في خطوة تأخرت لأكثر من 90 عاما، أعلنت وزارة الصحة في مصر أخيرا تدريس مناهج علمية حول خطورة ختان الإناث والأضرار الجسدية والنفسية التي تتعرض لها الفتاة والمرأة، في مختلف كليات الطب الحكومية بدءا من العام الدراسي المقبل.
يستهدف قرار تدريس مناهج علمية حول خطورة ختان الإناث توعية الأطباء من خريجي أقسام النساء والتوليد في الجامعات الحكومية، على أن يتم نقل الفكرة إلى الجامعات الخاصة في العام الدراسي المقبل.
وتمثل هذه الخطوة نقلة نوعية في تحرك الحكومة للقضاء على ظاهرة ختان الإناث، وهي الجريمة التي ترتكب على يد أطباء لم يدرسوا في الكليات أي مناهج تتعلق بالختان، ويقومون بهذا الفعل عن جهل لأسباب تتعلق بإرضاء الأسر الراغبة في ذلك ومن ثم تحقيق مكاسب مادية كبيرة.
ويضاف هذا التحرك إلى سلسلة من القرارات اتخذت من جانب الحكومة المصرية مؤخرا، وأهمها رفع عقوبة الختان من اعتبارها جنحة يعاقب مرتكبوها (الأسرة والطبيب) بغرامة مالية والحبس لعدة أشهر، إلى جناية تصل عقوبتها إلى الحبس المشدد 15 سنة مع غرامة مالية باهظة.
وتعول منظمات نسائية وحقوقية عاملة في مجال مكافحة ختان الإناث على قرار تدريس منهج علمي عن الختان بكليات الطب، يساهم بنسبة كبيرة في وقف الظاهرة، خاصة وأن أحد أسباب انتشارها يرجع إلى تركيز جهود التوعية على المضاعفات الصحية فقط لختان الإناث، فاتجهت الأسرة للطبيب بدلا من “الداية” وهي امرأة غير متعلمة تقوم بدور ممرضة في مصر، تلافيا للمشكلات الصحية.
وقال حسام عبدالغفار الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للجامعات في تصريحات صحافية، إن ما سرّع من وتيرة وضع مادة خاصة بالختان في مناهج كليات الطب، أن آخر نتائج المسح السكاني لعام 2015، الصادر عن وزارة الصحة والسكان، أثبت أن 82 بالمئة من ممارسات ختان الإناث تتم على أيدي الفريق الطبي “الأطباء وفريق التمريض". وبيّن المسح السكاني أن نسبة الفتيات المختونات في مصر تصل إلى 97 بالمئة، وأن النسبة في المناطق الريفية بلغت 99.5 بالمئة مقابل 94 بالمدن، وكانت المفاجأة أن قرابة 82 بالمئة من النساء عموما يؤيّدن ختان الإناث، بينهن 91 بالمئة في الريف، مقابل 70 بالمئة في الحضر.
وقالت وزارة الصحة إن الجامعات سوف تعلّم طلبة الطب أن الختان ليس جزءا من ممارسة المهنة، وبالتالي سوف تدربهم على أن هذا الفعل بشع وبغيض وجريمة ضد الدستور والقانون.
وينص قانون العقوبات المصري على أن “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تتجاوز سبع سنوات كل من قام بختان لأنثى بأن أزال أيا من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء".
ويرى أنصار الفكرة أنها خطوة مهمة للغاية نحو ترسيخ ثقافة ذهنية لدى أطباء المستقبل أن عمليات الختان جريمة لها مخاطر صحية شديدة على الفتاة وليست عملية طبية أو تجميلية كما يسميها البعض منهم، كما أنها تمثل خطورة كبيرة على مستقبل الطبيب إذا قام بذلك، لأنه سوف يتعرض للسجن المشدد، فضلا عن أنها مخالفة للشرع حسب فتاوى المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية.
ورأى طارق أمين عضو مبادرة أطباء ضد الختان، أن تدريس مادة خاصة بختان الإناث في كليات الطب سوف يجعل الأطباء على مقربة من مخاطر ارتكاب هذه الجريمة، خاصة الذين يعملون في المناطق الشعبية والريفية التي تتمسك بالعادات والتقاليد وتنظر إلى الختان على أنه نوع من “العفّة والطهارة” للفتاة.
وأوضح لـ“العرب” أن تدريس الختان إقرار بأن ذلك “مرض مجتمعي يحتاج إلى العلاج”، مشيرا إلى أن العلاج الحقيقي الكف عن ممارسة هذه العادة، ويكون الطبيب على دراية بالمخاطر، ويتحتم عليه نقل ما درسه للأسر التي ترغب في إجراء عمليات ختان، بحيث يكون هو عنصر توعية مهم وليس مجرد رافض للختان.
ولفت إلى ضرورة تكثيف الدورات التدريبية والتوعية الأهلية والإعلامية من المتخصصين دينيا وطبيا ونفسيا للأسر نفسها، بحيث يكون هناك توجه عام من الحكومة والمجتمع لنبذ هذه العادة السيئة، والتوعية بخطورتها، وذلك ليس بالأمر السهل، لكنه في حاجة إلى “ثورة مجتمعية وحكومية لجعل مصر خالية من هذه الثقافة".
ويرى متابعون لظاهرة الختان في مصر أن كسب ولاء الأطباء وتدريبهم على احتراف التعامل مع الأسر وتصحيح الأفكار والمعتقدات والموروثات المغلوطة لديهم حول الختان، كل ذلك يمهد الطريق أمام إعلان مصر دولة خالية من الختان.
ويخشى هؤلاء أن يتسبب امتناع الأطباء عن ممارسة الختان في عودة لجوء بعض الأسر في القرى والنجوع إلى ختان فتياتهن بطرق بدائية عن طريق الممرضات و”الدايات”، ما يعظّم المخاطر الجسدية والنفسية، وبالتالي فإن توعية الأطباء بتدريس مادة عن الختان جزء من حل المشكلة، ما دام استمر وجود البديل الذي يقوم بارتكاب هذه الجريمة.
وتتعالى أصوات في مصر بسرعة دمج مخاطر إجراء عمليات الختان ضمن المناهج الدراسية في المدارس، لتوعية الطلاب الذين سوف تتشكل منهم الأسر في المستقبل القريب، بأن هذا الفعل مخالف للإنسانية والأديان ويودي بحياة الفتاة.
وترى سوسن منصور أستاذة علم الاجتماع، أن القضاء على ظاهرة ختان الإناث بحاجة إلى التحرك في أكثر من اتجاه، بينها تدريس مخاطر الختان في مختلف المراحل الدراسية بالتعليم قبل الجامعي للحد من الظاهرة مستقبلا، أما من يعيش في مخيلتهم أن هذا الفعل مباح، فلا بد من تطبيق القانون عليهم. الاتجاه الثاني، أن تكون هناك حملات توعية على نطاق واسع في المناطق المحرومة من التعليم والبعيدة عن رجال الدين والإعلام، وينزل المتخصصون لهذه المناطق، ولا مانع من تهديد الأسر بفرض عقوبات مادية عليها مثل التلويح برفع الدعم المقدم من الدولة إليها في حال إجراء الختان لفتياتها.
وأضافت لـ“العرب” أن الحراك السريع من جانب وزارات وهيئات عديدة للقضاء على ختان الإناث يعكس وجود رغبة حقيقية لدى الحكومة في مواجهة الظاهرة، وهذا لم يكن موجودا من قبل، ما يشي بأن الحرب على هذه العادة سيئة السمعة مستمرة للنهاية، واصفة تخصيص مناهج بكليات الطب للتوعية بمخاطر الختان بأنه “قرار عقلاني لكنه يستهدف الجاني فقط”، في إشارة إلى الأطباء!!
ختان الإناث مرض مجتمعي من دون علاج!!
بقلم : أميرة فكري ... 31.07.2017
المصدر : العرب