لا أحد منا يختار الميتة التي يشتهيها، لكن البعض يجعلون من الموت الخيار الأكثر أناقة عندما لا تعود الحياة لائقة بمبادئهم وكرامتهم. الشيخ الأسير المضرب عن الطعام للمرة الرابعة في سجون الاحتلال الإسرائيلي خضر عدنان هو أحد هؤلاء الذين يمضون نحو موتهم بعزة.
لم يستطع الاحتلال الإسرائيلي قتل الشيخ خضر عدنان في المرات الأولى التي أضرب فيها، لأنه وبكل بساطة كان مستعدا للموت “ومن الصعب قتل شخص على استعداد لأن يموت، ذلك أن قتله سيكون بلا معنى”.
في كل مرة يضرب بها الشيخ خضر عدنان أكتب له ولأجله، من جوعه تخجل كلماتي، ومن صبره أتعلم دروسا جديدة عن أهل النفاق، عن الساسة والحكام الذين لم يفعلوا شيئا للعنجهية الصهيونية، فاتخذوا من السلام طريقا لهم وأصبحت البندقية في واقعهم استثناء، عن الذين لم يكن الأسرى على رأس أولوياتهم، أؤلئك الذين يؤجلون غضبهم حتى يبدأ العد التنازلي لحياة الأسير المضرب عن الطعام، ليصبحوا أشبه بالمنبه العطلان الذي لا يدق إلا بعد فوات الأوان، أكتب عن كل عربي أصبح أكثر انشغالا من تذكر موت الأسرى وأقل إخلاصا لقضيتهم، عن كل فلسطيني هتف لرغيف الخبز ولم يهتف لجوعهم، أكتب عن الشعب الذي يملك الخوف بوفرة، شعب موسمي التذكر يختصر قضية الأسرى في يوم الأسير الفلسطيني من كل عام، وأختم نصوصي بالكتابة عن عجزي الذي يرهقني في زمن إهمال القضايا الكبرى وتهميش الأبطال الذين اعتادوا أن لا يأتي على ذكرهم أحد حتى تتكسر الحياة في أعينهم ويخرجون من السجن للموت. وفي كل مرة أدرك فيها أن الأسرى دولة تستحق أن نعلن لها الولاء، أتساءل عن جدوى كلمات تعجز عن الاحتفاظ بأنفاسهم الأخيرة بيننا!!
لا شك أن كل قضية تنطلق من فكرة تبلورت أثناء رفضنا لواقع معين، تمسكنا بهذهِ الفكرة يُحولها إلى مبدأ يستحق أن ندفع حياتنا ثمنا لأجله، وهذا بالضبط ما يفعله الأسير خضر عدنان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي والذي أعلن إضرابه عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي للمرة الرابعة على التوالي احتجاجا على سياسة الاعتقال الإداري، فهو أمضى ما يقارب الست سنوات ضمن عشرة اعتقالات كانت أغلبها تحت مسمى الاعتقال الإداري دون أن توجه له تهمة، وها هو عاد ليرفع من جديد شعاره الذي تحدى به السجان في إضراب 2012 ” كرامتي أغلى من الطعام والشراب وحريتي أثمن وجوعي حق لي “، عاد ليقول للعالم إن الاحتلال لن يُفقده حقه في الحياة.
خضر عدنان الذي عرفت، لم يتوان يوما عن حشد الجماهير لنصرة الأسرى والمعتقلين السياسيين، لم يسبق أن اعتذر عن فعالية أبلغته بها، ودائما كنا نستشيره فنراه الأقرب لاندفاعنا نحن الشباب دون أن يخفي رجاحة عقله في تقدير الأمور. في صدى كلماته كانت تتردد “لا”، يبصقها في وجه كل ظالم. خضر لم يتوانى في الوقوف مع ابن حماس كما ابن فتح والجبهة الشعبية، كانت الحزبية تذوب في مفاهيمه عند أول نداء للواجب. وها هو خضر الذي عرفناه يخوض معركته وحده، وينتظر منا وقفة وموقف بحجم ألمه وحريته المسلوبة. فهل من مجيب فينا؟ أم أننا ننتظر العدالة الإسرائيلية؟
اسمعوا إذا، للعدالة في المحاكم الإسرائيلية قفص وهمي لا يعرف قسوة أغلاله إلا الضحية ولا يراه بوضوح سوى القاضي، ذاك الذي اختار أن يجهض الحرية دون رحمة. فلا تنتظروا من إسرائيل أن ترأف بخضر عدنان، وظيفة هذه الدولة اقتصرت على القتل، ووظيفتنا يجب أن تقتصر على الثورة في وجهها بكل ما أوتينا من قوة ومن حق.
ولكني أتساءل كيف نصبر في وطن كل ما فيه يرسل لنا دعوة للغضب؟
جبران خليل جبران قال:”ويلٌ لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا مشت بجنازة، ولا تفخر إلا بالخراب، ولا تثور إلا وعنقها بين السيف والنطع″. وويل لنا إن تأخرنا في الثورة والتضامن والغضب لأجل الأسير خضر عدنان، وقتها سنجعل الاحتلال يستهتر بحقوقنا، وقد أثبتت التجارب أنه يحسب حساب التضامن الشعبي والعالمي والرسمي مع الأسرى، ويخشى التصعيد، وقد سبق وعرضت المخابرات الإسرائيلية صور فعاليات التضامن على الأسرى المضربين عن الطعام، كي توصل لهم رسالة أن الشعب لم يكترث بهم، وبالتالي تجعل انهيارهم أسهل. وهذا ما لا أرجوا حدوثه مع الشيخ خضر عدنان، لذا أرجو أن نكون عامل قوة له لا عامل ضعف.
الأسير خضر عدنان.. وإن عدتم عاد!!
بقلم : مجدولين حسونة ... 26.05.2015