عندما يغمرك الحب من حيث تعلم ومن حيث لا تعلم فاعلم انك إنسان محظوظ بحب غير مشروط، بحب طاهر لا تتغلل اليه ثغرات الغدر أو الضغينة، عندما تجد من يجعل ثغرك باسما وتستشعر أسمى الدوافع وراء هذه الضحكة فاعلم أنك محاط بالصادقين لا يرضون لوجهك العبوس ولا لقلبك الألم فاعلم أنك محظوظ. عندما تجد من يكفكف دمعك ويطبطب على كتفك ليخفف عنك المصاب مهما كان فاعلم انك محظوظ. عندما تجد من يشعر بك وبخيبات أملك وبضعفك وبكلماته يمحى الألم بالأمل فاعلم أنك إنسان ليس فقط محظوظ بل سعيدا الى اللا منتهى لأنه بكل هذا يكون قد فجر بداخلك ينبوعا من الأمل لا ينضب مهما تكالبت عليك الظروف واضمحل معنى الحياة في اوقات اليأس والاحباط.
تدور الدائرة علينا ونصادف بحياتنا الصالح والطالح، لكن أن نجد من يضحي بحياته وراحته وهدوءه وسكونه وحتى سلامه من أجل إسعاد الآخرين فهذا شيء كثير في زمن شحت فيه المشاعر وباتت توظف لأهداف مادية بحتة ومصالح ذاتية بعيدة كل البعد عن الإنسانية. تتقلب الاحاسيس وتتبدل تبعا للمرحلة وحسب حاجات الفرد، لكن أن تجد إنسانا كلما كبر زاد ولاؤه للفقير، وإحسانه لليتيم، وتعاطفه للمسكين، ووفاؤه للحبيب فهذا بعينه كالفحم كلما صقلته وقلمته ظهر بريقه وسطع ضوؤه كالماس ولا يستطيع أحدا أن يخفت نوره أو أن يضعف قوته ولا أن يهزم إرادته لأنه إنسان حقيقي لم يتجمل لإرضاء الاخرين ولم يبدل أقنعة تبعا للحاجة أو الموقف والذي بات الآن سمة العصر بامتياز وما نشاهده من خيرة البشر بات نادرا وقيما.
نعيش في لوعة لأن نجد أمثالا كثيرة لهذا التضحيات إن صنفت على أنها تضحيات، قد تكون للرائي أعمال خير، وللسامع قصص مأثورة قد نحتذي بها، لكن لصاحب التجربة والمحظوظ هذه تضحيات قدمت له من إنسان لا ينام وغيره لا يملك مسكنا، لا يرتاح وغيره لا يجد لقمة العيش، لا يهدأ وغيره لا ينعم بالأمن والسلام. الحياة عند من يقدم هذه التضحيات يعيشها بسعادة غامرة لأن مفهومه للسعادة هو من يعطي لا من يأخذ. يبني سعادته على إسعاد الآخرين وتحقيق أحلامهم وقد تكون في كثير من الأحيان على حساب راحته وصحته التي لا يبالي بها في سبيل الآخرين فما بالك تضحياته بمن يحب ويهوى! هل يوجد أنبل من هذا الشعور بالآخرين؟! في وقت تبلدت فيه المشاعر وأصبحت عند البعض الكثير مادية بحته لا ينافسه بها سوى الأنانية والتمرد اللئيم التي أصبحت رائجة في سوق " البشر".
قال "محمد على كلاي" الجميع يعرفون التضحية، لكن هناك من يضحي بك وهناك من يضحي لأجلك. اذا التضحية في جل معناها هي التضحية من أجل الاخرين لا التضحية بالمباديء والقيم لأجل مآرب مشبوهة وغايات لا يعرف لها طريق. فلنضع التضحيات في مقامها السامي ولا نسمي هذا الخلق الكريم بأنه ضعف وانكسار، هوان أو تنحي. مفاهيم بعض البشر تبدلت لكن مفهوم التضحيات يبقى راسخا كالجبل لا تهزه ريح ولا هزة أرض لأنه نابع من كيان إنسان ما أودعه الله فيه لا ينزعه إنسان. هذا المضحي يجب أن نعززه ونكرمه ونجعله قدوة لمكارم الأخلاق التي اوصتنا بها الاديان السماوية جمعاء. نريد لهذا الانسان أن يبقى "أيقونة " في كل مكان وزمان.
قال جبران خليل جبران:
"ما أنبل القلب الحزين الذي لا يمنعه حزنه على ان ينشد أغنية مع القلوب الفرحة". النيل صفة أصيلة في الانسان وليست مكتسبة فمن ملكها فقد ملك قلوب البشر ومن لا يملكها عاش بلا حياة أمد الدهر...
وما أدراك ما التضحيات!
بقلم : مها صالح ... 20.05.2019