دخل اليهود قطاع غزّة تنفيذًا لمؤامرة ثلاثيّة غادرة، دخلوه تظلّلهم الأساطيل الجوّيّة الفرنسيّة والإنجليزيّة، وتمهّد لزحفهم أساطيلها البحريّة، ويخلي الطريق أمامهم الاعتداء البريطانيّ الفرنسيّ على بور سعيد؛ فوصلوا مدينة رفح في أوّل تشرين الثاني (نوفمبر) 1956، ومدينة غزّة في 2 تشرين الثاني، وهو يوم ذكرى وعد بلفور المشؤوم، ومدينة خان يونس في 3 تشرين الثاني. ومن الثابت أنّ قوّات فرنسيّة ساعدت في احتلال مدينة رفح، فعزلت بذلك باقي قطاع غزّة. وما أن استسلم القطاع إثر المؤامرة الثلاثيّة، ونتيجة الغلبة في العدد والعدّة، حتّى دخلت القوّات اليهوديّة تبثّ الذعر في النفوس وتطلق الرصاص دون وعي، وفي كلّ اتّجاه، فتقتل وتهدم وتشوّه ثمّ تنهب النقود والحليّ والمجوهرات والمأكولات والملبوسات، فكان ذلك أسوأ بداية لأسوأ عهد عاشه قطاع غزّة.
2
أبرز ما يخرج منه المرء بعد اطّلاعه على ما حصل عند احتلال القطاع، وأثناء هذا الاحتلال، هو روح الشرّ والانتقام والحقد الكامنة في نفس كلّ صهيونيّ، والمسيطرة على كلّ تصرّفاته وخاصّة عندما جُوبِهَتْ هذه القوّات بمقاومة باسلة في مدينة خان يونس من قوّات الفدائيّين والجيش الفلسطينيّ والجيش المصريّ. لقد سقطت مدينة رفح وهي تقع في جنوبي خان يونس صباح يوم 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، ومع ذلك فقد استمرّت خان يونس في مقاومتها الباسلة بشجاعة منقطعة النظير، وقاومت جحافل الجيش الإسرائيليّ حتّى ظهر 2 تشرين الثاني. وهنا بدت روح الشرّ جليّة في نفوس القوّات الإسرائيليّة؛ فقصفت المدينة بمدافع طائراتها وبمدافع الميدان دون أيّ تمييز، وما أن دخلت هذه القوّات حتّى ارتكبت أبشع أنواع الفظائع الّتي يعجز القلم عن تصويرها.
لقد دخل جنود إسرائيل مدينة خان يونس وهدفهم إفناء شباب المدينة، خاصّة الجنود منهم، وكانت مجرّد مشاهدتهم لأحد رجال المدينة في الشارع أو على باب منزله كافية للقضاء عليه، ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل توزّعت فرقهم على منازل المدينة تبحث عن الشباب فيها، وما أن ترى شابًّا حتّى ترديه قتيلًا دون أيّ تحقيق أمام أهله وأطفاله. ولم تكن تنفع معهم دموع وتوسّلات النساء ولا عويل الأطفال، وكانت بعض الفرق تجمع هؤلاء الشباب أمام المنازل وفي الساحات العامّة، وتوقفهم في طوابير، ثمّ تنهال عليهم برصاصها. وكان الضابط الإسرائيليّ بعد ذلك يقلّب أجسام القتلى فيكمل برصاصه على مَنْ لم يلفظ أنفاسه بوحشيّة بالغة.
وهناك عشرات من المآسي يندى لها جبين الإنسانيّة على مرّ الأجيال. وأرى أن أكتفي بسرد بعضها على سبيل المثال لا الحصر؛ فقد دخلت إحدى هذه الفرق مستشفى المدينة فوجدت فيه 22 مريضًا في فراشهم، فقتلتهم جميعًا، كما وجدت ثلاثة أطبّاء مصريّين بلباسهم الطبّيّ وعلى أذرعهم شعار «الهلال الأحمر»، ومع ذلك أردتهم قتلى في ساحات المدينة. ودخلت فرقة منهم أحد المنازل فوجدت فيه 22 شابًّا مدنيًّا، فأخذتهم إلى الخارج وأوقفتهم قرب جدار المنزل وانهالت عليهم برصاصها الغادر فأتت عليهم. ودخل بعض جنودهم إلى منزل أحد أعيان المدينة، وهو شيخ طاعن في السنّ وله ابنان، عمر الأكبر فيهما 27 عامًا، وعمر الآخر 17 عامًا، فقتلوا الأوّل في عقر بيته وأمام والديه، ومنعوا والده من تقديم الماء له وكان يطلبه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثمّ أخذوا الآخر إلى خارج المنزل ووضعوه مع 28 شابًّا آخر وقتلوهم أمام المنزل. ودخل بعضهم إلى منزل أحد اللاجئين وله 11 بنتًا وابن واحد، وهو طالب في «مدرسة خان يونس الثانويّة»، فتوسّل لهم الأب بأن يبقوا على حياة وحيده، ومع ذلك أجلسوه على كرسيّ أمام والديه وشقيقاته وأطلقوا الرصاص على عينيه فتوفّي في الحال.
هذا قليل من كثير ممّا حصل في مدينة خان يونس الّتي بلغ عدد شهدائها 450 شهيدًا، اسْتُشْهِدَ معظمهم بعد أن دخلت القوّات الإسرائيليّة المدينة، وكانت غالبيّتهم من المدنيّين. وقد حدث أن رأت قوّاتهم 25 جنديًّا مصريًّا بزيّهم العسكريّ، فقتلتهم في ساحة المدينة بالرغم من أنّ قائدهم قد استسلم للقوّات الإسرائيليّة. ولم تكتفِ بذلك، بل منعت الأهالي من دفن جثثهم لمدّة ثلاثة أيّام، وكانت تجبر الأهالي على السير بقربهم.
أمّا في مدينة غزّة، فقد كانت الحوادث عن دخول القوّات الإسرائيليّة أقلّ من ذلك، إذ أنّ غضبها انصبّ على مدينة خان يونس نظرًا لما أبدته من مقاومة فائقة، ولأنّها كانت موقع البقيّة الباقية من الجيش الفلسطينيّ. ومع ذلك، لم يَسْلَمْ أهل غزّة، وخاصّة سكّان مشارفها من فظائع الصهيونيّة. من أمثلة ذلك أنّ فرقة دخلت أحد المنازل في طرف المدينة فوجدت فيه أحد عشر رجلًا فأخذتهم إلى خارج المنزل واستبعدت أحدهم وقتلتهم جميعًا، وقال قائدها لمَنْ اسْتُبْعِدَ: "عليك بدفن جثث هؤلاء"، ومن المؤلم أنّ هذا الشابّ شاهد بذلك مصرع والده وأقاربه بعينيه. كما حصلت حوادث أخرى مشابهة في معسكرات اللاجئين العديدة، إلّا أنّها كانت على نطاق ضيّق.
أمّا مدينة رفح فإنّ ما حصل فيها يُضاف إلى سجلّ مآسي الشعب الفلسطينيّ الحافل بالضحايا والذكريات المؤلمة؛ فقد حصلت حوادث فرديّة عند احتلال القوّات الصهيونيّة لها في أوّل تشرين الثاني (نوفمبر) 1956، إلّا أنّ ما حصل فيها صباح يوم الـ 12 من تشرين الثاني (نوفمبر) يفوق ذلك بكثير؛ فقد أعلن الصهاينة بالمذياع ضرورة تجمّع جميع شباب المدينة والمخيّمات من سنّ 15 عامًا حتّى 45 عامًا في مراكز معيّنة خلال نصف ساعة لعمل تحقيقات وتحرّيات، فتسارع الشباب إلى هذه المراكز المحدّدة. حصلت في ذلك اليوم عدّة مآسي، فبينما كان الشباب يندفعون نحو هذه المراكز، كان الرصاص ينهمر نحوهم وحولهم للإرهاب، ما تسبّب بقتل 11 شابًّا كانوا متّجهين نحو ساحة المدينة، ومن المؤلم أن يكون أربعة منهم من عائلة واحدة. ثمّ بعد ذلك، انطلقت جحافل جيشهم تبحث عن الرجال في خيام اللاجئين ومنازل السكّان، وكان الكثيرون بعيدون عن المدينة نظرًا لاتّساع رقعة مخيّمات اللاجئين، ولعدم سماع بعضهم للمذياع ولقصر المدّة المحدّدة. وكان نصيب مَنْ وُجِدَ في منزله القتل رأسًا دون أيّ استجواب، بل إنّهم قتلوا الشيوخ منهم مِمَّنْ لم يشملهم الأمر. وقد امتلأت الشوارع والمنازل بجثث الضحايا، وقَتَلوا في مراكز التجمّع مَنْ كانوا يشكّون في أنّه أحد رجال فرقة الفدائيّين، وكانت مجزرة رهيبة ذهب ضحيّتها 127 شهيدًا معظمهم من الشباب.
وقد اعترف بن غوريون بهذه الواقعة، وذكر أنّ عدد القتلى كان 38 شخصًا، وأنّ سبب ذلك هو تمرّدهم على السلطات الإسرائيليّة. كما ذكر مدير «وكالة الغوث» أنّ عدد ضحايا ذلك اليوم بلغ 11 شهيدًا، وسيرد ذلك عندما أسرد بعض ما جاء في تقرير «وكالة الغوث» عن هذه الفترة الكئيبة وهذا اليوم المشهود. ومن المؤلم أنّ السلطات منعت الأهالي من دفن جثث الضحايا عدّة أيّام لتبثّ الذعر في نفوسهم والضعف في معنويّاتهم، ولتدفعهم إلى اليأس والرهبة والاستسلام.
3
أمّا وسائل الإهانة والتعذيب الّتي استعملتها السلطات الإسرائيليّة بعد أن استتبّ لها الأمر في قطاع غزّة، فهي عديدة متنوّعة وموغلة في الوحشيّة والقوّة. وقد كان هذا التعذيب ينصبّ على تلك الفئات الّتي كان اليهود يعتقدون أنّها كانت في الجيش الفلسطينيّ أو في قوّات الفدائيّين، أو ممّنْ كانت تتعاون مع الجيش المصريّ، وممّنْ عَمِلَتْ على إخفاء الجنود والضبّاط وتهريبهم عبر الصحراء إلى الأردنّ.
وهذه الحوادث عديدة، أودّ أن أذكر بعضها، ومنها ما حصل مع أحد سكّان غزّة، وهو عمر الحلبي الّذي كان يقوم بتوصيل الجنود إلى الأردنّ، فعلمت بذلك السلطات الإسرائيليّة واعتقلته واستعملت معه أقسى وسائل الشدّة وأشدّ أنواع التعذيب، لكي يعترف بعمله وبشركائه فيه، وبأماكن اختفاء الجنود. لقد ضُرِبَ هذا الرجل ضربًا مبرّحًا بالأحذية والكرابيج وسُلِّطَ عليه التيّار الكهربائيّ بعد ربطه بكرسيّ، ثمّ أُطْلِقَتْ عليه الكلاب تنهش في لحمه، وكان إذا ما أُغْمِيَ عليه من شدّة الضرب والألم صبّوا عليه المياه ثمّ ضربوه ثانية. وبعد ذلك هدّدوه بالشنق، بل إنّهم أخذوه إلى غرفة الإعدام وربطوا الحبل حول عنقه ليحملوه على الاعتراف، ومع ذلك بَقِي صامدًا كالطود، ولم يعترف وبَقِي سجينًا يعاني الألم، تنزف دماؤه وتتقيّح جراحاته إلى أن أخرجته قوّات الطوارئ عند انسحاب الصهاينة من غزّة.
وفي قرية دير البلح بحثت قوّاتهم عن محمّد عبد الرحمن خليل، أحد أفراد الجيش الفلسطينيّ، ولمّا لم تجده جنّ جنونها، وأخذت تضرب والده وعمره 55 عامًا، ليعترف عن مكان ابنه، ولم يكن هذا يعرف مكانه وكانوا يتردّدون على منزله بين حين وآخر، وعندما لا يجدون الابن ينهالون على أبيه ضربًا، واستمرّ الحال على ذلك عدّة مرّات إلى أن توفّي هذا الأب نتيجة الضرب المبرّح، كما أنّ والدته لم تسلم من الضرب والأذى والإهانة.
وفي مخيّم النصيرات قبضوا على اللاجئ عبد الله جاد الحقّ، وطلبوا منه الاعتراف بأنّه فدائيّ، فأنكر ذلك فانهالوا عليه ضربًا أمام بقيّة اللاجئين واستمرّ حالهم على ذلك بضعة أيّام، إلى أن قتلوه برصاصهم أمام جمع من الأهالي. وفي غزّة قبضوا على اللاجئ عبد الرزّاق الفيّومي بتهمة إيواء جنود مصريّين، فأنكر ذلك وتعرّض لأنواع عديدة من الضرب والجلد والتيّار الكهربائيّ، وبقي في السجن 45 يومًا.
4
لم تكن الفظائع قاصرة على الشباب والرجال، بل تجاوزتهم إلى الأطفال؛ فقد قُتِلَ الكثيرون منهم عند احتلال القطاع؛ فعند دخولهم مدينة غزّة كان خوري الطائفة اللاتينيّة في غزّة يقتاد طفلة صغيرة إلى منزلها، فأطلقوا عليها الرصاص وقتلوها وهي ممسكة بيده. وفي مدينة خان يونس وبعد سقوط المدينة، كان اللاجئ محمّد سعدون يسير وعلى ذراعه ابنه البالغ من العمر 3 أعوام، فأطلق الإسرائيليّون الرصاص فقتلوه وأصابوا ابنه الطفل في ساقه الّتي بُتِرَتْ في ما بعد. وفي مخيّم النصيرات، وبعد الاحتلال بأسبوع، كانت إحدى السيّدات تسير حاملة على ذراعها ابنها وعمره 4 شهور، فأطلقوا عليه الرصاص وقُتِلَ على ذراع أمّه.
وقُتِلَ بعض الأطفال والصبية وهم يلعبون حول منازلهم دون أيّ سبب؛ فبينما كانت إحدى الدوريّات الإسرائيليّة تسير في مخيّم الشاطئ في مدينة غزّة، شاهدت بعض الصبية يلعبون فقذتهم بقنبلة يديويّة أصابتهم بجراحات مختلفة، وكان نصيب الطفل حسن أبو حجر بتر ساقيه وذراعيه وعمره 9 أعوام. كما استعمل الإسرائيليّون طرقًا جهنميّة لإيذاء الأطفال؛ فقد نثروا في مخيّمات اللاجئين ألغامًا صغيرة على شكل أقلام الحبر، ما أن يفتحها الشخص حتّى تنفجر في يديه فتقطع أصابعه أو بعضها، وقد حصلت عدّة حوادث من هذا القبيل، منها الطفل سليمان موسى في مخيّم رفح، والطفل داوود إبراهيم في مخيّم المغازي. وهكذا خلّفت قوّاتهم وراءها عشرات المشوّهين من الأطفال والأبرياء.
وكما لم يسلم الأطفال من ظلم الإسرائيليّين، لم يسلم الشيوخ أيضًا؛ فقد اسْتُشْهِدَ منهم العشرات؛ ففي قرية بيت حانون دخلت القوّات الصهيونيّة أحد المنازل ووجدت فيه ستّة شيوخ طاعنين في السنّ لم يستطيعوا الهرب من وجههم، فأردوهم قتلى في الحال. وفي مناطق أخرى أصابوا عددًا من الشيوخ بجراح، وفي مدينة رفح وأثناء يومها المشهود، دخل بعض الجنود إلى أحد منازل اللاجئين فوجدوا فيه شيخًا بلغ من العمر 110 أعوام، ومع ذلك أطلقوا عليه الرصاص وأصابوه بإصابات تسبّبت في بتر ساقه في ما بعد.
أمّا حوادث هتك العرض، فبالرغم من قلّة عددها، إلّا أنّها سبّبت جراحات لا تندمل، وآلامًا نفسيّة لا تزول، وأحدثت ذعرًا لدى الأهالي. وقد عُرِفَتْ بعض الحوادث، وهناك حوادث أخرى لم تُعْرَف، ولم ينتشر خبرها حرصًا على سمعة الضحايا وعائلاتهم. ولقد أثبتت المرأة العربيّة حرصها المعروف على الشرف واستشهادها في سبيله. وأبرز هذه الحوادث حادثة المرحوم الشابّ صلاح اللبابيدي المعلّم بمدرسة «وكالة الغوث»، والّتي ذهب ضحيّتها هو وزوجته دفاعًا عن شرف الأمّة العربيّة.
في يوم 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1956، طرقت فئة من الجنود الآثمين منزل اللبابيدي الكائن قرب شاطئ بحر غزّة، ففتح الباب واتّجه أحدهم نحو زوجة الشابّ يريد أن يغتصبها، فقاومتهم هي وزوجها بكلّ ما لديهما من قوّة جسمانيّة، فلم يكن لديهم السلاح يدافعون به عن عرضهم، ولمّا بَئِسَ هؤلاء الجنود من نيل مأربهم الدنيء، قتلوا الزوج واستمرّت الزوجة في مقاومتها اليائسة إلى أن قتلوها، وسقط الزوج وزوجته شهيدين مضرّجين بالدماء وحول جثّتيهما ربض طفلاهما البالغان من العمر 3 أعوام وعامًا واحدًا، وبَقِي هذان الطفلان فوق دماء أبويهما حتّى الصباح، إذ لم يستطع الأهالي الوصول إلى منزلهم بالرغم من سماعهم استغاثة الوالدين نظرًا لنظام منع التجوّل وانتشار الجنود الإسرائيليّين البرابرة، وقد شاهد هذا الحادث الكولونيل بيارد، رئيس «لجنة الهدنة» في غزّة، واحتجّ على ذلك لدى الحاكم الصهيونيّ الّذي منعه من أخذ صورة للضحايا، والّذي عمل بنفوذ الصهيونيّة المعروف على إخراجه من قطاع غزّة واستبداله بغيره.
وقد حصلت حوادث أخرى في مخيّم البحر بغزّة، حيث حاول الجنود الاعتداء على إحدى اللاجئات الّتي رفضت أن تفتح باب منزلها، فألقى الإسرائيليّون عليها من نافذة المنزل قنبلة يدويّة قتلتها وهي حامل في الشهر الثامن. وتكرّرت هذه الحوادث في نفس المخيّم ممّا جعل أهل المخيّم يعمدون إلى تهريب نسائهم وبناتهم إلى داخل المدينة، والنوم في منازل الأهالي أثناء الليل. كما قام اللاجئون واللاجئات بمظاهرة صاخبة توجّهت نحو مبنى الحاكم العامّ، وهي تهتف بسقوط إسرائيل وبن غوريون وعصاباته. وفي المخيّمات الأخرى الّتي وقعت فيها حوادث عُرِفَ بعضها، وكان بعض الأهالي يذهبون إلى الحاكم للاحتجاج على هذه الأعمال، كان هذا يدّعي أنّهم يبحثون عن الجناة أو أنّهم أنزلوا القصاص بعد وأُبْعِدوا عن قطاع غزّة.
وكما لم يسلم الشيوخ والأطفال والنساء من فظائع الصهيونيّة، لم تسلم أيضًا الأماكن المقدّسة؛ ففي غزّة قصف جنود إسرائيل «دير اللاتين»، مع أنّ العلم البابويّ كان مرفوعًا فوقه، ولا تزال أماكن هذا القصف ظاهرة حتّى الآن.
إنّ مثل هذه الحوادث العديدة ليست بمستغربة على شعب عُرِفَ بالغدر والخيانة والوحشيّة. إنّ هذه الأعمال الوحشيّة تعكس صورة واضحة عن نفسيّة هذا الشعب وهذه العصابات، وعن الحقد الدفين في نفوسهم والشرّ الكامن فيها والكراهية المتأصّلة لكلّ مَنْ هو غير يهوديّ.
**المصدر: «مجلّة الآداب».
الكاتب: عدنان يوسف العلي.
زمن النشر: 1 آذار (مارس) 1958.
العنوان الأصليّ: «غزّة».
الاحتلال الأوّل لقطاع غزّة... بداية مجازر الصهيونيّة !!
بقلم : الديار ... 01.12.2023