تقول إحصاءات عالمية إن 70٪ من النساء في العالم يتعرضن للعنف خلال حياتهن، وبلا شك أن لأمتنا المجيدة ولشعبنا العظيم نصيباً عالياً من هذا النشاط، إذ تبدأ بذور العنف ضد المرأة، منذ وجودها مضغة مخلّقة في رحم أمها.
الأم نفسها تمارس التمييز ضد جنينها الأنثى، فعندما تذهب إلى العيادة لفحص نوع الجنين بالآلتراساوند، تعرف نوع الجنين من ملامحها وهي خارجة لتبشّر زوجها: ولد ولد…!
- جدّ..!
-آه الحمد لله ولد. ويسرع الوالد ليتصل بصديقه القريب أو أي شخص ليشاركه فرحته.. الحمد لله زوجتي حامل بذكر» ولكنه يستدرك ..»حتى لو كان أنثى عادي..!». صحيح أنه لا يلطم إذا كان أنثى ولكنه عادة ما يقول «أنثى …طيّب الحمد لله على كل حال…المُهم أن تقومي بالسلامة!» وهذا رده نفسه عندما يبشّرونه بأن سيارته ضُربت من الخلف!
ثم تنطلق مسيرة التمييز ابتداء من العقيقة التي تقام لميلاد الذكر بذبح شاتين، وللأنثى شاة واحدة، العقيقة أهملت لفترة طويلة في بلادنا، كما يبدو بسبب الظروف الاقتصادية، ولكنها في العقدين الأخيرين عادت لتظهر، إلا أن الأكثرية تهمل العقيقة لميلاد الأنثى، وتعتبرها أمراً من شأن ولادة الذكر فقط.
ينمو الطفل الذكر مكتسحاً كل العوائق الاجتماعية، فيُسمح له في كثير من الأحيان بالظهور عارياً على الملأ، أو الهرب إلى الحارة ومؤخرته تلمع في الشمس، وعندما يقوى عوده، لا يلبث أن يحصل في كثير من الأسر، على تصريح بضرب أخواته الإناث، فإذا مارسن حق الدفاع عن النفس، ووجهن بالتحيّز له من قبل الأهل، وقد يتعرضن للضرب من جديد، كي يتعلمن الدرس، والإذعان له!
الطفل الذكر نفسه يصبح ضحية، فيظن أن من واجبه كشقيق تولي أمر تربية أخواته الإناث، وهو يظن أن «التربية» تعني ضربهن، وما أن يتقدم في سن المراهقة، حتى يصبح رقيباً، فهو الذي يقرر المحظورات والمسموحات لهن، وحتى قائمة الصديقات، بتشجيع من الوالدين.
في المراحل الدراسية حتى الثانوية، يكون التفوق من نصيب البنات، وتحصيلهن أعلى بكثير من الذكور، إلا أن الذكور يحصلون على فرصة وصول الجامعة أكثر لأسباب عديدة، منها أن الفتاة قد تُخطب لشاب «غيور»! وإذا كان الوضع المالي صعبًا في الأسرة، يحصل الذكر على حق الأولوية، ثم أن المواضيع التي يحبذها الأهل والخطيب للأنثى محدودة، معظمها في مهنة التدريس، لأنها قريبة من البيت ومراقبة جيداً، ولهذا نجد الآن آلاف الخريجات ينتظرن دورهن لدخول سلك التعليم في نصف وظيفة، يتنافس عليها المئات في كل بلدة.
بعد كسر العوائق ونيل الشهادة وبدء العمل، تعود الزوجة من الوظيفة إلى عمل البيت، فالزوج والأولاد يحملونها المسؤولية كاملة عن أي تأخير بإعداد الطعام أو إعداد الثياب النظيفة وتقديم الواجب للضيوف، حتى لو كانت تعمل مثلهم خارج البيت، وإذا قصّرت، تتعرض لعنف كلامي في البداية من قبل زوجها، ثم ينتقل هذا الحق بالتعنيف إلى الأولاد الذين «يتبغددون» على الطعام، ولا يهمهم أبداً أن والدتهم دخلت البيت مثلهم بعد يوم عمل شاق.
بعد هذا تأتي مرحلة الميراث، الذكور يحظون بالميراث كله في معظم الحالات، ولا يترك الوالد للإناث اللاتي خرجن صلبه سوى مقولة «حبيبتي يابا».
وإذا شعر الأهل بحرج يحاولون استرضاءهن بفتات أقل بكثير من حقهن الشرعي، ونادراً جداً ما نسمع عن توريث عادل، سواء كان حسب الشرع الإسلامي أو القانون المدني.
هناك مثل فلسطيني يقول «ما عدو على الخال إلا ابن اخته» . كثيرا ما فكّرت، لماذا هذا المثل وما سببه! أي تربة هذه التي أنبتت مثلاً كهذا! فقط في سنين متأخرة فهمت من تجارب كثيرين أن من يطالب بحق والدته بالميراث، يتحول إلى عدو لأخواله!
التمييز لا يترك الأنثى حتى بعد وفاتها، فمهما كانت قيمتها، حتى لو كانت في عز عطائها، فإن جنازتها عادة متواضعة، ولا توجد خطب فوق نعشها، وتدفن بسرعة، وسرعان ما تُنسى، ولا تعتبر خسارة فادحة كما لو كانت رجلاً (باستثناء كوكب الشرق أم كلثوم).
في مرحلة الترمّل، يبدأ الناس بتحريض الأرمل على الزواج، بينما يقولون للأرملة «على شو مستعجلة»! ويكونون كرماء معها فيضمنون لها حقوقها شرط أن تظل على أولادها، أي أن لا تتزوج، وإذا تزوجت تفقد معظم حقوقها. وتعبير «تظل على أولادها»، يُذكّر بالقطة على صغارها أو «القرقة» على صيصانها.
قبل أعوام قليلة توفيت سيدة في البلدة، وفاتني أن أعزي زوجها كما هو مألوف، وبعد أقل من شهرين مررت أنا وصديق بجانب بيت زوج المرحومة، فقلت له «تعال معي نعزي هذا الرجل بزوجته، فقد فاتتني تعزيته!» فقال لي صديقي: إياك أن تدخل فقد يضربك! لقد تزوج الرجل منذ أسبوعين، انظر باب داره المزيّن بالبالونات.
بعد الوفاة وفي الجنة نجد أن الرجال موعودون بكثير من الطيّبات، يطلبون الحوريات بغمزة من أعينهم، بينما على المرأة أن تلتزم بالزوج الأرضي الذي مرمر حياتها، فيلاحقها أيضاً في الآخرة، ولكنه بلا شك سيفضل الحوريات عليها، فلا يكون لها سوى خدمته وخدمة حورياته وليس أكثر.
في الأدبيات الدينية، يبدو أن دخول النساء إلى النار أسهل بكثير من دخول الرجل، فـ»أكثر سكان جهنم من النساء»، وهذا يتناقض مع الحديث الذي جاء فيه أن «الجنة تحت أقدام الأمهات».
وأخيراً فإن الأنثى رغم كل هذا الانتقاص من حقوقها، فهي مسؤولة عن الشرف، وهي التي قد تُقتل أو تتعرض للعنف الشديد والمقاطعة الاجتماعية لمجرد الشك بسلوكها، بينما يبقى الرجل الفاعل في مركزه ويتقدم، إذ يُنظر إليه كرجل فحل شديد البأس، أمثاله قلائل.
لن أتحدث هنا عن التحرش الجنسي بالنساء، لا أريد استفزاز الرئيس الجديد لأعظم دولة في العالم.
يوم ضرب المرأة العالمي…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 24.11.2016