أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
كفى ..شهر زاد!؟
بقلم : أماني فؤاد  ... 16.11.2013

لو أنك استيقظتِ فى أحد الصباحات ووجدتِ الرجل الذى كان يملأ الكون من حولك، حباً وصخباً وحياة قد هجرك، تقاسين الفقدان، يعتصرك الألم، تتساءلين على أى نحو سوف تعيشين؟
تقدم "أحلام مستغانمى" فى أحدث إصداراتها " نسيان Com " وصفة عشبية أدبية، فى عصير لغوى دعائى، ترياق تخديرى ، لتمكـَّن المرأة من نسيان الرجل الذى أحبته ، ثم فارقها فى غدر واستغناء.
وفى هذا المؤلـَف الممتد لأكثر من ثلثمائة وثلاثين صفحة لم تخرج "مستغانمى" عن هذه الأساليب النسائية ، التى أكتسبتها المرأة أو فرضت عليها من الحياة وفق الثقافة الذكورية ، التى شكلت الموروث الذى طبع الأنثى وألزمها بالحيلة والمراوغة والالتفاف؛ لنيل ما تريده من الرجل والمجتمع من حولها، كأننا بإزاء صورة لا تبتعد عن النموذج الشهرزادى الذى يحتال لينال حقه فى الحياة الإنسانية العادلة .
رصدت الكاتبة فى حساسية بالغة ديالكتيك العلاقة بين الرجل والمرأة فى ظل واقع إجتماعى شرقى ، تستنطق فيه التفاصيل الإنسانية الدقيقة فى رحلة توغلها داخل مفردات المشاعر والأحاسيس، وتمايز دلالاتها بين الرجل والمرأة، لكنها على المستوى الأعمق لم تخرج من هذه الدائرة النمطية المتوارثة التى ترسخ لتصدع حياة المرأة بدون الرجل؛ من أجل ان تفتح أفاقاً حياتيه متعددة، تحقق المرأة فيها وجودها وإرادتها .
"أحلام مستغانمى" كاتبة جزائرية مغايرة، اكتوت بالأصوليات الإسلامية فى وطنها ، رفضاً لجرأة إبداعها، حاصلة على الدكتوراه فى علم الإجتماع من السربون، استقرت بلبنان تنشد مجتمعاً أكثر تحرراً، صاحبة الثلاثية الشهيرة "ذاكرة الجسد" "فوضى الحواس" "عابر سرير" ، تلك الروايات والتى اعيدت طباعتها عشرات المرات.
تهيئ مسيرة الكاتبة لرسالة أكثر ثورية وتمرداً عما نقرأه فى هذا العمل ، انتظرت دعوة غير مراوغة لنسيان الرجل الذى يغادر ، رسالة قوامها ودعامتها تحققى أنت ِ الأنثى – كل الأنثى – على المستوى الإنسانى والعملى والعقلى، دون تحايل خوضى معاركك من أجل من تريدين بكل السبل العقلانية والعاطفية ، لا تتركين الأمور تفرض عليك دائماً من خارجك، فارقى أنت الأخرى إذا لم يكن الرجل يستحق ، وأطوى صفحته غير نادمة ، لعل كل امرأة شرقية تستوعب صفعة الباب التى قامت بها "نورا" فى" بيت الدمية " "لهنرك إبسن". أجعلى الرجل الذى فقدكِ وأنتِ على هذا الصدق هو النادم ، وأشعرية بالفقد الدائم.
كان للكاتبة أن تقدم دعوة لتخطى هذه الأذرع الأخطبوطية للمجتمع الذكورى، رفض أيدى تلتف حول اعناقنا لا لتحنو وتساعد وتدفع الى التحقق والنجاح، بل لتخنق وتعدد القيود، وتمارس قهرها وسلطاتها من خلال مكتسبات مجتمعية ، لا يريدون التنازل عنها تحت دعاوى التحضر التى يلوكونها ، أو وفق قوانين حقوق اإنسان.
ظلت الكاتبة تعالج موضوعها والمرأة فيه مجرد ظل ، عليها أن تتكيف وأن تقبل ، أن تظل تابعاً راضخاً ، لم تخلخل الروائية التقاليد التى رسـَّخت لحاجة المرأة إلى الرجل مهما طالها من تدمير وإهانه، وتحقير من شأنها ، أو خيانتها مع أخرى ، ما زلنا تحت وطأة ثقافة الاستنساخ ، وكأن التراث مجرد شفرة وراثية نتناقلها جيل بعد جيل فى المجتمعات العربية ، دون مناقشة ، أو اِختبار صحة ، شفرة تلتصق حتى بالمبدع العربى رغم ما يفترض فيه من ثورية ومغايرة.
أصابت الكاتبة فى تصويرها وإحاطتها بجدلية العلاقة بين الرجل والمرأة، فى واقع إجتماعى عربى، يعتريه نفس ما يعترى السياسة والإقتصاد والثقافة من تشظ وهوان ، وانعدام رؤية فى ظل واقع ثقافى متردى ، مع مبدعة من طراز "أحلام مستاغنمى" أنتظرنا تثوير الفن للواقع الظالم ،ودفعه إلى مناطق أكثر إنسانية ،لا أن تقدم مستغانمى المرأة سلعة، تهب نفسها للرجل وهى محاطة بكل وسائل التشويق والإغراء التى تتصنعها، تقول " أذهبى فى كل حالة إلى أقصاها، فى التطرف تكمن قوتك ويخلد أثرك. إن اعتدلت أصبحت امرأة عادية يمكن نسيانها واستبدالها"
وتكرس الكاتبة لأدب التشيؤ، ولمنطق السوق ،الذى تخضع فيه الآنثى – كالسلعة - للمنافسة وبهاء التغليف عن طريق إعلان مشوق، وتتكئ أحلام فى نصائحها للمرأة المعاصرة - كالمرأة الجاهلية فى نصائح أم لأبنتها قبل الزواج – على كيفية أن تستميل المرأة حواس الرجل بالرائحة والمنظر والصوت والملمس ، ولم تلفت انتباه النساء إلى قوى أخرى يمكنهن امتلاكها إن أردن، قوة الجذب العقلى والثقافى ، حين ينصهر الحس فى التواصل العقلى الذى لا يطرأ عليه الملل لإتساعه وقيمته، وتوفر الكاتبة فى هذا المؤلف نموذجاً لأدب دعائى استهلاكى يندرج فى تيار ما بعد الحداثة، كما يعبر هذا الكتاب عن تداخل الأنواع الأدبية رغم أنه لا يعد عملاً روائياً فلقد أرفقت به (CD ) للمغنية "جاهدة وهبى" تشدو فيه ببعض أبيات الشعر التى وردت بالعمل.
ومن خلال تقنيات العرض التى تخيرتها الكاتبة، وطرق الصياغة يشعر القارئ أن بين يديه نصاً كالسلعة التى يروج لها ، يحيطها طقس تشويقى ، حيل مبذولة تقطر مكراً أنثوياً تقليدياً لا ينطلى على القارئ أو "الرجل" المعاصر ، ذلك حين تقرر المبدعة على غلاف الكتاب وفى أولى عتبات النص - فى دائرة باللون الأحمر – "يحظر بيعه للرجال" . تتضافر مع هذه التمثيلية بعض الجمل والعبارات الاستعراضية التى تشير إلى خبرة المؤلفة فى هذا المجال ، وأمنياتها أن تصبح شيخة طريقة فى الحب، أو الإشارة إلى أرقام توزيع مؤلفاتها السابقة.
وتصوغ "أحلام" تعبيراتها اللغوية من خلال إجتهاد انتقائى لكثير من التعبيرات اللغوية المألوفة والشائعة التى ترد على الألسنة فى مجالات مختلفة من الحياة ، فتعيد صياغتها بما يتوافق مع موضوعها، وعكس ما ترجو الكاتبة لا يشعر قارئ هذه الأساليب بالمعاصرة أو المواكبة، قدر ما يشعر أنه بإزاء أدب مقتبس من صيغ الإعلانات، وبعض التعبيرات المتداولة فى الجمل التسويقية ، تستبدل الكاتبة فيها بعض الكلمات لترتقها بمفردات تختص بموضوعها ، فتأتى التعبيرات مفتقدة لدرجة من الصدق يفترض أن تتوفر فى التجارب الوجدانية والكتابات الإبداعية ، كأنها بضاعة استهلكت من قبل ، تقول "تريدين أن تنسى ، تمدّدى على الشاطئ بعد أن تحمى بشرتك بكريم واق من الأشعة فوق البنفسجية للحنين، جددى وضع الكريم كل ساعتين حسب نصيحة الأطباء" أو قولها " أنت لم تضاربى فى أسواق البرصة العاطفية. لقد وضعت كل مدخرات عمرك فى مصرف صغير يديره"رجل واحد" ائتمنتيه على آمالك".
تميز العرض الذى قدمته الكاتبة بتماسه المستمر مع الشخصية العربية وتكوينها، تقول "فككل حاكم عربى أيضاً ، العاشق العربى "مشكاك" لايتوقع إلا المكائد والخيانات من أقرب الناس إليه"
وللطبيعة الإنسانية والنفسية والإجتماعية لمضمون هذا الكتاب وفـِّقت الروائية فى اتكائه على أشكال من السرد البسيط ، وحكى بعض القصص الواقعية لصديقاتها وتجاربهن ، فتوظف الروائية قصة صديقتها كقصة "أم" تتعلق وتلتصق بها قصص أخرى، تكرس لخيانة الرجل وغدره ، كأنها تصنع عنقوداً مركباً متعدداً من القصص التى تلعب على ذات المضمون ، تركز مادة كاوية تسقطها زخات متوالية على عذاب المرأة نتيجة الفقدان . ونسيت مستغانمى أن تتجنب شوفينية التوجه، حين لم تعالج النسيان بحسبانه تجربة إنسانية عامة يقاسيها الرجل مثل المرأة، وإن اختلفت نسبة المعاناه فيما بينهما، أتصور أنها لو قامت بذلك لاتسم العمل بالاعتدال والموضوعية، وهما صفتين تتجنبهما الكاتبة لدواعى دعائية ترويجية.

المصدر : مركز مساواة المرأه
1