كأن مشاركة تنظيم أحمد جبريل «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» لجيش النظام السوري جرائمَه – من محاصرة لمخيم اليرموك حتى الموت جوعاً، إلى القتل المباشر لأهالي المخيم – كأن هذه المشاركة لا تكفي الفلسطينيين لتَظهر تقارير تلفزيونية قبل أيام تحكي عن مشاركة تنظيم فلسطيني آخر هو «فتح – الانتفاضة» النظامَ جرائمه في حي جوبر في دمشق، وذلك بعد مقتل عناصر من هذا التنظيم المنشق عن حركة «فتح» منذ أوائل الثمانينات، وعرض الهوية التنظيمية لأحدهم.
أساس «فتح – الانتفاضة» كان انشقاقاً دموياً عن حركة «فتح»، التي قادها ياسر عرفات، وذلك بدعم من حافظ الأسد، ومنذئذن صادر النظام ممتلكات وعقارات «فتح» في سوريا وحوّلها إلى التنظيم المنشق حديثاً، وبدأت سلسلة اعتقالات لأعضاء وأنصار «فتح أبو عمار» ومضايقتهم حتى اندلاع الثورة. أذكر أن صورة لعرفات في جريدة محلية (لم تتواجد في ظل حافظ الأسد غير صحف محلية حكومية) قد تتسبب باعتقال حاملها وإن كانت تلفّ ساندويش فلافل.
سردٌ سريع عن فصائل النظام
لاحقاً وخلال عملي في «الاتحاد العام لطلبة فلسطين» كانت التركيبة الثابتة كالتالي: رئيس الاتحاد من «الصاعقة»، وهو التنظيم الفلسطيني لحزب البعث، أمين السر من «فتح –الانتفاضة»، أمين الصندوق من «القيادة – العامة»، وهذه التنظيمات الثلاثة هي الملحقة تماماً بالنظام السوري، من حافظ إلى بشار، وهي (كنتيجة طبيعية) غير الحاضرة جماهيرياً على الساحة الفلسطينية في المخيمات خارج الوطن، إلا لغايات الانتهازية والاسترزاق والوصولية لبعض الفلسطينيين، وهي إضافة لذلك غير متواجدة أساساً على الساحة النضالية والحزبية الفلسطينية داخل الوطن (قد يتواجد ثلاثة أو أربعة عناصر لهذا التنظيم أو ذاك!)، ولا نشاط لهذه التنظيمات الثلاثة في ما يخص الكفاح المسلح والجماهيري والسلمي ضد الاحتلال. وفي اتحاد الطلبة، يكونون على توافق يقوده حتماً ممثل الصاعقة، التنظيم الأقرب للنظام السوري.
أما تنظيمات أخرى ودعم النظام (بحافظه وبشاره) لها فهو من باب احتواء القرار الوطني الفلسطيني (لذلك حورب عرفات) واستغلال التواجد الديمغرافي للفلسطينيين في سوريا وحاجتها لتنظيمات تحتاج أصلا لبقعة جغرافية تتواجد عليها، كما تحتاج لجماهير هم في هذه الحالة أهالي المخيمات، وفوق ذلك تحتاج دعماً مالياً ليس بالقليل، لذلك استطاع النظام احتواء التنظيمات الإسلامية كـ «حماس والجهاد»، واليسار كـ «الجبهتين الشعبية والديمقراطية» وتنظيمات ديكورية أخرى، إلا أن هؤلاء لم يقاتلوا إلى جانب النظام بخلاف التنظيمات المرتبطة عضوياً به كالتي ذكرتها آنفاً.
تقرير عن مشاركة فتح – الانتفاضة
منذ السنة الأولى للثورة، شاهدنا تقارير عدّة عن مشاركات تنظيم أحمد جبريل «لقيادة –العامة» في الجرائم بحق فلسطينيين وسوريين. لكنها المرة الأولى (إن لم أكن مخطئاً) التي يُبث فيها تقرير تناول بالإثبات مشاركة «فتح – الانتفاضة»، وقد عرضته قناة «أورينت».
دعا الجميع إلى تحييد الفلسطينيين في سوريا، وكانت دعوات هشّة وفارغة لسبب أساسي هو طبيعة العلاقة التي تربط بين النظام وبين التنظيمات الفلسطينية الثلاثة التابعة له، وهي، بإشارة من رجل أمن، سترفع أسلحتها في وجه أهلها في المخيمات دون تردّد، وهكذا فعلت. فالنظام الذي بات يعتمد في حربه على الشعب، على المليشيات غير السورية (اللبنانية العراقية الإيرانية الشيشانية الأفغانية..) القادمة للقتل والتقتيل على أساس طائفي، ما زال يحتاج المزيد من الميليشيات، وها هي تنظيمات فلسطينية تريق المزيد من دماء السوريين والفلسطينيين.
أعتقد أن سبب عرض التقرير الإخباري هو الهوية التنظيمية التي تم التقاطها من أحد قتلى «فتح – الانتفاضة»، وأنه لو حال أمر دون ذلك لما عُرض تقرير يشير (بالدليل) على مشاركة هذا الفصيل، لكني أعتقد فعلاً (وهذا رأي) أن «فتح – الانتفاضة» لم تتأخر عن «القيادة – العامة» في مشاركة الأسد جرائمه، كونها أولاً أقرب إلى هذا النظام من «القيادة –العامة» من حيث وجودها الوظيفي أساساً في سوريا، وثانياً كونها كذلك مسلّحة وفيها العديد من العناصر المرتزقة حالها حال «القيادة – العامة»، لكن لسبب ما تأخر ظهورها إعلامياً في مقابل الظهور الإعلامي المبكر لتنظيم أحمد جبريل ومبادراته.
لكن هل ما يعكسه الإعلام هو حال مجمل الفلسطينيين وموقفهم من الثورة السورية؟ لا أعتقد. الإعلام يهتم بالتكتّلات السياسية، بالقوى المنظّمة التي يمكن من خلال بياناتها وتصريحات قادتها الوصول إلى مشهد عام يشمل أعضاء هذا التنظيم، وهذا كسل إحصائي، وفيه كذلك مغالطات موضوعية كوننا نحكي عن تنظيمات يملكها النظام السوري، التنظيمات الثلاثة المذكورة هي ملكية خاصة لهذا النظام، وما عداها من تنظيمات (اليسار تحديداً) هي وقياداتها مُستأجرة من قبل النظام.
لكن يسهل على الإعلام الكسول، والتلفزيونات منه تحديداً كونها تتميز عن الصحافة المكتوبة بالانجذاب للسريع والمثير، يسهل عليه إبراز مواقف هذه الكتل السياسية وتعميمها كمواقف عامة للشعب الفلسطيني. وهي بالكاد تكون مواقف التنظيمات المعنية، بل مواقف تنحصر بقياداتها وقسم من كوادرها، وتبرؤ الكثير من الشباب الفلسطيني من هذه التنظيمات دليل على انشقاق أفقي يضربها، أكانت مؤيدة للأسد إعلامياً وسياسياً كالجبهتين «الشعبية والديمقراطية» و «فتح»، وكذلك «الجهاد وحماس» (وإن بخجل تفادياً لردات فعل قواعدها المتديّنة) أو كانت مشاركة لهذا النظام جرائمه كالتنظيمات الثلاثة.
تعميمات الإعلام للموقف الفلسطيني
يبقى الموقف الفلسطيني المستقل عن هذه التنظيمات غير المستقلة مالياً ولا سياسياً، موقف شباب (وفلسطينيين من كافة الفئات) مشارك في الثورة وداعم لها كما مشارك في تقديم التضحيات لهذه الثورة، يبقى موقفاً غير منظّم، غير مأطّر في حركة سياسية تطرح مواقف وبيانات لا لبس في تأييدها للثورة، وهو ما يصعّب المهمّة على الإعلام الذي يرى في هذه كلّها مبادرات وآراء فردية متفرّقة لا تعبّر عنها أي كتلة سياسية. لذلك يطغى إعلامياً الموقف المخجل لتلك التنظيمات، لا مواقف الشباب وأهالي المخيمات (في سوريا تحديداً) والفلسطينيين في الوطن وخارجه الداعم للثورة من أسس أخلاقية ووطنية وإنسانية.
مثال بسيط على ذلك، قبل أيام انتشرت رسالة تهنئة من «الجبهة الديمقراطية» إلى بشار الأسد لفوزه بالانتخابات، ومضمون الرسالة يدلّ على مزايدة من هذه الجبهة على التنظيمات الأخرى في مدى التقرّب من هذا النظام. فوراً، انتشرت صفحة على «فيسبوك» تحمل اسم «رفاق الجبهة الديمقراطية ينحازون للشعب والثورة السورية».
التقارير والأخبار المنتشرة في ما يخص المشهد العام للموقف الفلسطيني مخجلة، لا لسبب فيها بل للموقف الذي تنقله وتعمّمه على الفلسطينيين، موقف التنظيمات التي أصنّفها بين مشارك بالسلاح للأسد في جريمته وبين مشارك بالموقف. إلا أني أعيد وأؤكد أن موقفاً فلسطينياً عاماً آخر داعماً للثورة يفوق في حجمه وتمثيله مواقفَ هذه التنظيمات التي انحسر تمثيلها للفلسطينيين بشكل مريع في السنوات الأخيرة، لكنها تبقى المعبّر إعلامياً عن الموقف العام للفلسطينيين، وهذه خطيئة إعلامية سيُظلم بها الفلسطينيون تاريخياً.
لينقل الإعلام الموقف الفلسطيني الآخر
ما أتمناه من الإعلام العربي أن يتخطّى كذبة تمثيل الفصائل للفلسطينيين، وأن يدرك مدى محدودية تواجدها بينهم، وأن لا يعمّم مواقفها المعيبة من الثورة السورية على مجمل الفلسطينيين، وإن كان ذلك يلبّي حاجات الكسل لدى هذا الإعلام.
هنالك مواقف أكثر تشريفاً للفلسطينيين، يكاد لا يعرف بها من اقتصرت متابعته على التلفزيونات، ما أدعوا هذه التلفزيونات إليه هو، لا تجاهل مشاركات فلسطينيين للنظام في جرائمه، فلا بد من فضحهم لمحاكمتهم لاحقاً، ما أدعوها إليه هو توسيع البيكار قليلاً لينقلوا للعالم مواقف أكثر تعبيراً عن فلسطينيين لم يكتفوا بتأييد الثورة بل ضحّوا كالسوريين لأجل حرية هذه البلد.
«الخطيئة الإعلامية» في تناول المواقف الفلسطينية من الثورة السورية!!
بقلم : سليم البيك ... 10.06.2014
كاتب فلسطيني