أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
"الدولة الاسلامية" في ليبيا تتلقى دعما من قبائل كبيره كانت موالية للقذافي!!
بقلم : وائل عصام ... 21.02.2015

تعود الصراعات القبلية في ليبيا مرة أخرى لتظهر بوجه جديد، هذه المرة مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، فسرت مركز العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، باتت اليوم المعقل الأهم لتنظيم «الدولة الإسلامية»، إذ أن التنظيم الذي انطلق من درنة في شرق ليبيا ليصل بسرعة إلى مدينة سرت في الوسط تمكن من التحالف مع مجموعات من قبائل كبيرة كانت مؤيدة للقذافي وتمثل ثقلا سكانيا كبيرا في عدة مناطق بليبيا.
في سرت انضم الكثير من الشباب من أبناء قبائل القذاذفة والعمامرة، وورفلة أكبر قبائل ليبيا لتنظيم «الدولة»، ويبدو أنهم وجدوا ضالتهم فيه كتحالف يقوّي من شوكتهم أمام خصومهم المنافسين لهم تاريخيا في مصراتة، التي عززت من نفوذها في غرب ليبيا بعد الثورة الليبية، وهي المدينة التي كانت أبرز المشاركين فيها، كما أن هذه القبائل التي انتمت لتنظيم «الدولة» لديها مواجهة لا تقل ضراوة في الشرق الليبي مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يمثل تحالفا مدعوما من أنظمة عربية تعادي الإسلاميين.
مصراتة ذات الميول الإخوانية والتي تبنت الثورة، وكذلك سرت والقبائل الموالية للقذافي والتي تحالفت الآن مع تنظيم الدولة السلفي الجهادي، يجمعهم اليوم تحالف إسلامي معاد لحلف حفتر المدعوم من الأنظمة، لكن هناك صراعاً داخلياً آخر بين مصراتة والقبائل في سرت وبني وليد والتي كانت موالية للقذافي وأهمها ورفلة والقذاذفة والعمامرة والفرجان، وهو صراع تاريخي قديم يتجدد، فالثورة الليبية مثلت وجها لهذا الصراع، بين مصراتة الثائرة ضد القذافي وقبائل سرت وبني وليد المؤيدة للنظام، ويمتد هذا الصراع إلى ما قبل مائة عام، ففي عهد الاستعمار الإيطالي نشأت مصادمات بين سرت ومصراتة الطامحة حينها لتثبيت سلطتها في الغرب الليبي، لدرجة أنها هاجمت بني وليد معقل كبرى القبائل الليبية ورفلة، وهناك تمكن قائد ورفلة الشهير بلخير من هزيمة مصراتة وقطع رأس قائدهم رمضان السويحلي، ومنذ ذلك اليوم والعداء يخفت حينا ويصحو احيانا، وآخر تجدد له تمثل بالحصار الذي فرضته مصراتة على بني وليد وسرت بعد سقوط طرابلس، لتصمد المدينتان لأشهر مدعومة بأبنائها من المقاتلين القبائليين الشرسين قبل ان تسقط سرت بأيدي مقاتلي مصراته ويقتل القذافي.
جدير بالذكر ان أكثر الأحياء التي صمدت في سرت وقتها هو «الحي رقم 2»… وفي جولة قمت بها إلى سرت وإلى هذا الحي خلال الثورة الليبية، وكانت سرت والطريق الواصل مع رأس لانوف وأجدابيا مكتظا وقتها بآلاف المتطوعين القبليين الذين جاءوا لتحصين هذه المدن من هجمات الثوار من قبائل من الشرق الليبي ومصراتة في الغرب، شاهدت وقتها رايات القذافي الخضراء في سرت، وفي الحي رقم 2 أكبر أحياء المدينة والذي اشتهر بصموده الأسطوري أمام قوات مصراتة، ومن يذهب الآن لهذا الحي سيجد رايات تنظيم «الدولة الإسلامية» السوداء وقد استبدلت رايات القذافي الخضراء، وإضافة إلى قبائل العمامرة والقذاذفة فإن معظم سكان هذا الحي هم من قبيلة ورفلة الممتدة أصولهم إلى مدينة بني وليد الذين قاتلوا بشراسة مع نجل القذافي حتى دمّر حيهم تقريبا، ويعتبر هذا الحي الرئيسي هو من يعضد قوة تنظيم الدولة في سرت.
ولعل من المفارقة ان كثيرين من سكان هذا الحي لم يكونوا قد قرروا القتال إلى جانب القذافي عندما حوصرت مدينتهم، خصوصا أن كثيرا منهم تعرض للمضايقة من نظام القذافي إبان محاولة انقلابية عليه عام 93 كان ضباط من ورفلة ضالعين فيها، لكن ما حسم أمر انضمامهم إلى جانب قوات القذافي، هو القصف العنيف لقوات الناتو الذي دمر اجزاء كبيرة من الحي وقتل اكثر من 45 شابا من قبيلة ورفلة تجمعوا لإنقاذ ضحايا من غارة سابقة.
وهو أمر مشابه لما حصل في مدن عربية أخرى كالرقة السورية والموصل العراقية، فعندما بدأت غارات قوات التحالف الدولي زادت نسبة التعاطف مع تنظيم الدولة بين السكان السنّة.
وبعد مقتل القذافي سيطر الثوار على سرت، وارتكبت ميليشيات مصراتة انتهاكات وثقتها منظمة العفو الدولية بينها أعمال إعدام وقتل على الهوية القبلية، وتواصلت الممارسات الإقصائية لسرت بصفتها معقلا لنظام القذافي، مما أعاد لسكانها ذاكرتهم المنهكة بالعداءات القبلية مع مصراتة، لنصل اليوم إلى تحالف أبناء القبائل مع تنظيم الدولة الاسلامية نكاية بمصراتة التي عرفت بأنها معقل كبير لـ»الإخوان المسلمين».
كثير من مجموعات «انصار الشريعة» السلفية انضوت تحت جناح تنظيم الدولة وشكلت نواته، لكن حتى انصار الشريعة تأثروا بالنزاعات القبلية، ويقول محمود الورفلي الصحافي الليبي إن أكثر أعضاء تنظيم أنصار الشريعة السلفيين المنتمين لمدينة مصراتة رفضوا مبايعة تنظيم الدولة، بينما معظم الأعضاء من سرت ودرنة وبنغازي ومدن أخرى وافقوا على البيعة للتنظيم. وظهر هذا الخلاف جليا بعد سيطرة مجموعة من تنظيم الدولة على مبان حكومية في سرت وعلى الإذاعة، وقد أصدر «أنصار الشريعة» بيانا يتبرأون فيه من المجموعة التي بايعت تنظيم الدولة.
ويقول الصحافي الليبي محمود الورفلي إن الكثير من أعضاء المؤسسات الحكومية في سرت انضموا لتنظيم الدولة بعد ان وقعوا استمارات يسميها التنظيم «استتابة»، ويضيف الورفلي «على الأقل في منطقة واحدة في سرت هناك 75 موظفا انضموا للعمل تحت إمرة التنظيم، وهم من أجهزة الأمن الداخلي وكانوا منذ عهد القذافي، وأجهزة الجوازات، ومديريات الشرطة». وتبدو الأيام القادمة مرشحة لصدامات جديدة لسرت، إن كان مع مصراتة في الغرب او حفتر في الشرق، رغم أن مصادر عديدة تقول إن هناك تفاهمات قد تصاغ قريبا بين مصراتة وتيارها الإخواني وبين سرت وقبائلها التي بايعت تنظيم الدولة من أجل تجميد اي نزاع بينهما وتوحيد صفوفهم في المعركة ضد قوات حفتر.
إن فهم خارطة نزاعات القبائل الليبية هو الكفيل بتفسير الصراع الذي حدث خلال الثورة الليبية والذي يتجدد الآن في غرب ليبيا تحت مسميات مختلفة بين مصراتة وسرت وبني وليد… فهناك ثابت هو القبائل ومتغير هو الرايات السياسية.

المصدر : القدس العربي
1