أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
قبيلة «المتوجهين» في شمال المكسيك والتمازج الحضاري مع العالم الإسلامي!!
بقلم : محمد محمد خطابي* ... 12.12.2014

ما فتئت التساؤلات تترى بين علماء التاريخ منذ عدة عقود حول موضوع اكتشاف أمريكا،وحول الهجرات المتوالية التي حصلت في فترات متباعدة، ومتلاحقة في التاريخ إلى أمريكا، التي أطلق عليها الإسبان اسم «إسبانيا الجديدة» أو»العالم الجديد».
بداية المأساة
يرجح معظم العلماء والمؤرخين أن قبائل الفايكنغ الإسكندنافيين هم أول الأوروبيين الذين وصلوا إلى هذه الديار قبل كريستوفركولومبوس، كما أن العالم السويدي ثور هاريدال للاستدلال على أنه كانت هناك اتصالات بين الفراعنة وسكان أمريكا اللاتينية، قام منذ سنوات بمغامرة على ظهر مركبٍ مصنوعٍ من ورق البردي الذي انطلق به من سواحل مدينة آسفي المغربية نحو شطآن أمريكا اللاتينية، وهناك من قائل إن الفنيقيين هم الذين ظفروا بقصب السبق في الوصول إلى هذه القارة، (لنا عودة إلى هذا الموضوع المثير في مقال لاحق إن شاء الله)، ويحدثنا العالم السبتي المغربي الشريف الإدريسي في كتابه «نزهة المشتاق في إختراق الآفاق» عن «الفتية المغرورين» (من الغرة وليس من الغرور) الذين ركبوا بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) ليعرفوا حدوده ويكتشفوا غرائبه…أين وصلوا…؟ ناهيك عن المؤرخ أبو الحسن المسعودي (871 – 957م) الذي جاء في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر»: «أنه في حكم الخليفة المسلم لإسبانيا عبد الله بن محمد ( 888 – 912م) أبحر ملاح مسلم قرطبي اسمه الخشخاش بن الأسود من دلبا (بالوس) في عام (889 م) واجتاز المحيط الأطلسي الى أن بلغ أرضا مجهولة وعاد بكنوز غالية ثمينة». وأشار عالم المحيطات البريطاني كيفين مانزيس، في كتابه :»1412، سنة اكتشاف الصين لأمريكا» إلى أن الأميرال المسلم في الصين «سينغ هي»، هو من اكتشف القارة الأمريكية قبل الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس. وأن الخريطة التي رسمها البحارة الذين كانوا ضمن أسطول الأميرال المسلم الصيني تعود إلى عام 1423. ودعم مانزيس نظريته بالتشابه في الحمض النووي بين سكان أمريكا الجنوبية الأصليين والصينيين، فضلا عن دلائل أخرى. (هذا ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا في هذا القبيل الذي زعم أن البحارة المسلمين وصلوا إلى تلك القارة سنة 1178، أي قبل 314 عاما من وصول كولومبوس إليها».
ويقال إن كولومبوس نفسه اصطحب معه خلال رحلته الاستكشافية الكبرى بحارة عربا أو من أصل عربي يجيدون لغات الشرق الأقصى، علما بأنه كان يحسب أنه متوجه نحو آسيا، وأنه كان يحمل رسالة من البلاط الإسباني إلى إمبراطور الصين، هذا عدا الهجرات المتعاقبة للإسبان والبرتغاليين الذين حملوا معهم كثيرا من مظاهر الحضارة الإسلامية في الأندلس، خاصة أن «الاكتشاف» قد تصادف مع سقوط آخر معاقل، أو حواضر المسلمين فيها، وهي غرناطة عام 1492، ولابد أن غير قليلٍ من الموريسكيين قد هاجروا، أو بالأحرى أرغموا على الهجرة إلى هذه الأصقاع سرا، مثلما هجر آخرون قهرا وقسرا إلى مناطق أخرى مختلفة من العالم، بعد أن آلت شمس حضارتهم نحو المغيب في الأندلس. وتروي لنا كتب التاريخ أخبار هذه المرحلة الصعبة من التاريخ الإسلامي، حيث تتضمن العديد من الوثائق والسجلات وأرشيفات محاكم التفتيش حقائق مثيرة ومرعبة بعد أن سام الحكام الكاثوليك الإسبان ومن جاء بعدهم أقسى أنواع العذاب، وأفدح ضروب التنكيل بالمسلمين، مما دفع كثيرين منهم نحو الهجرة صوب أي اتجاه، حتى إن اقتضى الحال قطع الفيافي والصحارى، واجتياز البحار والمحيطات. ويشيرالصديق محمد رزوق في كتابه «الأندلسيون وهجرتهم خلال القرنين 16و17 «: إلى «أن الملك فليبي الثالث اقتنع بفشل محاولة إدماج هؤلاء الموريسكيين فارتأى أن الحل النهائي لن يكون إلا في إخراجهم». ويؤكد الباحث البيرواني خايمي كاسريس أن محاكم التفتيش الإسبانية اقتفت آثار المسلمين النازحين عن إسبانيا حتى بلدان أمريكا اللاتينية وليس داخل إسبانيا فقط .
موضوع متشعب
مظاهر التأثير الإسلامي في هذا الشق النائي من العالم موضوع شيق، متشعب وواسع ومتنوع، إذ يمكن لنا أن نلمس جوانب هذا التأثير في العديد من نواحي الحياة الاجتماعية (بعض التقاليد السائدة) واللغوية (العدد الهائل والوافر من الكلمات العربية التي دخلت واستقرت في اللغة الإسبانية) والحضارية والمعمارية (تأثير العمارة العربية والإسلامية في المعمار الإسباني الحديث العهد بالوصول إلى هذه الديار) الأدبية (في الشعر والأمثال والقصص الشعبي) فضلا عن تأثير الموسيقى الأندلسية التي حملها الإسبان معهم في الأنغام وفنون السماع التي بدأت تظهر وتنتشر في هذه البلاد غداة وصول الإسبان والبرتغاليين إليها، حيث ثبت أنه كان هناك تأثير واضح للخرجات والموشحات الأندلسية على بعض الأنغام الموسيقية المنتشرة في هذه البلدان، وبشكلٍ خاص في المكسيك، منها نوع يسمى عندهم بـ»المارياتشي»، يضاف إلى ذلك كله التأثيرات الناتجة من جراء الهجرات العربية المتوالية الحديثة نحو هذا البلد وسواه، التي تتجلى لنا في مختلف نواحي الحياة فيها، وكان لهؤلاء المهاجرين في ما بعد تأثير ملموس، وإسهام محمود في الكتابة والتأليف وفي مختلف حقول الآداب والمعرفة، بل لقد أسهموا في خلق نهضة أدبية مشهود لها (أصبحت مدرسة متميزة) وتركوا لنا آثارا إبداعية جليلة طبعت فترة مهمة من تاريخ الأدب العربي الحديث في المهجر، بالإضافة إلى إسهامهم في نقل أمهات الكتب المعروفة في التراث الإسلامي مثل « ألف ليلة وليلة» و»كليلة ودمنة» والتعريف بها، وبمختلف نواحي التقدم الحضاري والازدهار العلمي والفكري في التاريخ العربي والإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، حيث كان لهم تأثير لا ينكر في مختلف الكتاب والروائيين الأمريكيين اللاتينيين المعروفين، وفي إبداعاتهم الأدبية المتعددة على اختلاف ألوانها وأصنافها.
أصول عربية في الشمال
الموضوع الذي سنعالجه في هذه العجالة لا يخلو من طرافة وإثارة، إذ يتعلق الأمر بوجود جماعات بشرية في شمال المكسيك تسمى بـ» « (متوجهين) لبعضها عادات وتقاليد، بل وشبه بسحن عربية أو أمازيغية، فضلا عن نوعية الأزياء التي يرتدونها، حيث أن من عاداتهم وضع خمار أو لثام على وجوههم على طريقة سكان معظم البلدان العربية، أو الطوارق، فأنت عندما تجد نفسك أمام امرأة من هؤلاء «المتوجهين» أو «المحتشمين» يتبادر إلى ذهنك فعلا منذ الوهلة الأولى أنك أمام امرأة عربية أو أمازيغية، وقد غطت وجهها خفرا بحجاب، على الرغم من بعد المسافات والمحيطات والبحار والصحارى والقرون كذلك، وسرعان ما يقفز إلى تفكيرك تساؤل آخر: ماذا تصنع هذه المرأة هنا..؟ وكيف ومتى ولماذا قدمت إلى هذه الديار النائية؟
ونطلق لخيالنا العنان من جديد لنفكر في إسبانيا في القرن السادس عشر، وفي المسلمين الأندلسيين، ومأساتهم بعد اندحارهم، وأفول نجم حضارتهم، ويجول بنا الخيال ويصول ويشط في مواضيع لها صلة بهؤلاء القوم الذين تركوا ديارهم وبلادهم مرغمين مجبرين، ويزداد تساؤلنا حدة وإلحاحا: وهل اقتصرت هذه الهجرات على شمال أفريقيا وحسب؟ كما هو معروف (المغرب، الجزائر وتونس) أم أخذت طرقا ومسالك ووجهات أخرى كذلك؟ هل كانت هناك هجرات غير اختيارية على اعتبار الظروف الصعبة التي أملتها تطور الأمور والأحداث؟.. كل تلك التساؤلات والاستفسارات وعلامات الاستفهام تقودنا إلى نوعٍ من التأمل والتفكير وإعمال النظر في هؤلاء، مع شعور ممزوج بالألم والحسرة والانشداه. فهل يا ترى تساءل بعضهم عن أصله وفصله وعرقه وجنسه؟ ولماذا يعيش بعيدا عن قومه وذويه وأرضه ودينه ولغته وهويته؟ فهل هم مهاجرون قدموا طواعية واختيارا من إسبانيا بعد الرزء الذي أصاب أجدادهم؟ أم استقدم بهم عنوة وقسرا من طرف الإسبان الذين غزوا هذه الأراضي البعيدة؟ هل هم يشكلون مظهرا من مظاهر الماضي الإسلامي الأخير في الأندلس؟ هذه النظرة حتى إن كانت تحمل في طياتها نوعا من السذاجة والعفوية، قد يكون لها جانب من الصحة والمصداقية، فالثقافات والحضارات والشعوب منذ أقدم العصور والعهود تتلاقى وتتلاقح وتتمازج وتتزاوج في ما بينها، على الرغم من شحط المزار، والبعد عن الديار، وبعد مرور السنين، وبالأحرى انصرام القرون نجد آثارا وبصماتٍ، وعلامات تلوح لنا كباقي الوشم في ظاهر اليد تدل على أصل هؤلاء، وفصل أولئك.
تاريخهم من اسمهم
يورد المستشرق الهولندي المعروف رينهارت دوزي في معجمه «حول الكلمات الإسبانية والبرتغالية المشتقة أو المنحدرة من اللغة العربية» أن مصطلح «متوجهين» مشتق أو متفرع عن الكلمة العربية، متوجه التي تعني حسبما أورده دوزي نفسه في معجمه المذكور وضع قناعٍ أو خمارٍ على الوجه، ويكون هذا الفعل الإسمي مشتقا من «وجه»، ولقد انتقلت هذه الكلمة إلى اللغة الإيطالية كذلك، ويصف برنال دياث في «تاريخه الحقيقي»: «أنه رأى في شمال المكسيك عام 1521 رقصاتٍ تشبه نوعا من الرقص في إيطاليا يطلق عليه «mattacini ».
كما أن أصل أو «أثل» هذه الكلمة قد يكون تحريفا للكلمة العربية «المحتشمون» (المحتشمين) من الحشمة لعدم سفور وجوههم وأجسادهم، وحرصهم على تغطية رؤوسهم، حيث قلبت الميم نونا للتخفيف في اللغة الإسبانية، كما هو الشأن في العديد من الأسماء العربية التي دخلت الإسبانية واستقرت فيها مثل: haren. Iman.Simun.Talisman.Albotin. Hakin. Monzon.. وهي في العربية بالتوالي: الحريم، الإمام، سموم، (وهي ريح حارة تهب غالبا في مصر في شهر مايو/أيار) طلسم، البطم، الحكيم، الموسم، وسواها من الكلمات الأخرى، ويلاحظ في جميعها أن «الميم» قد قلبت في جميع هذه الحالات «نونا». ويورد الباحث الأستاذ عدلي طاهر نور في كتابه القيم «كلمات عربية في اللغة الإسبانية» (طبعة دار النشر للجامعات المصرية 1971 ص 255) ما يلي: (متوجهين) قديما كانت تعني في اللغة الفرنسية راقص ومهرج، كما يؤكد «بورجينيون» أنه لفظ ينحدر من «متوجهين»، ويتعرض الاستاذ عدلي طاهر نور في كتابه هذا إلى رأي دوزي المشار إليه آنفا، الذي يقول إن اللفظ الإسباني في العربية «متوجهين» هي من «وجه»، فيشير عدلي إلى أن كلمة متوجهين في الواقع هي جمع متوجه، استعملها العامة للدلالة أو التعبير عن لابس الوجه المستعار أي القناع «.
ويشير الباحث المكسيكي أرتورو وارمان في كتابه «رقصات المسلمين والمسيحيين» إلى «أن كلمة (متوجهين) على الرغم من الغموض الذي يكتنفها فإن «أكاديمية اللغة الإسبانة» تؤكد أنها كلمة من أثل عربي، وتعني لابس الوجه أو القناع، وقد أطلق الإسبان هذا الاسم على رقصات الهنود التي يستعملون فيها الأقنعة». وهناك من الباحثين الإسبان من لا يأخذ بهذا المعنى، أي أنهم يرفضون الأصل العربي لكلمة «متوجه» منهم جوان كوروميناس، وخوسيه باسكوال، حيث يزعم هذان الباحثان في كتابهما: «المعجم النقدي للجذور اللغوية الإسبانية» (1987 مدريد) أن الكلمة ربما تنحدر من اللغة الإيطاية، ولم يتفطنا إلى أن نطقها الإيطالي نفسه ينحدر من الأثل العربي للكلمة، ويذهب باحثون إسبان آخرون إلى أن الكلمة تنحدر من «ماطاشين» أي كمرادف «لقاتل المسلمين» حيث تحيي، أو تجسد هذه الرقصات – حسب ادعائهم- حفلات القتال، أو الصراع الذي كان يحتدم بين المسلمين والمسيحيين، وقد نقل الإسبان طقوس هذه الاحتفالات إلى المكسيك.
من أصول سجلماسة بالمغرب
وتحدث عبد المنعم الغلامي في كتابه «مآثر العرب والإسلام في القرون الوسطى» المطبوع في الموصل عام 1940 عن وجود بعض القبائل العربية والأمازيغية في بعض المناطق الجبلية المنيعة في بلاد المكسيك، وقال إن وجود هذه القبائل يجعلنا نعتقد بصحة الروايات التاريخية القائلة بمعرفة المسلمين لأمريكا قبل أن يعرفها الغرب، وإن كان لوجود هذه القبائل في هذه البلاد أسباب واحتمالات ودواعٍ أخرى .
ونقل الباحث الغلامي عن جريدة «الهدى» العربية التي كانت تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية قولها: «إن تجارا أتراكا متجولين في منطقة «سيموجوفل» في المكسيك عثروا أثناء تجوالهم على قبيلة تتكلم العربية، تقطن منطقة جبلية منيعة، ولا تزال هذه القبيلة في عزلة عن هذا العالم ولم تتصل بمن حولها، وهي محافظة على عاداتها الشرقية، وقال أفرادها للتجار المشار إليهم أعلاه أنهم يقطنون تلك الاصقاع منذ مئات السنين.
وكانت قد نشرت صحيفة «الغربال» العربية التي كانت تصدر في «مكسيكو سيتي» تحقيقا ممتعا عن اكتشاف أحد اللبنانيين المسمى طانوس الشنتيري لقبيلة يعيش فيها مزيج من عرب وبربر في منطقة تسمى (سوموجوفل) الجبلية بالمكسيك، وأشارت الصحيفة إلى أن الشنتيري تحدث مع أفرادها بلهجة عربية، وفهم منهم أنهم من عرب وأمازيغ سجلماسة بالمغرب، وأنهم لا يسمحون لأحدٍ بدخول منطقتهم، وأن لديهم أموالا، وتحفا، وآثارا كثيرة يودون لو أستطاعوا إيصالها لمكة المكرمة» (كذا) (!). ويتضح مما سبق أنه قد يكون لهذه القبائل أو الجماعات أو الإثنيات صلات، أو روابط، أو أواصر، أو أصول عربية مغاربية أمازيغية ليس في المكسيك وحسب، بل في عدة مناطق وأصقاع أخرى في بلدان أمريكا اللاتينية . وهذا ما تؤكده الباحثة الإسبانية لويسا إيزابيل ألفاريس دي طوليدو، دوقة مدينة شذونة بإسبانيا التي ضمنت كل تلك المعلومات المثيرة في كتابها الكبير «افريقيا في مواجهة أمريكا» الحافل بالعديد من الوثائق والمصادر والمظان التاريخية والصادر عن المجلس الإسلامي، مركز الوثائق والمنشورات بقرطبة عام 2000.
وتشير الباحثة الإسبانية في الاتجاه نفسه كذلك ضمن حوار أجرته معها «أسبوعية العصر» المغربية عدد 119 (28 تموز/يوليو عام 2000) إلى «أن هناك أسماء في أمريكا الجنوبية والوسطى مأخوذة من الأندلس والمغرب من قبيل مايوركا، التي هي مايورقة، وكاريكا أي قادس، ومراكو المقتبسة من مراكش، كما أن هناك خرائط للبحارة العثمانيين يظهر فيها الشاطئ الأمريكي قبل رحلة كولومبوس». وتضيف الباحثة لويسا ألفاريس كذلك في هذا السياق: «إنه ما زالت هناك بعض المناطق في هذه البلدان تحمل أسماء أنهار ومدن المغرب كفاس، وسلا، كما تؤكد أن لديها وثائق تبرهن بأن الدولة المرابطية لم تكن قائمة في شمال أفريقيا والأندلس فقط، بل كانت تمتد إلى الأراضي التي تشكل اليوم البرازيل، والغوايانات، وفنزويلا».
وقد استقر مصطلح المتوجهين اليوم في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، خاصة في مجال الرقص والحفلات والمهرجانات التي يقيمها السكان الأصليون الهنود في مناسبات مختلفة من الحول في بعض بلدان ومناطق العالم الجديد، وأصبح هذا المصطلح فيها لصيقا أو وثيقا بحفلات الرقص وطقوس الحفلات التنكرية، التي غالبا ما يرتدي المشاركون فيها الأقنعة والخمر فيغدون بالتالي «متوجهين» أي لابسي الوجوه المستعارة والأقنعة، ومن المناطق التي انتشرت فيها هذه الرقصات المكسيك، في مونتيراي، وشيواوا، وتوليما، وفي بلدان أخرى مثل كولومبيا، وغواتيمالا، وسواها .
وفي دراسةٍ قيمة حول هذا الموضوع للروائي الغواتيمالي الكبير ميغيل أنخيل أستورياس (حاصل على نوبل في الآداب 1967) بعنوان: «لأنني أحلم بعيونٍ مفتوحة، يظنون أنني أعلم ما لا يعلمون.. أسطورة المتوجهين» «مرآة ليدا سال 1967» يقول: «إنه من رقصات «المتوجهين» رقصة تسمى «الموريسكية» أو رقصة المغاربة، أو المسلمين، وهي من أجمل رقصاتهم، ولروعتها أصبحت مضربا للأمثال في فنون الرقص في أمريكا اللاتينية، حيث أصبحت تحمل رموزا إبداعية لها صلة بالواقعية السحرية»، التي كان أستورياس من أبرز روادها الأوائل، ويضيف: «هذه الرقصات تعبر عن الآخر الذي يرى ما ليس واقعيا، أو حقيقيا، ويحلم بما ليس كائنا في الوجود» ويؤكد أستورياس حقيقة التمازج الحضاري والثقافي الذي حدث في العالم الجديد بين السكان الأصليين الهنود والمسلمين بواسطة التأثيرات القوية والحاسمة التي حملها الإسبان معهم من شبه الجزيرة الإيبريية إلى هذه القارة البكر في مختلف مظاهر الحياة، منها فنون الرقص والغناء. (أنظر في هذا القبيل مقالي حول هذا الكاتب الكبيرفي «القدس العربي» بتاريخ20 يونيو/حزيران 2014عدد 7782).

*كاتب من المغرب ـ غرناطة..المصدر : القدس العربي
1