أحدث الأخبار
الخميس 05 كانون أول/ديسمبر 2024
قمّة المناخ: وما زال الزّحف نحو الهاوية ثمّة شيء فاسد في مملكة هذا العالم!!
بقلم : ندى حطيط ... 12.11.2021

منذ يوم الأحد 31 تشرين الأول/أكتوبر، أدارت كاميرات التلفزيون ظهرها لكثير من الأحداث والقضايا وشدّت رحالها صوب غلاسكو في اسكتلندا، حيث استضاف رئيس الوزراء البريطانيّ بوريس جونسون، رؤساء وممثلي الدول من جميع أنحاء العالم لبدء أسبوعين من المفاوضات وحلقات النقاش والمؤتمرات الصحافية لمؤتمر المناخ السادس والعشرين.
وإذا كانت المؤتمرات السابقة معنيّة بالنقاش حول تهديدات مستقبليّة، فإن قمّة غلاسكو جرت بينما أصبح تغيير المناخ أزمة حاليّة لم توفّر حتى أكثر أجزاء العالم تقدماً بما فيها ألمانيا والولايات المتحدّة (نيويورك) التي شهدت صيف العام الحالي فيضانات غير معتادة حجماً وتوقيتاً، وانعكست سريعاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعيّة في المجتمعات لدرجة أنّ مسائل البيئة أصبحت في ألمانيا مثلاً المسألة الأكثر إلحاحاً في مفاوضات تشكيل الحكومة بين الأحزاب المتنافسة.
لهذا السبب، رافقت قمة COP26 فرقعة إعلاميّة، وضجّة تلفزيونيّة وصحافيّة ذكرتنا بهمروجّة الاحتفال بمؤتمر المناخ الحادي والعشرين في باريس 2015 بوصفه نقطة تحول كبرى في كفاح البشريّة من أجل إنقاذ الكوكب من الكارثة البيئيّة المحدقة. وكان ذلك المؤتمر قد خلص إلى التّوافق على العمل معاً لاقتصار متوسط ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم على زيادة قدرها 1.5 درجة مئوية أكثر دفئا من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، إذ أن زيادة بمقدار 2.5 درجة ستكون حسب العلماء كافية للدخول في تحولات لا عودة عنها، وكان ذلك يعني أن على الاقتصاد العالمي الانتقال إلى حيّز إطلاق صفر كربون بحلول العام 2050. التفاؤل الكاذب الذي عاشه العالم بعد مؤتمر باريس، لم يطل كثيراً وقتها، بعد انسحاب الرئيس الامريكي (السابق دونالد ترامب) من الاتفاق، بينما بلاده تفوق كل دول العالم في إنتاج التّلوث البيئيّ وانبعاثات الكربون.
الإخفاقات في غلاسكو ستؤجج انهيار المناخ
في حين كان البعض يعلّق آمالاً على القرقعة الإعلامية لقمّة غلاسكو التي استضافتها بريطانيا – وأرادتها لندن منصّة لإعادة تقديم نفسها كقائد عالميّ بعد حكاية خروجها من عضويّة الاتحاد الأوروبيّ – لإنقاذ الموقف المناخيّ المتدهور يوماً بيوم عبر التوصّل إلى التعهدات الدّولية اللازمة، فإن كثيرين يرون بعد فشل القمّة أن الوقت قد فات أمام البشريّة لفعل شيء على الرّغم من أن زعماء العالم يحتفلون بها باعتبارها انتصارات.
لقد أخفق قادة العالم في التّوصل إلى أي حلول ذات مغزى للحد من انبعاثات الغازات المتسببة بالاحتباس الحراري، ومن الواضح أن الوعود الخجولة التي قطعت في القمّة ليست كافية لتجنب كارثة المناخ المحتّمة الآن.
فبينما صرحت بريطانيا لوسائل الإعلام أجمع بأن القمّة توصلت إلى تعهدات من 190 دولة بالحدّ من استخدام الفحم بما يعني أن «نهاية استخدام الفحم الحجريّ في الأفق» لكن الحقيقة أن أقلّ من 80 بلداً وقعّت بالفعل على تلك التعهدات، منها عشرة بلدان فقط التزمت بالتخلص التدريجي من الفحم بالكامل. وحتى لو تمّ الوفاء بها من قبل معظم دول العالم الثالث، فإنّه من المعروف أن الدّول الصناعيّة العشر الكبرى تنتج وحدها حوالي 80% من الانبعاثات، وبدون جهود جذريّة من قبل الولايات المتحدّة والصين وأوروبا للتخلّص بشكل عاجل من اعتمادها على الوقود الأحفوري (النفط والفحم) فإن كل شيء آخر سيكون قليل التأثير ومتأخراً كثيراً عن المطلوب لوقف الزّحف المتسارع نحو الهاوية المناخيّة.
عن طريق الخداع: التزامات ملغمّة بمصالح الرأسماليين
وجد كثير من القادة المشاركين في قمة غلاسكو، ولأجل الحصول على ثناء المضيفين واهتمام كاميرات التلفزيون وتدعيم مواقعهم السياسيّة في بلدانهم أنّه من السّهل إعلان تعهدات بخفض الانبعاثات تدريجيّاً للوصول إلى الصفر بعد عقدٍ أو عقدين من العام 2050، وهو العام الذي حدده العلماء بنقطة التحوّل النوّعي في المناخ فيما إذا استمرت الأمور على منوالها اليوم. ورغم ذلك، فإن الكثيرين شككوا في مصداقيّة تلك التعهدات، لا سيّما وأن هؤلاء القادة والزعماء سيكونون قد تركوا مناصبهم منذ عقود عند الوصول إلى العام المستهدف وليس من المؤكد أنّ أيّاً منهم لديه خطط فاعلة للوصول إلى ذلك الهدف أو ديناميّات لقياس مدى تقدّم التنفيذ، ناهيك عن المثال السيء الذي سنّه الرئيس الأمريكيّ السابق من انسحاب بلاده بعد سنة واحدة على توقيعها على اتفاقيّات باريس 2015.
وحتى عندما أُعلن عن اتفاق 40 من قادة العالم على تشجيع تطوير التكنولوجيا البديلة منخفضة الكربون، مثل تبني الانتقال إلى استعمال السيارات الكهربائيّة، فإن ذلك في الواقع لا يخدم المسألة البيئيّة بالفعل لأن التكنولوجيا منخفضة الكربون غير موثوقة ومكلفة وتعتمد في توليد الكهرباء مثلاً على الوقود الأحفوري. وهكذا يدفع المواطنون من جيوبهم ثمن التحوّل إلى السيارات الخضراء، ويجد منتجو السيارات طلباً مضاعفاً على بضائعهم، ويشعر الجميع بالرضى عن دورهم في تخفيض انبعاثات الكربون، فيما سيتضاعف استهلاك الكهرباء دون وجود خطط حقيقيّة للاستغناء عن اعتماد صناعة توليد الكهرباء على مصادر الوقود الأحفوري. وهكذا عمليّاً تنقل معظم الدّول الانبعاثات من جانب، إلى جانب آخر دون أيّ خفض حقيقيّ.
هذا العالم مدمن على النفط، ونهاية الإدمان دائماً وخيمة
إذا كان ثمّة من خبرة اكتسبتها البشريّة من 25 مؤتمراً سابقاً عن المناخ فهي أن توقيع قادة العالم على التعهدات وإطلاقهم الوعود لا يعني بالضرورة الوفاء بها، وأن مؤتمراتهم الصحافيّة ومقابلاتهم التلفزيونيّة مجرّد فرصة لبيع الكلمات الفارغة بشأن خطط غير واقعيّة وغير كافية لإنقاذ الموقف.
وهذا الأمر مهما جمّله الإعلام الغربيّ أو تجاهله فإنّه لم يعد يقنع الكثيرين بتوفر القدرة أو حتى الإرادة لدى القيادات الحاليّة لتحقيق اختراق فعليّ. ولم تعد تلك الشكوك مقتصرة على مجموعات الفوضويين والمتظاهرين الذين جابوا غير مدينة في العالم للحث على إنقاذ الكوكب، بل وترددت داخل أروقة المؤتمر نفسه وشوشوات عن فشله، وانتقد لورانس توبيانا رئيس المؤسسة الأوروبية للمناخ وكبير مفاوضي فرنسا القمّة قائلاً بأنّه «لا توجد آليّات لضمان التنفيذ، ولا قدرة على التحقق من الادعاءات» معتبراً أن العالم يعيش حالة «إنكار» فيما يتعلّق بأزمة المناخ.
ويدعو كثير من الحاضرين للتحوّل إلى طاقة الهيدروجين أو حتى الطاقة النووية النظيفة. كما كانت هناك تعهدات بخفض انبعاثات الميثان وحماية الغابات من التحطيب وجعل الزراعة أكثر خضرة والاستثمار في أنظمة الزراعة المستدامة. لكّن جميع هذه المبادرات على أهميتها تتجاهل المسألة الأكبر والأكثر إلحاحا المتعلقة بالوقود الأحفوري: من دون وقف عاجل لإدمان العالم على النفط (والفحم) فلن يمكن تحقيق تقدّم كاف. ومن الواضح أنّ القادة والزعماء في قمة غلاسكو لم يتركوا لنا أي كوّة أمل بهذا الشأن ولو على سبيل الخطّة العامّة، ومن دون امتلاك الأمم المتحدّة صلاحيّة التأثير على يد القوى الرأسمالية الرائدة في العالم، والتي لديها مصالح متضاربة مقدّمة على سلامة مناخ الكوكب، فإن مؤتمرات المناخ التي تقيمها المنظمّة الدّوليّة تبدو بشكل متزايد وكأنّها فولكلور إعلامي ساذج للتباكي والتباهي دون اتخاذ أيّ إجراءات حاسمة. ولعل ذلك أشبه ما يكون بحال قبائل هنود الأزتيك المنقرضة، والتي كلّما كانت تشتد عدوانيّة المستعمر الإسباني ضدّها، لجأت قياداتها إلى بناء مزيد من المعابد وإقامة المهرجانات الدينيّة المبهرة. ونعلم اليوم تماماً، أين انتهى هؤلاء التعساء.

1