أحدث الأخبار
الثلاثاء 03 كانون أول/ديسمبر 2024
دوّامة تشغيل العُمّال الفلسطينيين!!
بقلم : سهيل كيوان ... 18.01.2024

قال أكثر من مسؤول إسرائيلي مثل وزير الحرب يوآب غالانت، إنَّ هناك خطراً من انفجار الأوضاع في الضفة الغربية وفقدان السيطرة، ولهذا يجب استباق الحدث بحلول اقتصادية مانعة، إضافة إلى أن هناك حاجة ماسَّة وفورية للأيدي العاملة الفلسطينية، خصوصاً في قطاعيّ الزراعة والبناء. وتجنّباً لانفجار أكبر مما يجري حالياً في الضفة وهو ليس قليلاً، هنالك رأي يقول بتنفيس الضغط من خلال إعادة العمال الفلسطينيين للعمل داخل الخط الأخضر، وتحويل الأموال الضرائبية للسُّلطة الفلسطينية في رام الله، كي تدفع رواتب موظفيها والقيام بأعمالها، ومن ضمنها المحافظة على منع تدهور الوضع الأمني.
هناك رأيٌ آخر، أكثر تشدُّداً وهو رأي من يمسكون بحكومة نتنياهو، ويهدّدون بإسقاطها إذا ما قبلت بهذه التّوصيات، وهو نهج حزبيّ «الصهيونية الدينية» و»العَظمة اليهودية»، ممثلَيْن ببن غفير وزير الأمن الداخلي وسموترتش وزير المالية، اللذين يرفضان فكرة التنفيس الاقتصادي، ويدعوان إلى المضيِّ قُدما في القمع حتى النهاية. هذا رغم النداءات التي بلغت إلى حدّ الرَّجاء والتذلّل من البيت الأبيض وحكومات غربية بالتّخفيف من استفزازات المستوطنين، والكفَّ عن النشاطات التي من شأنها زيادة التَّوتر، وتوسيع رقعة الصِدام، لأنها تُحرج الحكومات الداعمة لإسرائيل، وتحرجُ القيادة الفلسطينية في رام الله التي «تقوم بعملها كما يجب في الحفاظ على الأمْن».
للحرب على قطاع غزّة مبرِّراتها بحجّة محاربة تنظيم حماس «الإرهابي والنازي»، ولكنّ الوضع في الضفة الغربية غير قابل لهذا التبرير. ما تقوله اقتراحات التّسهيلات الاقتصادية للضفة الغربية بصريح العبارة هو «دعونا ننتهي من مُعضلة قطاع غزّة الآن، وفي ما بعد نتفرَّغ ونرى ماذا نحن فاعلون مع الضِّفة الغربية، وكذلك مع حِزب الله، وعلى المدى الأبعد منه مع عرب 48 ولكلِّ حادث حديث». كانت حادثة الدهس في مدينة رعنانا قبل ثلاثة أيام، التي قتل فيها مواطنة وجُرِح عددٌ من الإسرائيليين حُجّة للجهات الأكثر تشدّداً، بأنَّ إدخال الفلسطينيين للعمل لإشغالهم في لقمة العيش غيرُ مُجدٍ، فمن قام بتنفيذ العملية شابان من منطقة الخليل كانا يعملان في ورشة لغسيل السَّيارات، وإن كان مكوثهما من غير ترخيص، ولكنَّه كان بموافقة وتواطؤ صاحب المصلحة اليهودي، وربحهما المادي هذا، لم يردعهما من التخطيط والقيام بما فعلاه. ردّا على هذا يقترحون دخول عُمال فقط من معيلي الأسر الكبيرة، وبعد فحص سجلّاتهم الأمنية، فكلّما زاد عدد أفراد الأسرة ابتعد العامل عن فكرة ممارسة أعمال مناهضة للاحتلال، حسب معايير غالانت، لأنَّهم سوف يشعرون بأنَّ هناك ما سيخسرونه! ولكنْ ما هي أعداد هؤلاء الذين تستطيع إسرائيل أن تستوعبهم! وهل هذا يعني أن ربَّ الأسرة قادر على السَّيطرة على أبنائه، وهل سيطلب منهم أصلا أن يتقبَّلوا الاحتلال والمستوطنين وممارساتهم، لأنّ الاحتلال يسمح لربِّ الأسرة بالعمل ويوفِّر لهم الخُبز! ثم لإنّ سوق العمل تحتاج في الأساس إلى القوى الشَّابة. يمكن لانتعاش الاقتصاد أنْ يربط مصالح بعض الناس بالتّهدئة، ولكنَّ العامل الذي يدخل مضطراً للعمل في إسرائيل، أو في مستوطنة الضفة الغربية، حتى إن صبَر وتحمّل، فهو يعمل على مضَضٍ، ويمرُّ في مراحل عدّة من المعاناة للحصول على تصريح العمل لأنّه مضطر، وهو يحلم بالتخلّص من هذه الرحلة اليومية المحفوفة بالمخاطر، وفي أحيانٍ كثيرة بالإهانات، ومتعلّقة بمزاج الجندي على الحاجز، وفي نشرة الأخبار المتغيِّرة في كل ساعة أو في نبأ عاجل.
الحلول الاقتصادية المقترحة لتخفيف الغليان في الضفة، إضافة إلى مبدأ عدم فتح جبهة أخرى، هي تعبيرٌ عن الرَّغبة في إظهار تجاوُبٍ مع الدعوات الأمريكية والغربية لخفض التوتّر في الضِّفة الغربية، التي تهدف إلى منح الداعمين لإسرائيل مساحة أكبر من المناورة في تأييد عدوانها واستمراره على قطاع غزة، تحت غطاء الدِّفاع المشروع عن النفس. هي محاولة لإظهار احترام أصحاب القرار في إسرائيل لوجهة النظر الأمريكية من سلطة رام الله التي ترى فيها شريكة مستقبلية في إدارة قطاع غزة «بعد حماس»، وهذا أحد أسباب التوتر بين أقطاب حكومة الحرب الحالية، فبعضهم يميل إلى استرضاء الإدارة الأمريكية، والبعض يرى أنَّه قادر على تجاوز الرؤية الأمريكية وحتى تحدّيها، وعلى ثقة بأنَّه مهما بلغت شِقّة الخلاف مع الإدارات الأمريكية، فإنّها في نهاية الأمر وفي اللحظة الحاسمة تصطفُّ إلى جانب إسرائيل، وهذا يؤيِّده الواقع حتى الآن، والتنافر الذي يحصل أحياناً، ليس أكثر من عتاب والدٍ على شقاوة ابنه المدلّل. التهدئة الاقتصادية مارسها نتنياهو من قبل في قطاع غزَّة، فقد سمح بدخول بضعة آلاف من العمال من قطاع غزّة للعمل، وصل عددهم في ذروته إلى عشرين ألفا في عام 2022، وسمح بوصول أموال إلى حكومة حماس من قَطر، وقد ظنَّ أنَّ هذه الأموال كفيلة في إفساد قادة حركة حماس، والاكتفاء بسلطتهم، ولكن تبيّن أنهم ليسوا من هذه الطِّينة التي توقّعها.
رغم أهمية دخول العمال كي يحصلوا على ما يعيلون به أسرهم، وهذا حقُّهم، فسببُ حاجتهم إلى العمل في إسرائيل أصلاً هو الاحتلال، فهم يعملون مضطرين، مثلما يضطر السَّجين أن يعمل داخل السِّجن في إنتاج ملابس وأحذية للسّجانين، وإلى إصلاح شبابيك وأبواب وأقفال سِجْنه مقابل طعامه وشرابه، ولكن هذا لا يعني رضاه، بل يعني أنّه ينتظر الفَرَج من الله، ولفرجِ الله تفسيرات كثيرة، أحدها يعني الانتظار حتى تتاح الفرصة. سعت وتسعى إسرائيل منذ إقامتها إلى تخريب الاقتصاد الفلسطيني المستقل، فلم تُبقِ طريقة أو قانوناً إلا وسنّته ومارسته لمنع ازدهار واستقلال اقتصاد فلسطيني، فحاربت الإنتاج الحيواني والنباتي، وأبادت قطعان الماشية وصادرتها، ومنعت تربية الدواجن وحجبت مياه الرّي الزراعية عن الأرض الفلسطينية، إضافة إلى حرق أشجار الزيتون وقطعها على يد المستوطنين، وحاربت الصناعات الخفيفة، لإبقاء الفلسطيني تابعا للاقتصاد الإسرائيلي حتى في أبسط احتياجاته، ويتحمّل الاحتلال مسؤولية حرمان قطاع غزة والضفة الغربية من أن تكون مكاناً آمناً للاستثمارات العربية والأجنبية، فيبقيها في موقع التوتّر الذي يتجنّبه المستثمرون في كلِّ المجالات.
المهدئات والمسكّنات الاقتصادية ليست حلاً، ما دامت إسرائيل تدير ظهرها لما أقرَّته الشّرعية الدولية، وما تبنته الدّول العربية والفلسطينيون في أكثر من مناسبة وقرار. هكذا يستمر تشغيل أو عدم تشغيل الفلسطينيين دوّامة وموضوع خلاف داخلي، ويخضع لمعايير الرّبح والخسارة والأمن! تمر العقود والقيادات الإسرائيلية تتهرَّب من الحلول الواقعية، أو الأقل ضرراً للشعبين، سواء حلّ الدولتين الذي تقبله العرب وأكثر دول العالم، أو حلّ الدولة الديمقراطية الواحدة، وعوضاً عن الحل، يلجأون إلى الغيبيات الدينية والتعصُّب والتمييز العنصري والقمع والتطهير العرقي، الذي يعني تأبيد الصراع.

1