أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
كزدورة مع الباحثة باسلة عناني في بلاد المعمورة!!
بقلم :  روان الأسعد  ... 21.01.2023

تشكل الأمثال الشعبية ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف والخبرات الشعبية والإنسانية، كما تختزل الأمثلة الشعبية الكثير من القصص والأحداث في بضع كلمات قليلة، وتُساعد في تقريب المعنى من العقل وتثبته في الذهن، فهي تترجم الواقع والآمال وتنقل صورة حية عنه. لهذا فإنّ أهميتها لا تقل عن أهمية التراث كموروث شفهي ثقافي، لذا يتوجب علينا الحفاظ على ديمومتها في ظل واقع نعيشه اليوم يتسم بالتعدد والتنوع، والتدفق اللانهائي في ثورة المعلومات.
الباحثة الفلسطينية باسلة عناني جمعت هذا الموروث الشعبي ودونته في كتابين حفاظا على الهوية الثقافية لأمتنا، حتى لا يتعرض هذا الكنز المعرفي للانقراض والاندثار، نظرا لما تحمله من قيم اجتماعية سامية.
*الباحثة عناني في سطور ،،
هي باسلة بدر عبد الرزاق العناني- ضراغمة من مواليد مدينة يافا الفلسطينية، عـروس البحـر الأبيض المتوسط، تنقلت بين مدينـة القـدس وبيت لحم ورام الله والبيرة وحتى أريحا، ومـن ثم إلى الخليـل حيـث تخرجـت مـن مدرسـة نـاصر الديـن الثانوية.
أحبـت الرسم والعلـم مـن صغرهـا مـما ساعدها في الارتقاء في عملها كمعلمـة لستة وثلاثين عاما في نابلس، وكذلك في الإبداع في فنهـا ولوحاتهـا وأفكارهـا، تعلمت السيدة باسـلة العديد من اللغات وسافرت العديد من البلدان، وكان هـذا له أثر كبير في مسيرتها الأدبية والفنية، فقد تميزت في مشاركاتها في الندوات الأدبية والشعرية والمعارض الفنية والثقافية المختلفة.
السيدة باسـلة أم لعـشرة أولاد، تمثـل المـرأة الفلسطينية المكافحـة المتفانيـة الخلاقة المثلى، كتبـت كـتـاب "أمثال جمعتها في حياتي" عـام ٢٠١٥ ، أدمجـت فيـه جـزءا مـن الأمثـال التـي سـمعتها خلال حياتها، وبعـض اللوحات التـي رسـمتها خلال مسيرتها، وهـا هـي تعـود ثانيـة متألقـة في كتاب جديد "كزدورة في البـلاد المعمـورة" لتكمـل مسيرتها في جمع الأمثـال.
*البداية ،،
تقول عناني لـ"ے" دوت كوم : الأمثال الشعبية ترتبط على وجه الخصوص باللهجة العامية السائدة، ما يجعلها تعكس معطيات البيئة المحلية بكل منظومتها واتجاهاتها الأخلاقية والاجتماعية والنفسية، لتتضمن بين ثناياها من الحكمة والتجارب الشخصية بإيجاز وخفة وبساطة لتساعد في تقريب المعنى وفهمه وتعكس التراث الإنساني في ذاك الوقت.
وتابعت: كنت أستمع لمذيعة عبر إحدى الإذاعات تنشر الأمثال للناس، ولم تستطع أن تقول الأمثال بطريقة صحيحة كونها لا تعرفها، ومن هنا خطر ببالي أن أبدأ بجمع الأمثال. استغرق مني الكتاب الأول ١٠ سنوات قبل إصداره عام ٢٠١٥ تحت عنوان" أمثال جمعتها في حياتي"، كان يحمل في طياته أمثالا منوعة من بلادي فلسطين لأنها عزيزة عليّ، ورسومات منوعة قمت برسمها.
" كزدورة في بلاد المعمورة" ،،
الأمثال الشعبية مرآة صادقة لحكمة الشعوب، لأنها مستودع للعادات والتقاليد، يتم تداولها لانسجامها مع الوجدان الشعبي، ويعد جمعها واجبا وطنيا وقوميا وإنسانيا وتراثيا، وقد أخذت عناني على عاتقها جمع هذا الكنز المعرفي في كتابها الثاني " كزدورة في بلاد المعمورة"، الصادر عن دار طباق للنشر والتوزيع، وتتحدث عنه قائلة: يعد المثل من أقدم الأشكال الأدبية لوضوح معناه ومباشرته وسهولة حفظه، ومطابقته للواقع والحال المراد وصفه، وهذا الكتاب رغم أنه تابع للكتاب الأول إلا أنه مختلف عنه، فقد جاء في سبعة أبواب يتكلم عن الأمثال، ففي المقدمة يقال "المثل ما خلّى إشي وما قاله"، وهذايعني أن المثل الشعبي يتناول كافة الأمور الحياتية والاجتماعية والسياسية في بعض الأحيان كأدة لدراسة المجتمع، ومن هنا بدأت أبحث عن الأمثال.
*الأبواب السبعة ،،
واسترسلت عناني حديثها عن محتويات الكتاب: الباب الأول أمثال من تراث فلسطين وتتحدث عن الأسرة مثل "خذو البنات من صدور العمات، كيد النار ولا الحماة في الدار، إذا مات أخوك انكسر ضهرك". أما الباب الثاني كان لماذا يضرب هذا المثل ومما جاء فيه "لا تعد فراخك قبل أن يفقس البيض"، يضرب هذا المثل لمن يبني الآمال ويحسب بضاعته وثمن بيعها قبل أن يمسك ثمنها، إذ يجب حساب عامل الخسارة والفقدان قبل أن يقوم بأي عمل. أما الباب الثالث فحمل مقارنة للأمثال في البلدان العربية المجاورة مثل سوريا، مصر، الأردن ومنه مثل فلسطيني وأردني "ايش دخلك بيت عدوك؟ قلو حبيبي فيه" وباللهجة المصرية "داخل بيت عدوك ليه؟ قلو حبيبي فيه" وبالسوري "شو فوتك ع بيت عدوك؟ قلو محبي جواته"، ويضرب المثل لانقياد المرء لعاطفة قلبه، وهنالك العديد من الأمثال المتشابهة مع بعضها البعض ولكن بحكم اختلاف لهجات البلدان يختلف لفظها كونها تقال وتحكى باللغة العامية.
أما الباب الرابع فيتحدث عن الزيت والزيتون، فموسم قطف الزيتون هو عرس فلسطيني ويتضمن سبعين مثلا جمعتها من الكتب ومن الناس مع التأكد من صحتها، ومن الأمثلة عليه "إللي أمو بالبيت بوكل خبز وزيت"، ما يدل على أن الأم هي السند لأبنائها ومصدر قوتهم، كذلك "الزيت عماد البيت"، ويقال ايضا "أيام الزيت أصبحت أمسيت"، كناية عن قصر نهار هذه الأيام. وعند الوقف عند الباب الخامس، نجد أنه تحدث عن الطقس وعن الأشهر، ومما جاء فيه "شمس كانون تضرب مثل الطاعون"، ويضرب هذا المثل أن الشمس تكون ضارة وحارقة في بعض الأيام، ويقال أيضا "شمس شباط بتخلي الراس مثل المخباط" ، "نيسان أبو سبل" ، "أيار توت وشمس وخيار"، وكل فصل له أمثاله الخاصة به.
والباب السادس يتحدث عن المرأة في الأمثال الشعبية، تحمل بداخلها تحاملا واضحا عليها لان نسبة كبيرة منها وصفت المرأة بصفات لا تليق بكائن اجتماعي يقوم بكل هذه الأدوار المميزة داخل المجتمع. فالمثل يصاغ غالبا بمجتمعنا بلسان ورغبة ذكورية تطغى عليها أسباب التخلف، بل المجتمع هو الذي أعطى مثل هذه الصورة المتناقضة للمرأة مع دورها ووظيفتها في الحياة المشتركة مع الرجل، ومما فيه "بنت الرجال ما بتخاف من الرجال" ، "البنت بتتعب أهلها ولو ماتت".
وأخيرا، الباب السابع جمعت فيه أمثالا شعبية متنوعة من أنحاء العالم، كونها تعرفنا على عادات وتقاليد المجتمعات. وقد وجدت أن التفكير البشري والميول الإنسانية تتنازع وتتقارب مع اختلاف الاماكن والزمان والبلدان، وقد نجد مثلا ما يحمل نفس المعنى في بلد آخر. وتضمن أمثال متنوعة من بلدان كثيرة، فالمثل الشعبي رغم أن كلماته موجزة إلا أنه مفتاح لدراسة أحوال الشعوب، بصفتها جزء من الأدب الشعبي.
عناني، التي استغرق منها كتاب "كزدورة في بلاد المعمورة" خمس سنوات للإعداد له، كانت تجمع الأمثال من خلال المراجع والكتب ومن خلال زياراتها للبلدان المختلفة، وقامت بتضمين كتابها صورا متعددة رسمتها بنفسها، إضافة لكونها تمتلك العديد من المواهب الأخرى كصناعة الإكسسوارات وصناعة الصابون والرسم على الزجاج إضافة لصناعة أطباق القش، وقد شاركت في سوق الحرجة. كذلك إضافة لحبها الشديد للقراءة لتشغل وقتها بكل ما هو مفيد لها، كذلك تمارس رياضات متعددة كاليوجا والسباحة.
*المشاريع المستقبلية ،،
تتحدث السيدة عناني عن خططها المستقبلية والتي تعمل عليها حاليا قائلة: أعمل على تأليف كتابين، الأول تحت عنوان "حكايات جدتي" كتبت منه ١٢ قصة، ويخبيء بين ضفتية قصصا وحكايات شعبية فلسطينية كانت ترويها لنا الجدات وهي قديمة جدا. أما الكتاب الثاني فهو تابع للأمثال الشعبية يضم في صفحاته القصص وراء الأمثال وحكاية كل مثل وما العبرة منه، وحتى الآن كتبت ٤٥ مثلا ولا زلت أقرأ وأطالع لأتأكد من الحكاية الصحيحة لكل مثل، كون الأمثال لون يترجم حضارة الأمة في قوالب لغوية موجزة ترددها الألسن لتصويرها للمشاعر والوقائع المنسجمة مع الوجدان، مايجعل دورها مهما في المحافظة على هوية الشعوب، ومهما في تعديل سلوك الأفراد، من خلال تأثيرها النفسي عليهم، فهي كفيلة بخلق اتجاهات إيجابية لديهم، نظراً لما تحمله من قيم اجتماعية سامية.

**المصدر : "القدس" دوت كوم
1