أحدث الأخبار
الجمعة 04 تشرين أول/أكتوبر 2024
الأُم عمود الصمود الفلسطيني!!
بقلم : سهيل كيوان ... 28.03.2024

إضافة إلى الأهداف المعلنة للحرب على قطاع غزة، وإلى ما يمارس من حرب إبادة تسعى حرفياً إلى تخفيف الأعداد البشرية في قطاع غزة، يسعى الاحتلال إلى تخريب المجتمع الفلسطيني، وتقويض أركانه وأسباب صموده الطويل، وإلى خلخلة الوعي والمسلمات الاجتماعية والثقافية، وتفتيت اللبنة الأساسية للمجتمع الفلسطيني وهي الأسرة، فأصحاب القرار في دولة الاحتلال يدركون مصدر قوة المجتمع الفلسطيني وتماسكه، ومثابرته في المطالبة بحقوقه والتصدي لمخططاتهم.
رغم الضربات القاسية التي تعرض لها هذا المجتمع في مختلف أماكن وجوده على مدار عقود، وفي مختلف مراحل الصراع الرئيسية المباشرة مع الاحتلال، والفرعية منذ النكبة الأولى، هذه القوة كمَنَت في التكافل الاجتماعي الذي يميز المجتمعات العربية عموماً والمجتمع الفلسطيني بشكل خاص والذي تقف الأم في مركزه، وذلك من خلال التمسك بصلات الأرحام وتعميقها وتقريب البعيد منها، فالحاجة إلى الشعور بالأمن تقرب البعيد، وتحيي العلاقات الأسرية والعائلية والإنسانية التي تراخت، وتعيد للقيم الأساسية حضورها ودورها، خصوصاً التي يحض الدين الحنيف عليها مثل صلة الرحم، إلى جانب الواجب الوطني والإنساني تجاه المنكوبين، وليس تجاه ذوي القربى فقط.
يسعى الاحتلال إلى تفكيك الأسرة الفلسطينية، التي صمدت، رغم كل التضحيات والمآسي والضربات المؤلمة، يسعى إلى منع التئامها من جديد، ومن ثم استقرارها وإعادة بناء ما تهدم
في الظروف الصعبة، يصبح ذوو القربى والجيران والأصدقاء وأبناء الحي والبلدة، بحاجة أكثر إلى بعضهم بعضاً. وعندما يعلن الاحتلال خلال مفاوضات وقف إطلاق النار موافقته على عودة قسم من النساء والأطفال فقط إلى شمال قطاع غزة دون الشبان والرجال، ويحدد أعمار من يسمح لهم بالعودة إلى مناطق سكنهم التي هدم أكثرها، ومن لا يسمح لهم، فهو يسعى بهذا إلى تفكيك الأسرة الفلسطينية، التي صمدت، على الرغم من كل التضحيات والمآسي والضربات المؤلمة، يسعى إلى منع التئامها من جديد، ومن ثم استقرارها وإعادة بناء ما تهدم من بيوت وغيرها. يسعى الاحتلال إلى تقسيم المقسم، وفي هذا السياق، سعى إلى تكليف بعض زعماء العشائر لإدارة قطاع غزة، في ما يُسمى اليوم التالي بعد حكم حماس، على أمل أن يزرع بذور الفتنة بين فصائل المقاومة والعشائر من جهة، والعشائر بعضها ببعض، وإعادة المجتمع الفلسطيني خطوات إلى الخَلف، وهذا ما تنبه له زعماء العشائر، ورفضوا أن يكونوا وكلاء للاحتلال، إضافة إلى سياسة فرق تسد التي ينتهجها بين الفصائل، يسعى الاحتلال إلى تقويض التكافل والتراحم بين الناس، وتخريب الثقة وتشتيت أبناء كل أسرة فلسطينية بعضهم عن بعض، والعودة إلى سيناريوهات النكبة الأولى عام 1948، بحيث تتهشم العائلات التي تأسست في العقود الأخيرة، فإذا ما عجز عن تهجير مئات الآلاف إلى الدول المجاورة، كما حدث عام النكبة، وذلك بفضل تشبث الناس في البقاء في وطنهم رغم جرائم الاحتلال، وصمود المقاومة الطويل الذي حظي بتعاطف العالم واستيقاظه، فإن الاحتلال يسعى إلى استمرار التهجير وتقسيم الأسرة الواحدة داخل منطقة قطاع غزة نفسها، فيسمح لجزء من أبناء الأسرة بالعودة إلى العيش في الشمال والجزء الآخر يبقى في الجنوب، حتى يصبح اللقاء بين الرجل وزوجته وأبنائه منوطاً بتصريح من الحاكم العسكري المُمثل للاحتلال، أو من وكيله العربي الخاضع لرقابته، ليتحول قطاع غزة من سجن كبير كما كان منذ عام 2007، إلى أقسام وحظائر أصغر فأصغر. هذه المقترحات العجائبية التي لم يعرف أي شعب تحت الاحتلال مثيلا لها، تجري ضمن خدمة حلم الاحتلال الأكبر، وهو الضغط على من يبقى حيا من سكان القطاع إلى الهجرة، إضافة إلى القتل والتخريب الممنهج، وصوت الزنانة المستفز المدمر للأعصاب الذي لا يتوقف منذ أشهر، فهناك الضغوط الاجتماعية، فالبيت الذي كان يسكنه ستة أفراد، صار يسكنه عشرون نفراً، إضافة إلى مئات الآلاف في ملاجئ النزوح في المدارس وفي الخيام وغيرها، وهذا يسببُ احتكاكا وضغطا على جميع المقيمين في هذه الأماكن، فالناس ليسوا ملائكة، ولكل منهم الحد الأدنى من الاحتياجات الخاصة، ورغم التربية على الصبر والتحمل والاحتساب، واللجوء إلى الله طلباً للغوث، تنشأ توترات وخلافات، على أمور تافهة أحياناً بين الشقيق وشقيقه، وبين أبناء العمومة بعضهم مع بعض، وبين الكنائن والحموات، وبين الأطفال الذين يحبهم الجميع، فكل واحد من هؤلاء يحتاج إلى مساحته وحصته من الحياة مهما كانت محدودة، ولا يتساوى الناس في الصبر والثقافة والوعي والقدرة على التحمل، واستيعاب الظرف الذي يمر فيه الجميع، ورغم كل النوايا الحسنة التي تضمرها الأكثرية، إلا أن الضغط ينفجر بين حين وآخر هنا وهناك، وفي أحيان كثيرة يتحول إلى مشادات كلامية، وحتى إلى استخدام الأيدي وما أكبر وأخطر، وفي هذا تلعب الأمهات دورا أساسياً في تهدئة الخواطر، وإعادة المياه إلى مجاريها بين أبناء العائلة المُوسعة.
إضافة إلى ضغوط الاحتلال، نشأ لصوص وعصابات إجرام لم يكن لها وجود قبل الحرب، تلعب دوراً تخريبياً من خلال فرض مختلف الإتاوات على الناس، مثل احتكار الدوْر في الوقوف أمام الصراف الآلي – حيث بقيت أجهزة كهذه، لأن أكثرها دُمرت أو اقتلعت من مكانها – أو الوقوف في طابور للوصول إلى تعبئة جرة الغاز، أو طابور الحصول على مواد تموينية ومساعدات إنسانية، فقد تحول كل حاجة إلى طابور، وهذا يعني الوقوف ساعات حتى يصلك الدور، هذه العصابات ممكن أن تختصر دورك وتنقذك من انتظار ساعات مقابل دفع إتاوة تتراوح بين خمسين إلى مئة شاقل، وهذه مبالغ كبيرة بالنسبة للأسر، التي فقدَت مصادر دخلها، أو التي لم يكن لديها دخل ثابت ومدخرات قبل الحرب. زعزعة استقرار أمن الأسرة الفلسطينية تمارس كذلك من خلال محاربة منظمة الأونروا التي تشغل الآلاف الذين يعملون فيها براتب ثابت، أو من خلال المساعدات التموينية التي توزعها على النازحين واللاجئين قبل وبعد الحرب. أمريكا الراعي المُخْلص والشريك في حرب الإبادة تُسهم في سياسة الفوضى والإفقار من خلال إعلانها تجميد دعمها للأونروا، وبهذا تتماثل مع جهود الاحتلال لتقويض الأسس المادية التي تعتمد عليها مئات آلاف الأسر الفلسطينية في صمودها، سواء المهجرة حديثاً أو المهجرة قديماً من قبل الحرب. بهذا تقدم إدارة أمريكا خدمة للاحتلال، وتشاركه في محاولة القضاء على قضية اللاجئين التي تعتبر لب الصراع الفلسطيني الصهيوني.
في صدارة الصراع اليومي، مع القصف وبراثن الموت، ومواجهة الجوع والضغوط النفسية بمختلف مصادرها الكثيرة تقف الأم الفلسطينية شامخة متحدية، رغم الآلام وأسبابها الكثيرة التي تهد الجبابرة، فهي عمود الخيمة والحبل المتين الذي يبقي على تماسك الأسرة والحلقات القريبة منها، وتبقي على صلات الأرحام وتحث عليها كأساس القدرة على الصمود وبث روح الأمل في مواجهة التحديات وبالتالي، فهي القوة الأساسية في إفشال مخططات وأحلام الاحتلال السوداء!!

1