أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مسرحية حرب الشمال السوري!!
بقلم : د. عبد الستار قاسم ... 22.10.2019

تحاول بعض وسائل الإعلام التركية والعربية أن تصور لمتابعيها أن حربا ضروس تجري في الشمال السوري، وأن الطرف الذي تؤيده يحقق انتصارات باهرة. وتنشغل هذه الوسائل بمتابعة مجريات الحدث قليل العنف في الشمال السوري واستضافة المعلقين والمحللين، وبث الندوات والحوارات بين مختلف وجهات النظر. وسائل الإعلام التركية تبث مشاهد انتصارات تقول إن الجيش التركي يحققها، ومشاهد هروب مجندي قسد من أرض المعركة. وكذلك تفعل بعض وسائل الإعلام العربية. ولا تبخل وسائل العرب والترك في نشر البهجة التي يعبر عنها أهالي القرى والمدن التي يدخلها الجيش السوري أو الجيش التركي.
ما تقوم به وسائل الإعلام هذه يشكل استهتارا بذكاء المشاهد أو المتابع، وتعتبره مجرد صنم يجلس أمام التلفاز دون أن يفقه ما يدور حوله. الافتراض أن المشاهد العربي والتركي أبله ولا يملك قدرة على التمييز، وهو يبلع ما تقدمه وسائل الإعلام على أنه الحقيقة. من المحتمل أن العديد من المشاهدين بلهاء عندما تكون الحقيقة تائهة وتتقاذفها رؤى متباينة وقوية في جدليتها، لكن هذا لا ينطبق على ما يجري في الشمال السوري لأن المسرحية واضحة المعالم.
ما يوصف بالحرب في الشمال السوري تم وضع مجرياتها مسبقا على الورق باتفاقيات بين مختلف الأطراف بحيث تتم مراعاة: وحدة الأراضي السورية ما أمكن، وتلبية المطالب الأمنية التركية، والمحافظة على حياة المدنيين من عرب وكرد وممتلكاتهم الخاصة والعامة، وحتى تجنب قتل العسكريين من قسد بقدر الإمكان، وفتح المجال أمام الجيش السوري لدخول بعض التجمعات السكانية الكردية، وأن يعمل الجميع في النهاية على ملاحقة عناصر داعش.
توافق الأمريكيون والروس على وضع الخطوط العريضة لمجريات الحدث. الأمريكيون لا يرغبون بخسارة تركيا لأنها حليف استراتيجي وعضو في حلف شمال الأطلسي، والروس أيضا لا يرغبون بخسارتها بعدما تحسنت العلاقات بين الطرفين. ونظرا لذلك كان على الكرد أن يكونوا الضحية. الأمريكيون انسحبوا لفتح الطريق أمام الجيش التركي، والروس أقنعوا الكرد بالعودة إلى مظلة الدولة السورية لأنه لا حماية لهم خارجها لا من أمريكا ولا من الأتراك. أيقن الكرد أنه لا نصير لهم، وخيارهم الأفضل هو تسهيل عمل الجيش السوري. تعهد الروس والأمريكيون بأن يضبط كل منهما حلفاءه في المنطقة كي لا تندلع حرب بين الجيش التركي من جهة، والجيش السوري وقسد من جهة أخرى.
المتتبع لما يوصف بحرب لا يجد حربا، وإنما يرى بعض المناوشات العسكرية التي لا تدوم طويلا وذلك نظرا لظهور تفاصيل تتطلب حلا أمريكيا روسيا سريعا. ما يجري في الغالب انسحابات قسدية ودخول جيوش لتجمعات سكانية بدون قتال.
ما هو مهم فيما يجري في شمال سوريا هو ما سنراه بعد أن تضع الحرب المزعومة أوزارها. هل سيبقى الأتراك في الشمال السوري ويفرضون تقسيما للأرض السورية أم لا؟ هذا يعتمد على ما توافق عليه الروس والأمريكيون. وتقديري أن الروس مصممون على وحدة الأراضي السورية، وهم لا مانع لديهم ببقاء تركي مؤقت في الشمال لغاية الاطمئنان إلى أوضاعهم الأمنية. وفي المقابل، سيطلب الروس من سوريا المحافظة على أمن الحدود السورية التركية. ومن المفروض أيضا أن يصر الروس على أمن سوريا من جهة الحدود التركية لأن الدمار الذي لحق بسوريا قد تم بفعل فتح الحدود التركية أمام المسلحين والسلاح. وإذا كان للمنهج الإحصائي أن يتدخل، واضح أن الأضرار التي لحقت بسوريا من جهة الحدود التركية كبيرة جدا وأضعاف ما لحق بتركيا من أضرار من جهة الحدود السورية. أي أن المحافظة على الأمن السوري أكثر إلحاحا من المحافظة على الأمن التركي. فهل سيتم إلزام الطرفين بحفظ أمن متبادل، أم أن الضغط سيكون فقط على الجانب السوري؟
هذا ومطلوب من الكرد أن يعيدوا التفكير بتكتيكاتهم السياسية والعسكرية، وألا يبقوا أنفسهم أدوات بأيدي دول غير مؤتمنة وعلى رأسها أمريكا والكيان الصهيوني. الأفضل لهم عدم استيراد قوى خارجية لا هم لها سوى تحقيق مصالحها. المفروض أنهم تعلموا من تجاربهم السابقة الخائبة.

1