تتنوع الأمراض النفسية التي يعاني منها العديد من الناس بحسب الجنس والعمر ما بين الاكتئاب والهوس والقلق وانفصام الشخصية والخرف وفرط الحركة واضطراب الطيف التوحدي وتلعب دائرة العنف والحروب والفقر والبطالة وحرمان الفرد من أبسطة حقوقه كالعيش الكريم والصحة بما فيها النفسية اضافة الى ارتفاع معدلات الانتحار, وتُعد اللامفرداتية أو نقص الانسجام النفسي"" Alexithymiaأو بما يعرف بفقد العواطف حالة نفسية من الأمراض المنتشرة والتي يصاب بها الفرد بحالة العجز عن وصف وتحديد مشاعرة بما يشعر تجاه الاخرين وهي حالة ضعف في الشخصية وقد تصل لدرجة أنه هو بنفسه لا يعلم ماذا حل به وقد يعاني من مشاكل في الحفاظ على العلاقات والانخراط في المواقف الاجتماعية وضعف في التعبير عن العواطف والمشاعر والتعلق الاجتماعي والعلاقات الشخصية, ولكنها لا تعد اضطرابا في الصحة العقلية, ولكن قد تترافق الحالة باضطراب نفسي مرافق كالاكتئاب,أو قد تحدث دون وجود اضطراب قابل للتشخيص, ولقد وجدت ارتباطات بين اللامفرداتية ومرض التوحد, ووفقًا لبعض الأبحاث يعاني ما يصل إلى 13٪ من السكان من تلك المتلازمة, وهي أكثر شيوعًا بين الذكور.
ووصفت اللامفرداتية للمرة الأولى من قبل عالم النفس والأستاذ الفخري للطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد بيتر سيفنيوس في أوائل السبعينيات. ويعود أصل الكلمة "أليكسيثيميا” إلى اليونانية:”a” “Alexithymia” تعني نقص، و”lexis” تعني “كلمة”، بينما “thymos" تعني عاطفة، وتشكل معًا «عدم وجود كلمات للعواطف و عمى المشاعر", وقد ينشأ المرض من الطفولة المهملة التي لا يهتم الوالدان فيها بتوجيه الطفل نحو التعبير عن مشاعره والاهتمام بها والسؤال عنها, وتلعب الصدمات العاطفية دوراً في الإصابة بعمى المشاعر، وتتسبب بإضعاف الصلة بين المشاعر والقدرة على التعبير عنه,والتمييز بين مشاعر الاخرين وتقديرها، وذلك ليس لأنهم قساة القلوب والعكس صحيح فالمصابون بهذه الحالات معروفون بأنهم أناس حساسون جداً ولكن يوجد لديهم كبت يجعلهم في حالة غير عاطفيين خارجياً أي بمعنى آخر لا يعبرون عن مشاعرهم، كما أن نسبة الأشخاص المصابين بهذه الحالة قد تصل إلى حوالي 10% من البشر, وتشير بعض الدراسات الى أن لتلك المتلازمة أساس وراثي وهذا يعني أن بعض الناس لديهم استعداد وراثي للإصابة ولكن العوامل البيئية والظروف الحياتية للفرد تلعب الدور الأكبر في الإصابة بها ولا سيما العائلة والمدرسة والمجتمع, من جهة أخرى أظهرت الدراسات ان لهذه الحالة احتمال وجود عجز نصفي في نقل المعلومات العاطفية بشكل صحيح من النصف الأيمن للدماغ الى المناطق اللغوية في النصف الأيسر كما يمكن أن يكون السبب انخفاض القشرة الحزامية الأمامية ويلاحظ غالبا لدى المرضي النفسيين الذين عانوا من سوء المعاملة في مرحلة الطفولة.
لعمى المشاعر بعدان أساسيان: بعد معرفي يكمن في صعوبة التعرف على المشاعر وتمييزها والفصل بينها، وبعد عاطفي حيث تنشأ معه صعوبات في رد الفعل والتعبير والشعور والتخيل. كما تظهر الدراسات أن 8% من الذكور يصابون بعمى العواطف بمقابل 2% من الإناث بكثافة متنوعة ما بين عمى خفيف ومتوسط وحاد, ويعاني المصابون بهذا المرض من ظهور مشاكل صحية جسدية، لأن عدم إدراك العواطف وعدم التعبير عنها يؤدي إلى بقائها حبيسة، وبالتالي ظهورها في هيئة آلام جسدية.
ويمكن تمييز ومعرفة المصابين بتلك المتلازمة من خلال الأمور التالية مثل عند فحص الوجدان نجد تصرفاته ومشاعره وعواطفه غيرمناسب للموقف، والتعبير بالضحك الشديد أثناء الحزن كنوع من اللامبالاة وصعوبة في تحديد المشاعر والتمييز بين المشاعر والأحاسيس الجسدية وصعوبة وصف المشاعر للأشخاص الاخرين حيث تضعف قدرة المرء على التعرف على مشاعره الشخصية وتؤثر على العلاقات بين الأشخاص وعلى تسوية النزاعات, ويتسم الأشخاص الذين يعانوا من هذه الظاهرة بالبرود والانعزال عن الاخرين ويعانوا بشكل عام من الضغوط الشديدة والمواقف الصعبة مثل الطلاق أو النزاعات في مكان العمل.
يتفق الأطباء لعلاج هذه الظاهرة لابد من تشخيص الأولي للحالة هل متلازمة الفقدان العاطفي نتجت بسبب تخلف عقلي أو حالة التوحد أم بسبب اضطراب معين مثل الفصام أو الصدمة ، فلابد من تحديد نوع الاضطراب والتعامل معها تبعا لنوع الاضطراب فمثلا لو نتجت عن الصدمة الحادة لابد من استخدام التقنية العلاجية نقص الحساسية التدريجي التي تسمح للحالة بعرض المواقف والأحداث الأكثر حدة وصعوبة بحياته من خلال تسجيلها في قائمة والتعبير وتسجيل المشاعر المرافقة لهذه الأحداث ويتم المعالج بإخضاع الحالة لجلسات الاسترخاء والتأمل ويعرض كل موقف أو حدث بطريقة يطلب من الحالة استدعاء المشاعر المناسبة للموقف إذا كان الموقف حزين يطلب استدعاء مشاعر الحزن من الحالة وإذا كان الموقف مفرح يطلب من الحالة استدعاء مشاعر المفرحة،وكذلك استخدام تقنية التعريض لتسكين حركة العين لتعبير عن المشاعر والتخفيف من درجة الألم للحالة.
ويرى الأطباء أن العلاج في أن يملأ الفجوات في الذكاء العاطفي الا انه من الصعب ايجاد معالج متخصص في علاج ذاك المرض ولكن الأمر يتعلق بالعائلة والمحيط الاجتماعي وذلك من خلال تشجيع المريض على كتابة يومياته أو قراءة الروايات ومشاهدة العروض الفنية والمسرحية ومن خلاله سؤاله عن مشاعرة وحاله واشراكه في جلسات علاجية جماعية وتشجيعه يعبر من خلالها عن أفكاره ومشاعره وقول ما يريد، وكذلك إشراكه في جلسات الاسترخاء والتأمل للتعبير عن أفكاره الكامنة من خلال التأمل العلاجي ، وإشراكه في جلسات السيكودراما للتدريب والتعبير عن المشاعر المحزنة والمفرحة تبعا للأحداث التي بمر بها في حياته ، وإدخاله من جلسات العلاج المعرفي السلوكي في حل المشكلات وتعديل الأفكار إلى جانب ممارسة أنشطة المتعة والانجاز بشكل يومي للتعبير عن مشاعره والانخراط بالمجتمع.
متلازمة فقد العواطف "Alexithymia...!!
بقلم : د .ياسمين نايف عليان ... 31.03.2020