أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عن المعاداة الأميركية شبه العنصرية للفلسطينيين!!
بقلم : د. خالد الحروب ... 13.06.2018

ثمة مؤشرات عديدة تتجمع وتشير إلى صعود نزعة عداء شبه عنصرية، إن لم تكن عنصرية بحتة، ضد الفلسطينيين في اوساط مؤسسة الرئاسة الاميركية والكونغرس فضلا عن دوائر اليمين المُتصهين، وهي نزعة معاداة الفلسطينيين Anti Palestinianism.
سوف تدخل «الترامبية» في التاريخ الفلسطيني بكونها الحقبة الاميركية الأكثر بشاعة والتي عزز فيها الرئيس الاميركي نفسه نزعات وسياسات احتقار الفلسطينيين وكراهيتهم، وترجم تلك الكراهية إلى قرارات سياسية مدمرة بدءاً من نقل السفارة الاميركية للقدس، إلى تغيير الموقف الرسمي الاميركي من المستوطنات والاستيطان، ثم مروراً بتقليص المساهمة الاميركية في ميزانية وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ـ الأونروا، إلى النصف، وليس انتهاءً بالتضييق على مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
هذه الكراهية المُتصاعدة هي التي تبرر الصمت الاميركي عن كل السياسات والممارسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، وحتى عدم التعليق على اكثر التصريحات الاسرائيلية عنصرية مثل تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان بأنه لا يوجد ابرياء في قطاع غزة ـ اي ان قتل اي فرد من المليوني فلسطيني في قطاع غزة امر مسوغ. وهي الكراهية التي وحدها تمكننا من فهم كلمة نيكي هيلي المندوبة الاميركية في الامم المتحدة وهي تحمل الفلسطينيين، الضحية، مسؤولية ان تقوم اسرائيل بقتل اكثر من ستين منهم وجرح اكثر من الفين وسبعمائة في مسيرات العودة في غزة.
على إيقاع صلوات وخطابات المسيحية الصهيونية التي تحتل الآن قلب البيت الأبيض ويعزز حضورها الشرس نائب الرئيس مايك بينس، تنتقل المقاربة الأميركية تجاه فلسطين والفلسطينيين وإسرائيل والقدس من مربع السياسة إلى مربع الدين والغرائز البدائية.
لم يكن الدين غائبا عن السياسة الاميركية في اي حقبة من الحقب، ذاك ان قيام اميركا تلازم ورؤية مسيحانية بيوريتانية منذ التأسيس، فهي تلك «المدينة على جبل» التي تشع بالنور على جوار يتسم بالظلام! وعلى طول القرنين الثامن والتاسع عشر كان الدين وجذور المسيحية الصهيونية تقف خلف حماس ونشاط العديد من الرحالة والسياسيين الاميركيين وتأتي بهم إلى الارض المقدسة.
وتبلورت افكار هذه المسيحية حول فكرة اساسية محورها ان عودة اليهود إلى «ارض الميعاد» هي الشرط والبشير الاولي لعودة المسيح الثانية، ونهاية العالم.
على ذلك وللتسريع في عودة المسيح لا بد ان يستعمر اليهود تلك الارض التي وعدهم الرب بها. وفي النسخ الاكثر تطرفاً في هذه الرؤية هناك توسيع لمفهوم «ارض الميعاد» او ارض اسرائيل التي يجب ان يستوطنها اليهود، لتشمل شرق الاردن، وبعضها يُضمن خرافات اخرى تضم الارض الواقعة بين النيل والفرات. المشكلة ان هذه الترهات التعصبية اصبحت الآن في قلب الخطاب الاميركي تجاه فلسطين واسرائيل، وشواهد الإشارة إليها عديدة جداً سواء في خطابات وتصريحات ترامب ونائبه وصولا إلى سفيره في اسرائيل، وليس انتهاءً بالقس المتعصب روبرت جيفرس الذي قاد صلاة عنصرية في افتتاح السفارة الاميركية في القدس، واستثنى اهمية القدس عند المسلمين بكاملهم وحصر اهميتها الدينية باليهودية والمسيحية.
الخطاب الديني الغرائزي المتعصب والإقصائي اياً كان وحيثما وجد يتحول إلى تسويغ لإبادة الآخر إن تمكن من احتلال السياسة والقرار السياسي والعسكري. في هكذا خطاب تختلط التسويغات الدينية التي تعلي من شأن الذات وتحقر من الآخر، مع عنصريات اثنية بيضاء او غيرها تكرس من تراتبية الأجناس والالوان. في كل الاديان والثقافات والحضارات هناك خطابات غرائزية متطرفة وإبادية ضد الآخر، لكن مخاطرها تظل قليلة طالما بقيت على الهامش ومُسترذلة من قبل المجموع العام. وعندما تتسلل مثل هذه الخطابات إلى سدة القيادة وتسيطر على عقل وتصرفات حكومة او دولة ما، فلا معنى لذلك سوى ان كارثة ما اصبحت قيد الحدوث.
في الحروب الاميركية البيضاء ضد الهنود الحمر تم توظيف الدين واستغلاله إلى الحد الأقصى وتبرير الهولوكست المسكوت عنه ضد السكان الاصليين حيث ابيد منهم ما بين عشرين إلى ثلاثين مليوناً على يد البيض القادمين من اوروبا، الهاربين بدينهم من البطش الكاثوليكي المتعصب في القارة.
من منظور ديني عنصري تمت موضعة الهنود الحمر في مرتبة اقل من البشر، واعتبرت ارواحهم ملعونة ولا تستحق الرحمة، بل إن الرحمة الوحيدة التي يمكن ممارستها معهم هي قتلهم حتى تتخلص ارواحهم من عذابات اللعنة التي طاردتهم بسب بعدهم عن طريق الرب أو عدم وصولهم إليه.
وإجمالاً وتبعاً للأكاديمي البريطاني مايكل بريور فإن المنظور الديني المُحور والمُؤول الذي وظفه الاستعمار بشكل عام يرى في تلك الشعوب المُستعمرة غير المسيحية، سواء أكانت الهنود الحمر في اميركا والسكان الاصليين في اميركا اللاتينية ونظائرهم في افريقيا بطولها وعرضها، ثم العرب في فلسطين، بأنها كانت محكومة بالخطايا الأبدية، ولذا كان عليها ان تخضع لخيارات القوة المسيحية البيضاء. والخياران الوحيدان امام هذه الشعوب هما تطهير ارواحها عبر التبعية للاستعمار، وإما مواجهة خيار الإبادة.
وروجت الخطابات المرافقة للقوة الباطشة آنذاك بأن الاستعمار الغربي كان تعبيرا عن انتصار الرب ورغبته في توسيع مملكته، وكل من يواجه هذه الرغبة عليه تحمل النتائج الإبادية.
ولم تكن النازية وهتلر ومشروعهما الإبادي ضد يهود المانيا واوروبا بعيدين عن توظيف الدين ايضا. وبحسب تحليل معمق في دور الدين وتوظيفه في المشروع النازي، في كتاب هام بعنوان «هتلر والرب والإنجيل»: Hitler, God & the Bible صدر من سنتين من تأليف Ray Comfort فإنه من دون الاعتماد على المسيحية والتأويل الديني ولي اعناق النصوص واستغلالها ما كان لهتلر ولا لدولة الرايخ ان تصل إلى ما وصلت إليه، أو ان تسوغ إبادة ستة ملايين يهودي في المحرقة. يجادل كومفورت بأن هتلر كان مقتنعاً بأن ما يقوم به من «غربلة» للجنس البشري تفرض ضرورة التخلص من الأجناس الرديئة، وترقية «الجنس الآري الأبيض» فوق الجميع، هو ترجمة لإرادة الرب وان تلك الغربلة مسنودة بمسوغات انجيلية.
احد جوانب خطابات إبادة الآخر يتمثل في إسكاته وطمسه ومحاولة محوه ليس فقط من الحاضر بل ومن الماضي ايضاً. ويتمثل هذا الجانب اليوم في الخطابات الاميركية تجاه فلسطين والفلسطينيين في كثير من التعبيرات والفذلكات البلاغية، اهمها عدم ذكر كلمة «فلسطين» و»الفلسطينيين»، وكأنهم غير موجودين اساساً. حتى عند اضطرار ترامب للحديث عن عملية السلام فإنه يتحدث عنها بشكل عام وكأنها بين اطراف تقطن المريخ. مسؤولو الادارة الاميركية من واشنطن الى الامم المتحدة إلى سفيرها في تل ابيب لا يذكرون كلمة «فلسطين» أو «الفلسطينيين»، بل يُشار لهما بضمائر مجهولة.
هذا ما رآه الجميع في كل الخطابات التي غلب عليها الدين والعنصرية في حفل افتتاح السفارة الاميركية في القدس. ليس هناك «آخر»، وهذا «الآخر» يجب ان يُطمس حتى مجرد ذكره. وإن حدث وقتلنا منه عشرات على حدود غزة، فإنه هو المسؤول عن موته. مع هذه الإدارة الأميركية وعنصرياتها إزاء الفلسطينيين والعرب والمسلمين بعامة يتم دفع العالم إلى حقب الظلام والعصور الوسطى!!

1