسيل سيّارات السّلام، وقطع غيار السَّلام للسّيارات، ومطبخ السّلام.
عندنا مدرسة السَّلام، وهو اسم لطيف لمدرسة، فطلابنا ينشدون السَّلام مع محيطهم ومع أنفسهم ومع الآخرين.
حلويات السّلام، تتناول الكنافة أو الهريسة بسلام عادل وشامل، دون التعرّض لأذى من أي جهة كانت.
مسجد السّلام في الناصرة مثلا، وفيه إيحاء كبير لرغبة المسلمين في الحياة السِّلمية مع الطوائف الأخرى.
صالون السّلام للعرائس، يعني لن تخرج العروس من هنا إلى ميدان القتال.
قاعة السَّلام للأفراح، يعني حفل الزفاف سيمر بدون طوشة وتكسير طاولات وكراسي.
خضار السّلام، موز وبطاطا وبندورة وشمندر مسالم جدا، وكمبيوترات السَّلام، لا فيروسات ولا هاكِرز، وسفريات السَّلام، إن شاء الله نصل بالسّلامة.
لا تنفرد بلدة عربية دون أخرى بهذه السيميائية الشَّفافة، بل هي تسميات منتشرة في كل البلدات والمدن العربية، إلا أن أغربها لافتة أبتسم كلّما رأيتها، هي “ممعطة السَّلام”، هل هي كذبة السّلام أم معط هذا السَّلام بعد ذبحه وسلقه في ماء ساخن ثم تقطيعه.
والمعط هو مدُّ الشّيء، ومثلها المَغْط للشّيء.
والرّجل الأمعط، تعني الرّجل الذي لا شعر على جسده، فمعطُ الدّجاجة، هو جعلها بلا ريش.
من يكذب عندنا يقولون أنّه يمعط ومعّاط، وكذبته تسمى مَعْطة، ويلقّب ب (أبو مَعِط )، إذا كثُر كذبه، ومصدرها مدُّ الكلام ومطّه ومغطه وزاد فيه.
وقفت مرّة وراقبت كيف يمدُّ العامل يده من خلال فتحة في القفص ليسحب دجاجة إلى مصيرها في الذّبح والمَعط، يمد يده عشوائيا، أحيانا دون النظر إلى الهدف، وبصورة غريزية تبتعد الدّجاجات وتتزاحم في الزاوية إلى أقصى نقطة ممكنة في داخل القفص، تحاول كلٌ منها أن تكون الأبعد عن القبضة الممتدة، وأن تنجو مما هو حتمي، وبهذا تؤجّل مصيرها ساعة أو بضع ساعات، ولكن في آخر النهار سيكون القفص فارغا تماما، وكلُّ فرخة منها ستكون قد مرّت بالمراحل التي لا بد منها، حتى الوصول إلى مائدة مواطن، ما وإلى جهازه الهضمي.
الفِراخ مُهمّة جدًا في حياة البشر، وتعتبر في بلدان كثيرة، مقياسا لغلاء أو رُخص المعيشة، فأوّل ما ترتفع الأسعار تؤخذ الفِراخ كمقياس، ويوجد في مصر بورصة دواجن، تتابع الأسعار يوميا.
كيلو الفراخ الأبيض اليوم صبيحة أول أيام العيد 67 جنيها، بينما الفراخ البلدي 90 جنيها.
وجاء في الأدبيات الشَّعبية المحكية في مظاهرات المصريين! من كلمات أحمد فؤاد نجم.
همَّ بياكلوا حمام وفراخ
واحنا الفول دوّخنا وداخ.
وفي بلاد الشام يقولون” ناس بتوكل جاج وناس بْتِقع في السّياج”، وفي العراق يقولون “ناس تاكل دجاج وناس تتلقى العَجاج” والعَجاج هو الغبار أو الصُراخ في هذا السياق، وهي مثل الوقوع في السّياج.
في خضم تسميات السّلام في بلادنا لا أستطيع تجاوز تسمية (جادة السّلام) في مدينة كرمئيل التي تركب قرى منطقة الشاغور في الجليل، لا أستطيع القول إنها بمحاذاة أو تحدُّ القرى العربية في المنطقة، فالحدود تعني أن هذا لي وذاك لك، فهي لا تحدُّ بل قامت فوق أراضيها وما زالت تتمدّد، ولهذا فهي تركب القرى المحيطة ولا تحدّها.
تسمية الحي الغربي منها بـ”جادة السّلام”، من قبل لجنة التسميات في بلدية كرمئيل، هي مَعطة من معطات التضليل الكثيرة، فقد أقيمت “جادة السّلام” فوق ما كان يوما حي رمية، وكان سكانه من بدو عرب السّواعد، ورفضت البلدية والسُّلطة من فوقها أن يكون الحي جزءا من المدينة التي أقيمت أصلا تحت راية تهويد الجليل، وقد اقتلع الحَيُّ وسكانُه مقابل تعويض ركيك أو سخيف، وكما يقال أعطوهم “من الجمل أذنه”، وذلك بعد الوصول إلى قاعات المحاكم ونضال شعبي وبرلماني وخسارة جزء كبير من أموال التعويض إلى المحامين.
معظم سكان جادة السّلام من الناطقين بلغة بوشكين وتشيخوف وبطرس الأكبر كما لو كان حيّا في سانت بطرسبرغ، وهكذا استحق من السُّلطة اسم “جادة السّلام”، كي لا تعرف الأجيال القادمة عن حقيقة طرد البدو من مسقط رؤوسهم وتوزيعهم على القرى العربية الأخرى.
وفي هذا السياق لا بد من الالتفات إلى اتفاقات سلام أوسلو، فهي أقرب ما يكون إلى ممعطة السّلام، سواء كانت بمعنى الكذب والمعط، أو بالمعنى الحرفي من ذبح وسلق ومعط للأرض وأكل الحقوق.

1