أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
أفلام الرّعب ومسلسلات الزومبي أنقذت الشاشات من موسم باهت: علامات الأزمنة المظلمة!!
بقلم : ندى حطيط ... 20.10.2017

رغم الصيت الذائع المستمر منذ نصف قرن تقريباً لكاتب روايات الرّعب الأمريكي الأول ستيفن كينغ، ورغم تحويل عشرات من أعماله إلى أفلام ومسلسلات بعضها أصاب نجاحاً أقلّه على المستوى التجاري، إلا أن وجوده في عالم الشاشات بقي معظمه أعمالاً جانبيّة تخاطب جمهوراً محدداً من مدمني التشويق وأصحاب التعاطفات المكبوتة مع القتلة أو الضحايا – أو ربما كليهما معاً – دون أن يتمكن يوماً من تسيّد التيار الأساسي للأعمال المقدّمة للقطاع الأوسع من الجمهور.
لكن ذلك تغيّر فجأة بعد أن تعدّى الرّجل السبعين من عمره هذا العام، إذ قدّمت هوليوود فيلمين مستوحيين من أعماله ودفعت بهما إلى دور العرض على أوسع نطاق ممكن، ليحظيا بإقبال استثنائي فعلا في شباك تذاكر هذا الموسم على نحو دفع صحيفة ذي غاريان البريطانيّة للتساؤل فيما إذا كانت أعمال الرّعب هذه قد أنقذت موسم صيف هوليوود الباهت. وبالفعل، فإن فيلماً ذي ميزانيّة لا تتجاوز عدة مليونات من الدولارات (فيلم يومُ موتٍ سعيد) انتهى متربعاً على عرش أرقام البيع في شباك التذاكرالأسبوعين الماضيين متفوقاً على كافة الإنتاجات الضخمة المعروضة بما فيها إعادة تقديم فيلم (بليد رنر) الذي وكأنه انزوى لمصلحة (يوم موتٍ سعيد)،كما حال عدد كبير من الأعمال الأخرى التي فشلت في استقطاب جمهور عريض.
شبكات عرض المحتوى البصري على الإنترنت متل نيتفليكس وشقيقاتها لحقت بدورها بذات الموجة من خلال تقديم مجموعة من مسلسلات الرّعب والموت والديستوبيا حظيت بشعبيّة هائلة بين المشتركين. نيتفليكس مثلا قدمت مسلسلين عن روايات لستيفن كينغ نفسه (الضباب) و(مستر مرسيدس)، بينما يحظى مسلسل (الموتى الذين يمشون) في مواسمه السبعة على موقع الأمازون بإقبال غير مسبوق.
*لماذا نشاهد العنف؟ نظريات لا تنتهي
فما سر هذا الصعود الاستثنائي والمتراكم لهذي الأعمال؟ وأي مزاج سىء يدفع بالجمهور العريض إلى إنفاق الوقت والنقود على مشاهد العنف والتعذيب والقتل وقطع الرؤوس؟
بالطبع هناك نظريات عديدة تفسر من وجهات سيكولوجية متقاطعة إقبال بعض قطاعات الجمهور على مشاهدة وربما إدمان تلك النوعيّة المخضبّة بالدماء والجثث من أفلام ومسلسلات، لا سيما وأن تجارب أكاديميّة أجريت لمقارنة ردة فعل عينات عشوائيّة من المتلقين على مشاهد عنف حقيقي ضمن أعمال وثائقيّة، فتبيّن أن أغلبية ساحقة من العينة (90% في دراسة من 1998) لم تستطع إكمال الوثائقي لآخره وأوقفت العرض، بينما عبّرت النسبة الأقل (10%) التي استمرت في متابعة الفيلم حتى نهايته عن امتعاضها الشديد من قسوة المشاهد المعروضة. ذات العينة لم تجد صعوبة تذكر في دفع ثمن تذكرة لحضور فيلم رعب سينمائي يقّدم مشاهد تمثيليّة مشابهة لما اطلعوا عليه في الوثائقي، الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأن جمهور أعمال الرعب يستفيد من معرفته بأن مشاهد العنف السينمائي هذي مفتعلة، فيحظى بحماية مساحة سايكولوجيّة تجنبه الإحساس بالألم والذنب التي قد يعاني منها لدى التعرض لمشاهد عنف حقيقي.
مع ذلك فإن هذي الدراسات لا تفسّر حقيقة لماذا قد يقضي أحدنا ثمانين ساعة في متابعة مسلسل مثل (الموتى الذين يمشون) متعايشين مع مواسم صيد زومبيات متكررة يستدعي قتل أي منها استهداف الرأس تحديداً، بينما يتم أكل من يقع في أيديهم من البشر حيّاً أمام الكاميرات.
بعض الخبراء يأخذنا إلى مشاعر عميقة مكبوتة من أيام النشأة الأولى على نسق أفكارسيغموند فرويد وكارل يونغ، بينما يقول آخرون إن أعمال العنف هذه إنما هي تفريغ صحي لمشاعر عنف بدائيّة كامنة فينا أو إن تلك الأعمال تقدّم جرعة مكثفّة من الأدرينالين والتشويق لجمهور متعطش للخروج من حياته اليوميّة المظلمة أو المملة والحصول على نشوة الترقّب والهلع في انتظار النهاية التي ينبغي لها دائماً أن تعاقب المجرم على أفعاله. لكن مجمل النظريات تنقب في السيكولوجيا الفرديّة للأشخاص، ولا تفيد كثيراً في فهم السلوك الجمعي المحتفي بالعنف المصّور على نحو متزايد والقادر على تقديم أعمال مربحة تجاريّاً في وقت تتراجع حظوظ الأعمال الدراميّة الإيجابيّة أو المسالمة.
*المستوى الجمعي يُنبىء بتحولات ظلاميّة المزاج
لعل أفضل مكان لعبور التحليل إلى المستوى الجمعي فيما يتعلق بهذي الظاهرة يكون النظريّة الثقافيّة، إذ يرصد خبراء الثقافة الشعبيّة الأمريكيّة نوعيّات متفاوتة من أعمال العنف في السينما والتلفزيون رافقت تحولات الهموم المجتمعيّة للشعب الأمريكي – وضمناً تلك الشعوب التي تعيش عالة على الإنتاج الثقافي الأمريكي -. فالخمسينيات عندهم كانت موسم صعود الوحوش المشوهة للتعبير عن الهلع الاجتماعي بعد استعمال القنابل الذرّية وانتشارها، بينما سيطرت أفلام ومسلسلات الزومبيات على مرحلة الستينيات تعبيراً عن مشاعر جيل الأمريكيين الذي عاشر فظائع الغزو الأمريكي لفيتنام، وعكست موجة أفلام مرحلة (كابوس إلم ستريت) انعدام ثقة المواطنين العاديين برموز السلطة بعد فضائح ووتر جيت، في حين عادت كل الاشكال معاً زومبيّات ومسوخ وعنف بشري مقيت منذ الأزمة الماليّة العالميّة عام 2008 والتي لم تتعاف منها معظم مجتمعات المعمورة حتى الراهن من الوقت. الأمر الذي يعبّر ربما عن انتشار وبائي لمشاعر السلبيّة والإنعزال في أجواء الرأسماليّة المتأخّرة المتغولة. إنها علامة الأزمنة المظلمة التي نعيش في ظل البطالة وسياسات التقشف وأجواء (البريكست) وصعود الشعبوية المقيتة ما بعد ترامب.
ولا شك أن التوسع المستمر في انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي قد ساهم بطريقة أو بأخرى في توسيع قاعدة جمهور العنف الزائد، إذ أن قطاعات متزايدة من الجمهور تتعرض لجرعات مستمرة من مشاهد العنف اليومي الموثق سواء في نشرات الأخبارأو من خلاال حزّ الرؤوس وفنون القتل التي أتحفت بها داعش العالم خلال السنوات الأخيرة على نحو جعل من أفلام الرُّعب والتعذيب مجرّد ألعاب طفوليّة بالمقارنة. كما أن الأجواء السياسيّة المتأزمة والتهديدات الترامبيّة المتلفزة المتنقلة من سوريّا إلى كوريّا الشماليّة وأخيرا باتجاه إيران كلها تضع المواطنين العاديين على بوابة حرب كونيّة شاملة لا تبقى ولاتذر في ظل الانتشار المتزايد للأسلحة النووية والفتاكة.
*توقعوا الجثث والمهرّجين القتلة والتعساء
فإذا كنا نعيش في مثل هكذا أزمنة مظلمة، حيث احتمالية إسدال الستارة على العالم الذي نعرف في الغد ، وبينما أغلقت الرأسماليّة الجشعة آفاق التغيير نحو الأفضل ودفعت بالملايين من البشر إلى الاكتئاب والقلق، فمن يلوم الناس إذا هم فرّوا من واقعهم المضني نحو مشاهد عنف آمن يشوقهم ويقلقهم لكنّه دائماً ينتهي على خير ما يرام؟ ومَن أفضل من صناع الصورة في التقاط هذا المزاج الحالك وتحويله إلى مطبعة نقود. توقعوا إذا المزيد من الجثث التي تمشي، والمهرجين الذين يقطّعون ضحاياهم، والرؤوس المتطايرة، والتعساء الذين يؤكلون أحياء بأن يمكثوا معنا لبعض الوقت، فحكم ترامب في بداياته الأولى.

المصدر : القدس العربي
1