1
آه، اللعنة، أي زمن هذا!
إحدى المتاعب العسيرة التي يعيشها الكاتب المحلي وتنغز خاصرته كالإبر، هي عدم وجود قراء مشجعين للأدب المحلي، فالقراء في الأصل تضاءلوا، حتّى كادوا يختفون. بصعود الأجيال الجديدة، بدأت عادة القراءة تضمحل، والبقية الباقية والحقيقية من القراء هم من كبار السن، الذين شبّوا على القراءة.
مع مرور الأيام، تشكّلت نوعيات جديدة من القراء، إحدى هذه النوعيات أطلقتُ عليها اسم "قُرّاء الموضة" وهم في الغالبية من الفتيات اللواتي تخطّين سن المراهقة، وكما هو متّبع في فنون التجميل والتزيين بالملابس والتبرّج، أصبحت القراءة إحدى مكملات هذا التجميل عندهن، وحين تسأل إحدى الفتيات ما تقرأ، تخبرك بعجق وتطنطن بوضوح، بأنها حاليًا، تقرأ أحد الكتب، ويكون في الغالب من الكتب التي تروّج لها وسائل الإعلام العربية والأجنبية. هؤلاء الفتيات، "قُرّاء الموضة"، لا يدخلن إلى العمق أبدًا. هن مجرد قارئات دون فهم لما يقرأن، ويمكن لأي قارئ متفحص، أن يجري لهن اختبارا بسيطا، وسيكتشف كم هن سطحيات خاويات من الثقافة. هكذا بالضبط تكتشف لنفسك عالمًا جديدًا من الناس والأحاسيس والمواقف من الحياة.
2
ذات يوم، أخبرتني إحدى الصديقات بأنها تقرأ في كتاب "عزازيل" للكاتب المصري يوسف زيدان، وقد وصلت حتى الصفحة الخمسين، فسألتها عن رأيها في الكتاب واعتقدت للحظة، أنها وجدت المتعة الكافية التي حصلت عليها، عندما قرأت هذا الكتاب بنفسي، ولكنها قالت: أنا لا أستطيع أن أفهم كل ما هو مكتوب في الرواية.. فسألتها- ولم أقصد أن أوقع بها- عن رأيها في مقدّمة الكتاب والتي هي جزء من القصة حسب التقنية التي اتبعها الكاتب، فقالت لي: لم اقرأ المقدمة، أنا في العادة لا أقرأ المقدّمات.. قلت لها هذه ليست مجرد مقدمة، فالقصة تبدأ من هناك وإذا لم تقرئيها، لن تفهمي الكتاب أبدًا. وبرقت عيناها اللامعتان المعتادتان على الابتسام، والفرح بالحياة، وهذه المرّة كانت ضحكتها مصطنعة وواضح أنها تغطي على غبائها.
3
إن خير الأشياء ما يأتي بالمصادفة- احدى قارئات الموضة كانت تعمل مذيعة، ولشدة إعجابها بالكاتبة الجزائرية احلام مستغانمي، وخصوصا كتابها الأول "ذاكرة الجسد" وهو الكتاب الأكثر شيوعًا بين "قُرّاء الموضة"- ولن أخوض بالأسباب التي جعلته كذلك ولكنّه الكتاب الذي حقق أكبر شهرة لصاحبته والذي صدر عام 1993، وفي عام 2010 تم تمثيل الرواية في مسلسل سمي بنفس الاسم للمخرج السوري نجدة أنزور، بطولة جمال سليمان وأمل بوشوشة- نعود للمذيعة التي سعت للحصول على رقم هاتف الكاتبة الجزائرية، حيث تقيم في باريس وأجرت معها لقاء عبر الإذاعة، وأنا أعرف المذيعة بشكل جيّد، وكنت أعلم محدودية ثقافتها، وحسب قراءتي لكتاب مستغانمي، يجب على القارئ أن يكون ملمًّا جدًا ومثقّفا جدًّا، خاصّة عن الحقبة في سنوات الستين صعودًا إلى السبعينيات ومعلومات دقيقة عن حرب الاستقلال الجزائرية بين سني 1954-1962وعن الحزب الشيوعي العراقي والانقسام الذي حصل فيه في ذلك الوقت، وأسماء بعض القيادات والشعراء التي وردت في قصة مستغانمي. بعد مرور يوم أو يومين، صادفت المذيعة، فأخذت أسألها عن مدى معلوماتها عن تلك الحقبة فاكتشفت أنها جاهلة كلّيًّا بتلك المعلومات.. عندها سألتها: يا آنستي، يا عزيزتي، يا حبوبتي كيف فهمت واستمتعت بكتاب "ذاكرة الجسد" وانت لا تعرفين تلك المعلومات؟
تقوس حاجبها الأيسر، وانطبقت شفتاها، وترقرقت الدموع في عينيها، لا أذكر ما اجابتني، ولكنني تعمدت عدم إحراجها وكأنني لم أسمع كل ما قالت بانفعال قاهر!
4
- آهٍ، والآن، سأروي لكم قصة أخرى تكشف معاناة الكاتب المحلي وعتبة ألمه، وأنين شكواه من قلّة القراء. سأكتب لكم كلماتي بدقة عن كل ما جمعتني به الأقدار على دروب سفري..
أتدرون، لا حاجة لأقص عليكم قصة اخرى، فما ذكرته أعلاه يكفي ويفي ما أريد الوصول إليه، ثم انني سأذهب لزيارة إحدى الصديقات.. التي لم أزرها منذ أمد.. فهي تضج فكاهة وحياة وخيالا، اشتقت لضحكتها الصادحة.
طيّب.. أيها القراء الاماجد انتظروا، من قال ان من بينكم، من سيقرأ ما اكتبه للتو، وسيتضامن مع متاعبي، ولماذا أجهد نفسي بسرد قصة جديدة.. الا يكفي ان مصائب وأفراح الناس تعذبني وتفرحني. تصلني الافراح والاتراح دون عوائق، وتصبح جزءًا لا يتجزأ منّي، وساعتها اهترئ بسرعة كبيرة واشيب بوقت مبكّر، وعندها يختفي في حياتي الهدوء الحقيقي. لكن، سواء قرأتم أم لم تقرأوا، فهمتم أو لم تفهموا، تضامنتم او تغاضيتم، فالعيش بطريقة أخرى لا ينفع.
آه، اللعنة، أي زمن هذا!
قراء الموضة!!
بقلم : ميسون أسدي ... 25.06.2015