أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
بصـرى الـشـام: معـالـم تـاريـخيـة دُمـرت وجـدران ما زالت صـامـدة!!
بقلم : حسام محمد ... 01.01.2018


عاصرت سوريا عبر مرّ التاريخ العشرات من الإمبراطوريات القوية، فازدهرت البلاد بعدما قصدتها القوافل التجارية العابرة نحو الشرق الأوسط، وتوالت عليها العديد من الثقافات نتيجة لتموضعها الجغرافي الاستراتيجي في ملتقى القارات الثلاث، ما جعل الجغرافيا السورية تكتنز العشرات من المدن الأثرية العائدة لحضارات قديمة، ولكل منها تاريخها الخاص وآثار تروي حكايات من رحلوا.
مدينة بصرى الشام، التابعة لمحافظة درعا جنوبي سوريا، إحدى المدن التاريخية العريقة في بلاد الشام، عايشت العديد من العصور، وتوالت عليها حضارات منذ آلاف السنين، إلا إن هذه المدينة الأثرية لم تكن بمنأى عن الحرب الطاحنة في سوريا، لتتعرض نسبة كبيرة من آثارها للدمار على يد قوات النظام بعد انسحابه منها، وآثار تاريخية سرقها جنود النظام قبيل انسحابهم، وأخرى اختلسها تجار الحروب وعصابات الآثار.
بصرى الشام الواقعة على بُعد 140 كيلو مترا من دمشق (أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ) كانت عاصمة دينية ومنارة تاريخية لآلاف السنين، كما قصدتها القوافل التجارية لتصبح ممراً بارزاً على طريق الحرير في الشرق الأوسط، وتنتقل من خلالها القوافل التجارية حتى الصين.
معالم
في المدينة معالم أثرية كبيرة، ومنها:
مسرح بصرى: وهو أحد أبرز المدرجات الرومانية على مستوى العالم، كما حافظ صلاح الدين الأيوبي على المسرح وأمر ببناء الأبراج حوله.
أما قلعة بصرى الشام، وهي ذاتها مسرح بصرى، فقد قام الأمويون بإضافات عليه، من خلال سد أبوابه الخارجية، وترك منافذ صغيرة، لتصبح قلعة محصنة، ولتعرف القلعة في عصر العباسيين بـ «ملعب الروم»، أما في العصر الفاطمي فتم بناء ثلاثة أبراج ملاصقة للجدار الخارجي للقلعة، لتكتمل معالم قلعة بصرى الشام في عهد الملك العادل الأيوبي وأولاده في القرن الثالث عشر ميلادي، من خلال قيامهم ببناء تسعة أبراج ومستودعات ضخمة ومخازن مياه، خلال حروبهم مع الصليبيين، كما أحاطوا القلعة بخندق، ومدخل متحرك واحد فقط.
سرير بنت الملك: تم بناؤه في القرن الميلادي الأول، ويعتبر السرير من أبرز المعالم الأثرية في المدينة، لما عليه من نقوش وزخارف حجرية متناهية الدقة.
باب الهوى: ويمثل البوابة الغربية للمدينة التاريخية، وتم تشييده في القرن الميلادي الثاني، ويبلغ عرض مدخله خمسة أمتار، ويقدر عرض واجهته بعشرة أمتار، بالإضافة إلى العشرات من الصروح الأثرية التاريخية.
ضريبة الحرب
مدير دائرة آثار بصرى الشام في المعارضة السورية أحمد العدوي، أكد أن المدينة الأثرية مرت خلال الحرب السورية بظروف صعبة للغاية، إذ أن قوات النظام السوري قامت باستهداف غالبية المواقع الأثرية في بصرى الشام، وألقت طائرات الأسد العديد من البراميل المتفجرة، ونفذت غارات جوية متكررة طيلة سنوات الثورة السورية، كما تم استــهدافها بالمدفـعــية الثقيلة وغيرها من الأســلــحة، دون وضـــع أي اعـتـــبارات للــقيمة التاريخية الكبــيرة للصروح والحضارات التي تحملها هذا المدينة.
وقال لـ «القدس العربي»: «اشترك النظام السوري وحزب الله اللبناني في تدمير غالبية المواقع الأثرية في بصرى الشام، ما جعل الآثار تتعرض لنسب دمار متفاوت. كما إن قلعة بصرى الشام استهدفتها الطائرات العامودية بالبراميل المتفجرة والغارات الحربية، ما تسبب بأضرار كبيرة في الباحة السماوية الغربية، وإحداث دمار فيها بنسبة 30 في المئة، بالإضافة إلى تصدعات في الجدار الجنوبي للقلعة.
أما سرير بنت الملك، فطالته مدفعية النظام عدة مرات، ما أدى إلى انهياره، وتدميره بنسبة 90 في المئة، فيما تعرضت الكتدرائية في المدينة لعدة قذائف مدفعية، وتعرضت لأضرار بالغة في جدارها الجنوبي».
واستهدفت طائرات النظام المروحية قصر «تراجانا» ببرميل متفجر، مما أدى إلى إحداث دمار فيه بنسبة 10 في المئة، وأشار العدوي إلى إن نسبة الأضرار في المواقع الأثرية في بصرى الشام في درعا السورية، وصلت إلى 90 في المئة من المواقع الرئيسية في المدينة.
نهب الآثار
وأكد المسؤول دائرة آثار بصرى الشام، قيام قوات النظام السوري وعناصر حزب الله اللبناني بسرقة وتهريب العديد من الآثار إبان سيطرتهم على المدينة، وخاصة المقتنيات ذات القيمة المالية الكبيرة كتلك الموجودة في «المتحف الكلاسيكي» في القلعة.
وعندما انسحبت قوات النظام من المدينة، استولت على كافة الوثائق والاحصائيات التي تخص المتحف، مما جعل عملية احصاء الآثار المسروقة أمرا في بالغ الصعوبة، بسبب فقدان الوثائق.
تخضع مدينة بصرى الشام في الفترة الحالية لسيطرة قوات «شباب السنة» التابعة للجيش السوري الحر، وعملت المعارضة المسلحة منذ تحرير المدينة من قبضة النظام على حماية المواقع الأثرية، كما قامت مجموعة من الناشطين بتأسيس دائرة «آثار المدينة» لتوثق بدورها بشكل شامل المواقع والقطع الأثرية والأضرار.
وقال العدوي: «لم نوثق انتهاكات من قبل الجيش الحر بحق المدينة الأثرية، وهذا لا يمنع من وجود بعض الحفريات المخالفة» مشيراً إلى أنهم يسعون لوضع حد لأعمال حفر والتنقيب عن الآثار.
كما أشار إلى مساعي المعارضة السورية في دراسة كافة مشاريع ترميم المواقع التي دمرها النظام، منوهاً إلى عدم وجود أي دعم دولي أو من منظمات معنية حول هذا الخصوص.

المصدر : القدس العربي
1