يعطي عنوان الرواية انطباعا بأنها ستبحر في الحب والرومانتيكية وأنها ستدور في فلك العاطفي، لكن الاطلاع عليها يقلب هذه المعادلة فثمة حكاية حب لكنها تمتزج بصعوبات الراهن وآلامه ومفاجأته..
هي رواية تتخذ من الواقع اليومي مرجعا وتحيلنا إلى مكونات سردية متخيلة مرجعها اليومي… أماكن معروفة وأزمنة نعيشها وشخصيات لها نظيرها في الواقع وأحداث محتملة الوقوع، وقد نجحت الكاتبة في المحافظة على البنية الكلاسيكية للرواية، رغم اعتمادها تقنية الاستباق والاسترجاع، بحيث نالت بنية الحكاية اهتماما مكن من توفر التوتر والتشويق وضمن للقارئ تطورات غير منتظرة ونهاية واضحة للأحداث…
تروي الرواية حكاية فتاة تونسية اسمها سارة، تم انجابها عن طريق تقنية التلقيح الاصطناعي، وهي سوداء اللون ولدت من أبوين أبيضين وهو ما أثار أسئلة حول حقيقة نسبها، وطرحت احتمالات خطيرة مثل أن تكون ابنة غير شرعية أنجبتها أمها من شخص آخر… وهو ما سبب لها مشاكل اجتماعية مختلفة، وقد انتقلت البنت إلى أمريكا وحققت نجاحا فنيا، إلا أنها تعرضت إلى صعوبات إثر أحداث 11 سبتمبر/أيلول وبعودتها إلى تونس تفجرت أزمة جديدة، حيث تم اكتشاف سر لونها الأسود الناتج عن خطأ طبي والمتمثل في جريمة اعترف بها الطبيب في كتاب له بتعمده خلط الأجنة، وقد نتج عن هذا الاعتراف ارتكاب جريمة قتل هذا الطبيب وتوتر الأحداث من جديد. لقد كان انكشاف الأقنعة وزوال التوتر السردي دافعا لتوتر جديد وللحظة قاسية أعلنتها سارة «هذا كرب هذا بلاء يجب أن أموت… يجب أن أختفي من كل الدنيا.. يجب أن تنشق الأرض وتبتلعني أنا طفل اسود… أمي لا بل والدي أفريقي ولست لأبي وأمي التي ظننت يوما أنها خدعت والدي….» ص228.
بقطع النظر عن البنية الحكائية وما في الحكاية من تنقل في الأماكن وتواتر التوتر والانفراج وعامل التشويق، تلفت هذه الرواية انتباه قارئها بما تطرحه من هواجس وأسئلة تندرج في إطار سعي النص الروائي لتجديد مواضيعه ومشاغله…
فالرواية وظفت الحدث السياسي واتخذته إطارا لجانب منها، حيث تناولت أحداث تفجير برجي نيويورك من زوايا مختلفة، كأنها تقدم على إعادة النبش في هذا الحدث الذي فاجأ العالم وترك انعكاسات على الإنسانية، وكان من ضحاياه العرب المهاجرون الذين كانوا عرضة لضغط ومعاناة وظلم وتوتر، حيث التهم الجاهزة التي كانوا يتعرضون لها: «لك علاقات بأشخاص مشبوهين اتضحت لنا نواياهم في تنفيذ عمليات إرهابية… لا تستطيع ان تنكر أنك تعرف أحمد بودربالة وسلام البرهومي وحميد الفرجاني» ص72.
كما طرحت قضية علمية واجتماعية حساسة من زاوية مختلفة، وهي قضية تعسر الإنجاب والالتجاء إلى التلقيح الاصطناعي وغيره من الطرق الإنجاب عبر التلقيح الاصطناعي، وما يمكن أن تثيره من أخطاء متعمدة أو عن طريق الصدفة، وهي بذلك تقتحم مناطق لم تجد حظها الكامل من التناول الأدبي والإعلامي على حد السواء…
ولا تغيب المشاغل النسائية عن هذه الرواية، حيث تمر الكاتبة على الكثير من مشاغل المرأة مثل، عسر الإنجاب وما ينتج عنه من عقاب اجتماعي يدفع إلى البحث عن حلول. ومثل النظرة الاتهامية السائدة للمرأة من خلال التأويلات التي اتهمت أم سارة بكون مولودتها غير شرعية… كما أن شخصية سارة بقطع النظر عما رافقها من صعوبات في بلادها وفي الخارج تجسد نموذجا لقدرة المرأة العربية على التألق بفعل تألقها الهائل في المجال الفني وتمكنها من تحقيق شهرة في الولايات المتحدة..
إن هذه التجربة الروائية لفاتن الكشو تجعل القارئ أمام بنية حكائية تضمن له التشويق المطلوب وأمام جملة من القضايا والمشاغل التي تدور حوله، فالرواية رواية حب مثلما طرح العنوان، ولكنها رواية أسئلة تخفي رؤية متوترة تجاه الراهن في مختلف أبعاده وهي تكشف اشتباك العاطفي بالسياسي والاجتماعي والديني والأخلاقي فالإنسان يصارع على مختلف الواجهات من أجل سعادته…
رواية «صوت الحب» للتونسية فاتن الكشو: الحكاية والأسئلة!!
بقلم : رياض خليف ... 02.09.2015
كاتب تونسي...المصدر : القدس العربي