قسنطينة (الجزائر)- مدينة الجسور المعلقة، هكذا عرفت قسنطينة السامقة في شرق الجزائر، فتعدّد الجسور الرابطة بين القمم المنبسطة لجبالها أثّثت المدينة بمشاهد فريدة من نوعها في العالم.. وقد تسهم احتفالية "قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لعام 2015"، التي انطلقت رسميا أمس الأوّل، في رفع ما عانته من تهميش، وإماطة اللثام عن استثنائية هذه المدينة، بما وهبته لها الطبيعة وصنعته أيادي معمّريها عبر العصور.
بنيت قسنطينة، الواقعة على بعد 430 كلم شرق الجزائر العاصمة، على صخرة من الكلس القاسي، وللعبور من ضفة إلى أخرى شيّدت فيها جسور شاهقة عديدة، فأصبحت قسنطينة تضمّ أكثر من 8 جسور بعضها تحطم لانعدام الترميم، وبعضها ما زال يصارع الزمن. ومع ذلك تتميّز قسنطينة، جغرافيا ومعماريا، عن سائر مدن الدول العربية.
ويمرّ “وادي الرمال” العميق بمدينة قسنطينة القديمة، وتعلوه الجسور على ارتفاعات يفوق بعضها 200 متر.
وتضمّ قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري، 8 جسور وهي: جسر باب القنطرة، وجسر سيدي راشد، وجسر سيدي مسيد، وجسر صلاح سليمان، وجسر مجازن الغنم، وجسر الشيطان، وجسر الشلالات، وجسر بومرزوق.
وقد أقيمت هذه الجسور تسهيلا للتنقل بين نواحيها نظرا لتضاريس قسنطينة الوعرة، وخاصة بسبب أخدود وادي الرمال العميق الذي يشقها.
هي كذلك جسور قسنطينة، قصّة تاريخ عريق، فقد تركت كل حضارة مرّت بالمدينة جسورها على أرضها، ففي زمن الرومان شيّدت ثلاثة جسور، وتحت هيمنة عهد الحكم العثماني أضيفت جسور أخرى على غرار جسر باب القنطرة المعروف.
كما تعرف المدينة أيضا بمساجدها بعد استقرار الإسلام بها، وآخر ما بني منها مسجد الأمير عبدالقادر الذي يعتبر أحد أكبر مساجد شمال أفريقيا، متسعا لنحو 15 ألف مصل، ويتميز بعلو مئذنتيه اللتين يبلغ ارتفاع كل منهما 107 أمتار وارتفاع قبته 64 مترا.
يذكر أنّ قسنطينة عرفت ازدهارا كبيرا، عبر تاريخها القديم، ولا سيما في عهد ماسينيسا الذي ولد في ربوعها وتزعم قبائل البربر، خلفا لوالده غايا. واستطاع بدهائه أن يؤسّس مملكة نوميديا، وأن يوسع أطرافها على حساب قرطاجنة، وأن يدافع عن هويّة الأمازيغيين ولغتهم وكتابتهم (يفيناغ) التي هي رمز حضارتهم وأس كينونتهم الوجودية وعنوان ذاكرتهم التاريخية.
وبعد أن أحرق الرومان مدينة قرطاج في تونس، تحوّل الصراع، من بعد ماسينيسا، بين روما والمملكة النوميدية، وعاصمتها قسنطينة أو سيرتا آنذاك، ثمّ سقطت قسنطينة على يد الرومان وأخذ زعيمها إلى روما، حيث قدّم طعاما للأسود والكلاب.
ويوصف أهل المدينة ببأسهم في الدفاع عن حياضهم ومقاومة الغزاة والمحتلين، فحين دخل الاحتلال الفرنسي للجزائر لم تأخذ منه العاصمة سوى سبعة أيام بينما احتلت قسنطينة بعد سبع سنوات ونصف السنة.
وخلال الافتتاح الرسمي لاحتفالية قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لعام 2015، عرضت “ملحمة قسنطينة الكبرى” لاستعراض تاريخ سيرتا، اسم قسنطينة القديم، الذي يمتد أكثر من 2500 سنة.
يذكر أنّ المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة “ألكسو” كانت قد اختارت، في ديسمبر 2012، مدينة قسنطينة لتكون عاصمة للثقافة العربية لعام 2015. واختارت السلطات الجزائرية تاريخ 16 أبريل 2015 للانطلاق الرسمي للتظاهرة تخليدا لذكرى وفاة رائد النهضة الجزائرية، عبدالحميد ابن باديس، الذي ولد في اليوم ذاته بمحافظة قسنطينة.
وتحدث مدير الثقافة في محافظة قسنطينة، جمال فوغالي، عن عرض ملحمة قسنطينة الكبرى، التي عرضت في حفل افتتاح التظاهرة الثقافية، مشيرا إلى أنها تعكس “تاريخ المدينة انطلاقا من الحقبة النوميدية (200 سنة قبل الميلاد) إلى غاية اليوم”.
وأوضح فوغالي أن هذه الملحمة تجسد “مسار مدينة سيرتا (اسم يطلق على قسنطينة)، التي يزيد عمرها عن 2500 سنة، وذلك على مختلف الأصعدة الثقافية والثورية العلمية والدينية، فضلا عن الشخصيات التي كتبت اسمها من ذهب في تاريخ المدينة”.
تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات الجزائرية، لم تنتبه سوى مؤخرا لما تعاني منه قسنطينة من إهمال وتهميش ومظاهر تردي البنية التحتية للمدينة وانتشار القمامة. وقد اضطرت، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى تكثيف استعداداتها لبدء احتفالية قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، فسارعت في إنجاز المشاريع الحاضنة للتظاهرة، واهتمت بتنظيف المدينة.
وشوهد العشرات من العمّال في قسنطينة، على غير العادة، منكبّين في جمع النفايات وتعبيد الطرقات وتجهيز الأرصفة والساحات العامة وتركيب إنارة لجسور المدينة وطلاء واجهات العمارات التي طالما كانت متآكلة.
جسور قسنطينة المعلقة، عنوان عراقتها، ومسلكها للتواصل مع محيطها الخارجي !!
19.04.2015