القاهرة - على بعد 35 كم شمال غربي العاصمة المصرية القاهرة، يتجمع من يعرفون بـ”الفحَّامين” بقرية أنشاص، مركز بلبيس، بمحافظة الشرقية، في مساحة أرض واسعة، ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وذلك لتحويل الحطب إلى فحم عبر مصنع تقليدي بدائي.
ومع مرور الزمن صار العمل البدائي مهنة أساسية يمتهنها العديد من رجال وأطفال القرية، ليصبح “التفحيم” مصدر رزق يدر دخلا يوميا يبلغ 50 جنيها (حوالي 6 دولارات تقريبا) للعامل الواحد، فيما يكسب صاحب المصنع ما يزيد عن 1500 جنيه (حوالي 185 دولارا تقريبا) مقابل الطن الواحد من الفحم.
تبدأ المرحلة الأولى من صناعة الفحم من خلال جمع الأشجار وتقطيعها بمقاسات محددة، ومصدرها الأساسي مخلفات الأشجار التي لم تعد تثمر كالمانغو والبرتقال، والأشجار غير المثمرة كالجازورين والكافور، والمنتشرة في الأماكن الحكومية خاصة.
في الصباح الباكر من كل يوم، يجمع محمد حسين ذو الفقار، رئيس جمعية مستثمري ومنتجي الفحم في الشرقية، عماله، مرتديا زيا مهندما، ويوزع عليهم الأدوار في عملية التحويل.
وبينما يرفع طفل لا يتخطى عمره 15 عاما 4 إلى 5 أجزاء من شجر الجازوين والكافور على كتفيه، يقوم شاب ثلاثيني بتفريغ كومة حطب كميتها أضعاف ذلك من سيارة نقل، ليقوم آخرون، وعلى وجوههم أثر سواد الفحم، بوضعها في مكامير (مكان لتجميع أخشاب الأشجار من مخلفات الأراضي الزراعية التي تشتهر بها مصر) لحرقها في مراحلها النهائية.
ويستعمل الفحم النباتي في الحرق المباشر للحصول على الطاقة، كما يستخدم في بعض الإغراض المنزلية كالتدفئة والطهي والشواء، وفي بعض البلاد تستخدمه الحكومات في مشاريع توليد الكهرباء.
يقول ذو الفقار، ومن خلفه العمال يضعون الفحم في المكامير، إنه “يمتهن مهنة التفحيم منذ عام 1989، بعد أن ورثها من والده وأجداده”.
وبشأن طريقة صناعة الفحم، يضيف “نجمع الخشب في أكوام ونغطيها بالتراب بعد تقطيعها بمقاسات محددة ومناسبة، ويتم تسخينها قرابة 25 يوما بحرق جزء قليل من الخشب لتزويد البقية بالحرارة اللازمة لتسخينها وتحويلها إلى فحم نباتي”، موضحا أن فحم البرتقال يعد من أجود أنواع الفحم ويستخدم في الشواء.
ولتحديد الفحم الجيد، يقول ذو الفقار، إنه يتوقف على نوعية الأخشاب المستخدمة، موضحا أن خشب أشجار الحمضيات مثل شجر البرتقال والجوافة والمانغو هو أفضل الأنواع لإنتاج فحم جيد.
واتهم رئيس جمعية مستثمري ومنتجي الفحم بالشرقية وزارة البيئة بمحاربة الصناعة، بدعوى تأثيرها السيء على صحة المواطنين لما تصدره من غازات سامة، فيما أشار إلى أنهم طالبوا الحكومة بتوفير أماكن بديلة بعيدة عن الزحف العمراني بجانب أفران صناعية معتمدة بدل “المكامير” البدائية.
ولفت رئيس جمعية مستثمري ومنتجي الفحم في الشرقية إلى أن الفحامين في مصر كانوا يصدرون إلى دول عربية وأوروبية، قبل صدور قرار حكومي منذ 9 أشهر بوقف التصدير، في مرحلة أولى لوقف صناعة الفحم في مصر، بحسب قوله.
وتحتل مصر، المركز الحادي عشر، على مستوى العالم في تصدير الفحم النباتي، وتصدر منه إلى الخارج ما يقارب الـ11 مليون دولار، وفقا لإحصائية رسمية صادرة عن وزارة البيئة في ديسمبر الماضي.
وسبق لوزارة البيئة أن أجرت دراسة عام 2001 حول الغازات المنبعثة من تلك المكامير، توصلت إلى أنها تؤدي إلى انبعاث غازات أول وثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين بنسب أكبر من المعدلات الآمنة.
وتسعى الحكومة المصرية لإعداد خطة قصيرة وطويلة الأجل لتطوير صناعة الفحم من خلال تطوير مكامير الفحم النباتي وتحويلها من الحرق المكشوف إلى الحرق في أفران تفحيم مطورة مما يؤدي إلى إدراج الفحم ضمن الإنتاج الصناعي المعتمد وتقنين أوضاعه.
الفحَّامين: صانعو الطاقة السوداء في مصر يطالبون بأماكن عمل بعيدة عن العمران!!
23.01.2016