يترَاءَى لَديّ ولَدى الكَثيرين في عَصر الإعلَام المَرئِي والإذاعَات والصَّحَافة والتكنُولوجِيَا ومَا تَحْملُه في طيّاتِها منْ وسَائِل التَّواصُل الاجتِمَاعِي وغيرهَا؛ يتَرَاءَى لدَينا المُتَملِّق، المُتسلِّق، والطَابُور الخَامِس والذِين صنَّفُوا أنفُسَهم بدُعاة الحُريَة والعَدْل والمُسَاواة وخاصَّة في قَضَايَا المَرأة.
تَمكِين المَرأة مُصْطَلح مَطَاطِي فَضْفاض وجَبَ إعَادة صِياغَتِه أو تَعرِيفِه أو تَحْدِيده ضمن إطَار يِتنَاسبُ معَ المَرحلَة والأهْدَاف العَادِلَة والحَكيمَة لتَمكين المَرأة، وليسَ( حَقّ يُرادُ بِه باطِل)، أو تَغليِف الشِّعَار العَام بِمضْمُون بَعيد كُلّ البُعد عَنِ الهَدَف الحَقِيقي. أنا معَ المَرأة المُهمَّشَة بأن تأخُذ حَقَّها في الحَياة مِن عَمَل وتَعلِيم واخْتِيَار الزَّوج. أنا مَع المَرأة مِن ذَوي الاحْتيَاجَات الخَاصَّة لمُسَاعَدَتِها في اسْتثْمَار مَا لَدَيها منْ طَاقَات وإمْكَانَات لتَشْعر بنَفْسِها أنَّها طَاقَة فَاعِلة ولَيْسَ مُعطَّلة وأنَّها فردًا فِي المُجتَمع مثْلَها مِثل أيّ إنْسَان، أنا معَ المَرْأة المُعنَّفَة بأن تَعْرِف حُقُوقَها وكيْفَ تُدَافِع عَنْ نَفسٍهَا ضِدّ الجَهَلة، أنا معَ المرْأة الضَّعيفَة والتِّي لَا تَقْوَى علَى الدِّفاَع عَن نَفْسِها ضِدّ مَن يُريد إضْعافَها أو سَحَق قُدُرَاتِها، أناَ معَ المَرْأة العَالِمَة التِّي هي فِي الظّل والتِّي لا تَستَطِيع أنْ تَصِل إلى أصْحَاب القَرَار لتَأخُذ فُرصَتَها وتَفرِض عِلْمَها عندَ الدَّولة والمسئولين.
أنَا معَ هَؤُلَاء النِّسْوة ,, لتَمْكِين المرأة بوجه حقّ لكن ما نراه هذه الأيّام والظلم الكبير الذي تتعرض له, ولَعبَ دَور الضَحيّة لِعَدَد كَبِير من نِسَاء المُجتَمَع العَرَبي المُنفتَحَات أصْلا ًوالمُتمكِّنَات جَهْرًا ما هُو إلا إسْفَاف ودَعْوة مَجَّانِية للتَمرُّد السِّلبِي ضِدّ كلّ شَيء فَقَط ليثْبتُوا بأنَّهُن موجُودَات وأبْوَاق لقّضّ مضْجَع التَّوَازن المُجتَمعِي والسَّلام الأُسَري. قَد أُهاجَم من هؤلاَء المُنفَتِحَات وقَد يتَّهِمُونِي بالرَّجعيّة، لكِن ما أنا مُؤمِنَة به هُو إن أرَدت أنْ تُطاع فاطلُب المُستطاع.
والمُستَطَاع مِن وِجْهة نَظَرِي هُو إعَادة تَعرِيف المُصطَلحَات المَطَاطِية التِي يتشدَّقْنَ بهَا هَؤلاَء النِّسْوة بدَعْوى تَحقِيق العَدْل والمُسَاواة. الغَوغَائِية والضَّبابِية في المَطَالِب قد تَزِيد من احتِقَان المُجتَمعَات وتَفرز فِئَات جُل اهتِمَامَها إثَارة النَّعَرَات والمشَاكِل ما هُو إلا دَعْوة مجَّانِية للمَرأة بأَن تَزيدَ مِن العُنف ضِدَّها.
مَنْ ربَّى الرَّجُل علَى اضْطِهَاد المَرأة هي المَرأة نَفسها بِدءً من أمِّه، من سَمح للأنْثَى بأن تُعنَّف مِن زَوجِهَا وتَصبِر علَى المَهَانَة هِي أمُّها بالدَّرجَة الأولَى والتِي هِي المَرأة التّي نُدافع عنْها، مِن ربَّى عِند الفَتاة عُقدة الخوَف وعَدم الثِّقة هِي أمِّها وأبِيها معًا. حَديثِي هَذا ليسَ تبرئة للرَّجل من جَميع المَشَاكِل وبَعض التَّعقيدَات التِّي يُحدثها فِي تعامُله معَ المَرأة سَواء كَانت تِلك المَرأة أُمّه أو أختَه أو زَوجَتَه أو ابنتَه، لكِن من يربِّي (الذَّكَر )هِي امرأة، فلنَبدأ مِن هُنا إن أرَدْنا إصْلاح المُجتَمعَات ولَيسَ أبواقٌ ناعِقةٌ بلاَ فَائِدة مَرجوَّة. التَّربية سُلوك اجتِمَاعي حَضَارِي يُبنى عَلى أُسُس وأخلاقِيَات اجتِمَاعِيّة وثَقافِّية وعِلميّة مَعيّنة فإمَّا يَسِير علَى طَرِيق صَحِيح ويُنشَئ جِيل طَبِيعي يَعرِف مَا لهُ ومَا عَليه، وإمَّا أَن تَتعمَّق الفَجَوَات وتَتشَكَّل العُقَد والمشَاكِل التّي نَتحَدَّثُ عنها اليَوم. المرأة كيان تحكُمه العواطف بحكم تركبيتها الفسيُولوجية ومزاجِها المتقلّب بحُكم أيضًا تكوينِها الجِسماني. لا كل ما تدعُو إليه المرأة حَقّ، ولا كُلّ ما تَسكت عَليه المَرأة صَحِيح، ولا كُلّ تضْحِياتِها إن وُجِدَت في الاتّجَاه الصَّحِيح. إذا ما يجِب أن يَحكُمنَا هُو العَقل باعتِبَارِه السَّيد ومَن ثَم القَلب الذِّي هو الخادم لهذا السّيد. ازدِوَاجِية المَعَايير لَدي الكَثِير مِن النِّساء ما هُو إلا ترنُّح يُضَاف إلى الذّبْذَبة في المَطَالِب والحُقُوق.
أنا مِن مَوقعي وعَمَلِي فِي قضَايا المَرأة دَوري يَكْمُن كامرأة استطَعت أن أُمَارِسُه كامرأة متمكِّنَة لأُمَكّن غَيرِي مِمَّن لَم يسْتطِعْن الوصُول لصُنْع القَرَار أو أن يُسمَع صَوتُهُنّ، أو أن أكُون المِنْبر للنِّساء اللَّاتي ذَكرتهنّ في مُقدمة المَقال، أن أكُون لَهُن الدَّاعم الحَقيقي، ولَن أقْبل بأنْ أكُون التّي تدْعُو إلى الجَهْر بِكلّ ما هُو غير سَوي؛ وفي مَعرِض الحَديث عَن هَذا الشّأن استحضِر ما حصَل مُؤخّرا عندما تُوفِيت الرِّوائية والكَاتبة "نَوال السَّعداوي" وكَم الهُجوم عليهَا وكمَّ التّعاطُف معَها أيضًا، أنا لسْتُ مَع أو ضِدّ أنا معَ ما يقبلُه العَقل والمنْطِق وما يُبْغِضُه القَلْب واللّسَان. أوّلًا الإنسَان علاقتُه بربّه أو إيمانِه به هي علاقَة خاصَّة جِدًّا لا يجُوز أن نُجهِر بها أو نُعمّم أفكَار قَد تبدُو مُتطرِفة وغَير مَنطِقية ثُم نعتبرُها حُرية شَخصِية ودَعوة للانفتَاح وتَقبُل الاخْتلَاف أو وجِهَات النَّظر. ثَانيا، تأييد الكَثيرِين ومَديحِهم للكَاتِبة نَوال السَّعداوي يَكمُن في سَعيها لتَحرِير المَرأة من العُبوديِة حسب رأيها، ومسَاواتِها مع الرَّجل، والدِّفاع عَن حُقوق المِرأة والتِّي من وِجهة نَظرِها لا مَكان لَها في جَميع الأدْيان، والكَثير الكَثير مِن القضَايا الشَّائِكة التِّي طَرحَتْها مِن خِلاَل مَسِيرتِها المُثيرة للجَدَل والعَناوين الرَّنّانة لدغْدَغة المَشاعِر واسْتنهَاض العَواطِف.
أنا لَستُ ضِدّ الدِّفاع عنها أَو تأييدها ،لكِن كما قَال الشَّاعر والفيلسُوف الألمانِي فريدريكْ نِيتْشة: ـ نحنُ نمْدحُ ما يُلائِم ذوقَنا؛ وهَذا يَعنِي، أنَّنا عندمَا نُمدَح، فنحنُ نمدَحُ ذوقنَا الخاصّ ـ ألاّ يًخالِف هَذا كلَّ ذَوقٍ سَليمٍ. وهُنا وجَبَ وضْع كلّ قَضِيّة أو صَاحِب فِكر مُعين نَتحدَّثُ عَنه أو نَطرَحُهُ للنِّقاش ضِمن إطار وَاضِح ومُحدّد وذِكر الأهداف والرُّؤية والفِئة المُستَهدَفة، والأهَّم من ذَلِك المَوضُوعية والشَّفافية والوُضُوح في الطَرح .
التَّعمِيم هُو آفَّة فِكرُنا، أن نُجهِر بِما نَراه صَحِيح وبالوَاقِع غَير ذَلك أو العَكس سَيَضَعُ القارئ أو المُستَمَع في حِيرَة وضَياع وتَشتُّت. وِجْهات النَّظر تَبقى كَذلك لكن، لا يُمكن وضْعُها كُمسلَّمات لا يَجُوز الأخْذ والرَّد والنِّقاش فِيها. إن أرَدْنا فِعلا تَنمية بَشَريّة حَقيقيّة فلنَبدَأ مِن أنْفسِنا. "الفَرَاشة بجَمالِها ورَوعَتِها عِندَما تقترِبُ مِن الضَّوء تُحرَق"، وكَذلِك مَطالِب المَرأة العَادِلة عِندَما تَصِل إلى الفَوضَى تَمُوت.
حق يراد به باطل!!
بقلم : مها صالح ... 06.04.2021