علّق كثيرون الآمال على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خلال زيارته للمنطقة؛ فهؤلاء رأوا في ذلك محطة مفصلية لهم لتحقيق أهدافهم في تثبيت الحكم، والقضاء على كل معارضة. وإذا كان يُقال "من المعضلات توضيح الواضحات"، فإن زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى السعودية، وعقده قمة أمريكية خليجية تلتها قمة أمريكية عربية إسلامية شارك فيها مسؤولون عرب ومسلمون لنحو 55 دولة، وتوقيع صفقات اقتصادية وأمنية وعسكرية بـ 460 مليار دولار على مدى عشرة سنوات، منها 110 مليار دولار تستحق الدفع الفوري، تأتي في إطار المعضلة الحقيقية في توضيح ما يبدو أكثر وضوحًا؛ فترامب حظي خلال زيارته إلى السعودية باهتمام إعلامي وحفاوة واستقبال لم يسبق لزعيم دولة أن حصل عليه، والصفقات التي تم التوقيع عليها لم "يحدث مثيلًا له في تاريخ العلاقات بين الدول"، خصوصًا مع رئيس يطالب 48 % من الأمريكيين بعزله لعنصريته، وزيارته إلى المنطقة ليس لها هدف إلا جمع المال لأمريكا وتحقيق الاستقرار للاحتلال الاسرائيلي. وأبرز نقطة مهمة كانت في هذا الاطار هي في توجّه ترامب من العاصمة السعودية الرياض، إلى فلسطين المحتلة بشكل مباشر وغير مسبوق!
لقد بدا تأثّر ترامب والوفد المرافق له، واضحًا خلال زيارته إلى متحف "ضحايا النازية" في القدس المحتلة، لكنه لم يبد تأثرًا لأوضاع الأسرى الفلسطينيين الذين يتضورون جوعًا ويخوضون إضرابًا عن الطعام منذ أكثر من شهر، ولم يقل لهم "لن ننساكم"، كما قال عند الضريح الرمزي لـ "ضحايا النازية".. فترامب الذي زار الرياض لا يزال منتشيًا من حصده للصفقات وتحقيقه للمكاسب الاستراتيجية والاقتصادية الهائلة، وقد أوكل مهمة محاربة "الإرهاب" إلى أنظمة الحكم، فـ "الولايات المتحدة لن تخوض الحرب ضد الإرهاب نيابة عنها"، و"أن الولايات المتحدة لا تسعى لحلّ مشكلات المنطقة بالقوة العسكرية، وتوصي دول المنطقة بأن لا تنتظر حتى تحلّ واشنطن مشكلاتها"، مع أن كثير من هذه الحكومات لا تشاطر ترامب تصنيفه لحركاتٍ مقاوِمَة ضمن التنظيمات "الإرهابية". ولذلك فإن قول ترامب إن: "إيران وضعت العديد من دول المنطقة إلى جانب إسرائيل"، هو كلام واضح وصريح عن حلف "غير مقدس" يجمع الكثيرين بالصداقة مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه بالعداء لإيران.
وفي وقت زار فيه ترامب فلسطين المحتلة، والتقى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلا أنه لم يطرح مبادرة سياسية جديدة، أو حتى العمل لعقد لقاء ثلاثي يجمعه مع نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لأن الأمر "سابق لأوانه"، وأن الزيارة ليس من ضمنها تقديم "رؤيا حول السلام". ولهذا لم يذكر ترامب خلال خطابه "دولة فلسطينية"، أو "حل الدولتين"، أو "المبادرة العربية للسلام"، بل كان هناك ابتهاج من الوزيرة الاسرائيلية "أييلت شاكيد"، من قيام ترامب بـ "إنشاء حلف إقليمي بمشاركة الدول السّنّيّة المعتدلة لمواجهة إيران".
أما لناحية القضية الفلسطينية، فأقصى أمنيات ترامب خلال زيارته إبداء تفاؤله بالتوصل إلى "اتفاق سلام"، وتأكيده وجود رغبة حقيقية لدى الدول العربية بتحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وتأكيده أمام عباس بأن "على السلطة الفلسطينية العمل على وقف التحريض والعنف ضد إسرائيل"، وتجاهل بشكل كامل موضوع الأسرى وآلامهم ومعاناتهم المستمرة في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي.
في العموم، إن ما تمر به القضية الفلسطينية من حصار في غزة، واستيطان وتهويد في الضفة المحتلة، ومخاطر كبيرة على قضية اللاجئين في بلاد الشتات المختلفة، وخوض الأسرى معركة الكرامة حتى تحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة، واستمرار "انتفاضة القدس" وإن بوتائر مختلفة، يؤكد أن المستقبل لا تصنعه إلا الشعوب المقاومة القادرة على تحرير نفسها، وتحرير أرضها، وخلق نموذج يليق بها.
"إرهاب" المقاومة و"إنسانية" ترامب!!
بقلم : هيثم أبو الغزلان ... 23.05.2017